7 مايو 2010

واقع الأحزاب الإسلامية : من القيمة المضافة إلى المجرور بالإضافة !!

من يذكر السبعينيات بنظامها الأحادي سياسيا، و"الكوموني" فلاحيا، و"الفرنكوفوني" ثقافيا، و"الماركسي" إيديولوجيا، يتذكر مع كل هذا الوجه غير الطبيعي للجزائر المستقلة آنذاك، والتي كانت طموحات أبنائها إلى الحرية تتأجج، وزخم التفاخر العربي والإسلامي ببلادنا يتزايد، واكتشافات ثرواتنا تتنامى في كل يوم، من فوق الأرض وتحتها، لكن رغم هذا التناقض بين زخم تحرري جلب لنا الفخر، ومسار سياسي –على ما فيه من حسن نية أحيانا- يخنق الأنفاس، ويجعل كل صاحب فكرة مناقضة خلف المتراس!!

رغم كل هذا وغيره إلا أن حراكا فكريا متنورا بدأ يتبرعم، ومشروعا دعويا بدأت معالمه تتجلى على يد رجالات حملوا همّ دعوتهم والغيرة على مبادئهم، ولعل جامعة الجزائر كانت أهم ميدان لذلك الأمل الذي جعل من جموع الطلبة ميدانا لتشويق القلوب، وتنوير العقول. فصار لا معنى للجامعة بدون الخطاب الإسلامي الجديد، ولا للمعارض الثقافية المختومة في معظمها بعلامة المطرقة والمنجل أية نكهة جذابة أو فكرة غلابة ما لم تتضمن أفكار الإسلاميين وعروضهم، وتوالت الأيام حتى صار المعرض الإسلامي بجامعة القبة محجا ربيعيا يستقبل زواره ليس من الإحياء الجامعية العاصمية فحسب، وإنما من مختلف أرجاء القطر، ومن يراد شحنة من الشباب الجديد في الثانويات يؤتي به لزيارة معرض القبة أو غيرها من الجامعات فيعود مطعما بشحنة فكرية، روحية، عاطفية، كثيرا ما تحولت بعدها الثانويات إلى مجتمعات مثالية مصغرة في التزام طلابها بالأخلاق، وتفوقهم بالاجتهاد، وجهدهم في النشاط الإسلامي رغم الوجه غير الطبيعي سياسيا واقتصاديا وحتى ثقافة رسمية آنئذ. إلا أن سنوات السبعينيات والثمانينيات كانت مرحلة طبعتها تلك القيم التي تميز بها الغيارى على دينهم وقيم مجتمعهم. لست هنا باكيا على الأطلال ولكن من الوفاء أن نشعر ونشعر شبابنا الجديد أن تلك المراحل كان للإسلامي فيها لون وطعم ورائحة.
أوليست حلقات مالك بن نبي الفكرية، ودروس الشيخ سحنون الوعظية، وحتى الأدبية، ومحاضرات الشيخ محفوظ نحناح الحركية الفكرية والتربوية، ومواقف سليم كلالشة المبدئية .. مما يجمع أبناء الجيل بأنها من أهم القيم المضافة التي جعلت جنة الشباب في صدورهم، وهمهم مستقبل بلدهم، فبعد أن كان التفكير في تخصيص غرفة للصلاة بهوامش من الجامعة جريمة يتهم صاحبها بالفكر الرجعي!! صار لكل جامعة مصلى أو مسجد، بل وفي كل مؤسسة تربوية من الثانوية إلى المتوسطة إلى مركز التكوين كذلك وصارت تقام الجمعة في الجامعات وبعض الثانويات ... أليست هذه قيمة مضافة !!
أما الشارع العام الذي كرس النهج السياسي فيه وجوب خروج المرأة من سترتها والكشف عن مفاتنها وسيقت بنات الأحرار من الجامعات في شكل ثنائيات إلى زيارة القرى الاشتراكية في خرجات يقال "أنها تطوعية "من أجل تجسيد مقولة (المرأة إلى جانب أخيها الرجل) ولمن شاء أن يقرأ بعض قصائد مفدي زكرياء وكيف عبر عن صدمته بعد الاستقلال بمظاهر التغريب وتشويه صورة المرأة الجزائرية. لكن رجال الصحوة والدعوة حركوا آلة الوعي ووضعوا رؤيتهم العودة بالمجتمع إلى صفاء قيمه وسلامه خلقه، فصار في وقت قصير إذا مرت المتحجبة فسح شباب الشوارع لها الطريق، بل أوقفوا الكلام كناية على التقدير والاحترام لأنها "أخت". وإذا دخل أخ ملتح في أي معضلة حل الخصام وسمع له الجميع بعناية واهتمام. أليست هذه قيمة مضافة !!
وحين أغلقت المراكز والقاعات والمسارح والمجمعات في وجه المصلحين والدعاة، اجتهد الإسلاميون في تبليغ رسالتهم ودعوتهم من خلال حفلات الأعراس ومجالس العزاء ولقاءات "التويزة" ومناسبات الصلح "تاجماعت" وتقاليد الأسر الكبيرة "الوكيرة" و"الوزيعة" فضلا عن أفراح "الختان" وولائم "العقيقة" للمولود الجديد، أليس استثمار التقاليد والسنن لنشر الدعوة والإصلاح من القيم المضافة !!
ما دفعني لهذا هو ربط اليوم بالأمس، وأخذ العبرة من خلاصة الإنجاز، فهل المكاسب الدعوية تقاس بما حققته في النفوس والوجدانات، وما قضت عليه من الافتراء والانحراف والخرافات، أم بما تتزيا به من فضول التطورات الإعلامية والتكنولوجية والناتج في قلوب الناس وعقولهم لا يتجاوز الشكليات والتباهي بمصطلحات الكيانات ؟!!
هل القيمة المضافة أن يتحول الإلتزام بالدين إلى مظاهر العفة والبذل في سبيل الله أم أن يتغنى الوعاظ بملئ مكبرات الصوت، وليس همهم ولا في همتهم أكثر من الحصول على مرتب القوت!!؟؟
هل وظيفة الدعاة أن يرشدو الساسة أم أن يصير بعضهم همه ليس أكثر من الجري وراء منصب أو لقب رئاسة!!؟؟
هل همة أصحاب الحزب الإسلامي اليوم أن يرغبوا الناس في أكل الحلال أم يجتهدوا في دفعهم وتشويقهم إلى الجري وراء الكسب والاستثمار ولو كان فيه ربا ورشاو وغيرها من أنواع الشبهة والحرام !!؟؟
هل ينتظر المجتمع المطحون بنار الغلاء وغزو الأمراض الفتاكة، والمهاجم بطوفان الآفات الاجتماعية، هل ينتظر من الدعاة الإسلاميين اليوم ألا يرى لهم حضور إلا بعد إعلان الانتخابات!! فيأتوا ليطلبوا صوته، وغاية حجتهم أنهم "حملة مشروع" بدليل أن "فيهم من له لحية ومن لها حجاب"، أوليس هذا من نكبة دعوتنا بل مما آلت إليه من الأمر العجاب ؟!!
هل هؤلاء الإسلاميون السياسيون هم حملة هم أم تجار وهم ؟!! وإلا كيف يسكت بعضهم عن حملة تعرية المجتمع من القيم. وشوارعنا تعج بمحترفي السرقة!! مساجدنا تلفها مجموعات التسول المنظمة بشتى المقاييس!! المخدرات تزرع بين أبنائنا كالنار في الهشيم!! اللباس المحتشم ينحصر لنسبة لا تقل عن 70 % والذي يود التأكد ينزل إلى شوارع العاصمة أو عنابة أو وهران أو أي مدينة أخرى خاصة الساحلية!!!
لست أتكلم عن الفساد الاقتصادي الذي وصل حدا زكمت منه أنوف المتتبعين لوسائل الإعلام، ولا يجد الإسلامي المتموقع في المنصب أو المتمترس خلف المكتب أكثر من تدبيج بيان "إذا دعت الضرورة" من اجل التعليق على مباركة العلمانيين قانون الإدارة القاضي بكشف رأس المرأة في الصورة البيومترية وكأن هؤلاء لا يرون تحليق القيم، وشراء الذمم!! وكأنهم لا يرون الخمّارات التي صارت تزاحم بقية المحلات!! ولا يرون انتشار الرّذيلة في المرافق العامة بل حتى في الجامعات!!
وكأنهم لا يرون السوق المزدهرة للمخدرات!! أم لا يرون الكرامة المهدورة للآلاف من الشباب والشابات في بحثهم عن العمل لدرجة تصل إلى الإذلال والإهانة !!
كيف لمن أسس حزب "على تقوى من الله" ألا بدمي قلبه تلك الحرية المهدورة ولا الديمقراطية المقهورة. ففي الوقت الذي تتحرك فيه الأحزاب في موريتانيا البلد الصغير لتعيد الانتخابات كل عام، يرى أصحاب الإسلام السياسي عندنا أن من الحكمة القبول بالتزوير ويشرك الشباب المتوضئين في دعم ومباركة رفع النسب والأرقام، والمطالبة جهرا بتكرم السلطة عليه ببعض المناصب كي يكون من أهل النظام!!
إن الذي لا تهزه الصور الشاحبة لوجوه الشرفاء الذين تمتحن مروءتهم من أجل لقمة العيش يوميا، ولم تهزه دموع الثكالى في الشوارع متسولات أو مطلقات أو يعبث بمصيرهن عبر البرامج والسياسات!! هل حقا غضبته لله تعالى لم تتحرك إلا حين سمع حادثة الصورة والجواز والزوبعة التي أريد لها ّأن تغطي الغليان الحادث في الجهاز!!!
أليس ما تشهده اليوم بعض من أحزابنا الإسلامية صورة لا طعم لها ولا لون ولا رائحة!!! بل هي نسخة غير أصلية لأحزاب أخرى لا هم لها إلا المكاسب والمناصب.
أليس الانحراف قد أصاب البوصلة. فبعد أن كان الإسلامي إضافة حقيقية في الواقع صار في كثير من الأحيان يرضى بالأمر الواقع وقد وصل الأمر ببعضهم أن يعبر عن ارتياحه لذلك!!

قال عليه الصلاة والسلام: "لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن أساؤوا أسأنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس فأحسنوا وإن أساؤوا فلا تتبعوا إساءتهم".



ودوما بالفهم نرتقي وعلى المحبة نلتقي.