17 يونيو 2010

رسالة الدكتور علي باشا عمر إلى المشاركين في ملتقى الشيخ محفوظ نحناح

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة الدكتور علي باشا عمر إلى المشاركين في ملتقى الشيخ محفوظ نحناح (*)

الحمد لله رب العالمين وبه نستعين على أمور الدين والدنيا، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
والحمد لله القائل: ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا﴾ (الأحزاب:23).
إن عظمة شخصية شيخنا الراحل المرحوم محفوظ نحناح، تظهر من خلال مواقفه الثابتة حين تزعزع المترددون، وعطائه الثري حين نضبت عيون الدخلاء، وإنجازاته العظيمة حين سقط الكثير في الوحل الآسن، والوقوف عند حدود العالم البصير حين استباح الكثير في هتك المحرمات، وصبره على المحن من سجن ومضايقات. وليس غريبا هذا في شخصيته لأنه نشأ تنشئة صالحة في بيت علم وأدب ونهل في مصادر الثقافة الإسلامية الأصيلة منذ وقت مبكر من خلال ملازمته وتأثره واطلاعه على تاريخ الأمم والمشاريع النهضوية. ولا غرو في ذلك إذ أن الشيخ قد ارتوى من معين مدرسة الإخوان المسلمين الذي لا ينضب والتي أسسها الإمام الشهيد حسن البنا مجدد القرن العشرين رحمه الله.

مناقب لا تنسى للشيخ محفوظ نحناح – رحمه الله - كما يراه أبناءه في القرن الإفريقي:


1. رائد من رواد الدعوة الإسلامية المعاصرة الذين وقفوا أمام الهجمة الشرسة التي قادها أعداء الأمة الإسلامية من أجل مسخ الهوية الإسلامية. فلقد كان فقيدنا سدا منيعا ودرعا واقيا أنقذ الله به أبناء الأمة الإسلامية جمعاء من خلال جولاته وأسفاره.
2. الجندية والتفاني في العمل، فلقد وهب حياته في خدمة الدعوة الإسلامية ونشر قيمها ومبادئها، حتى أصبح مضرب المثل للسالكين في طريق الدعوة الإسلامية المعاصرة.
3. الفروسية في ساحة الجزائر – بلد المليون شهيد- والتي شهدت واحدة من أسوأ المآسي الاستعمارية، حيث شارك في ثورة التحرير الوطني في ريعان شبابه، وهذا يدل على عناية الله بشيخنا الفاضل.
4. عمله على تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية في الجزائر رغبة منه في إيجاد مرجعية دينية للجزائريين تحفظ الشعب والبلد من كل انحراف، مما يوضح بجلاء أن الشيخ كان يحمل هموم الشعب الجزائري منذ وقت مبكر.
5. عمله على تأسيس "حركة المجتمع الإسلامي" في وقت كادت فيه الجزائر أن تنزلق نحو التفتت والانقسام وتفتقد أهم ركائزها ألا وهي "الوحدة الوطنية".
6. وقفته التاريخية ضد التطرف بشقيه "العلماني" الذي أراد سلخ المجتمع الجزائرى المسلم من إسلامه، و"المتقمص في ثوب الإسلام" والإسلام منه بريئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب، والذي كان يريد أن يكسر عظام الشعب الجزائري بعضها على بعضها، خاصة في فترة عويصة تشبه تلك الفترة التي وصف الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم: المتمسك بالإسلام كالقابض على الجمرة، وفي وقت كان تسجيل هذا الموقف يعتبر بمثابة إعلان حرب على الطرفين المتطرفين.
7. القيادية في العمل الإسلامي، حيث كان فقيدنا نموذجا للقيادة الإسلامية الراشدة وصاحب نفس كبيرة تفزع إليه الهموم، ويحل مشاكل شعبه دونما تمييز.
8. القوة في التعبير والإقناع، حيث كانت تعبيراته تأخذ القلوب وتأسر العقول حتى أصبحت مصطلحاته مدروسة في أدبيات الدعوة الإسلامية، ومنها مقولته الشهيرة في خصائص دعوتنا بأنها: "هادئة هادية هادفة"، والتي نفع الله بها كثير من العاملين في حقل الدعوة.

الحركة الإسلامية في الصومال في مواقف مشابهة مع الشيخ محفوظ – رحمه الله:

إن الحركة الإسلامية في الصومال والتي حملت المشروع النهضوي (كما حملتم أنتم أيها الإخوة في الجزائر) في مجتمع تمكن أعداؤه من نيل مقوماته حتى انهارت حكومته المزكزية وانزلق نحو الاحتراب الأهلي منذ 1991 وإلى الآن، واجهت واقعا مشابها للتجربة الجزائرية من عسكرة العمل الدعوي بقيادة تيارات محسوبة على الصحوة الإسلامية، مثل ما سمي بالمحاكم الإسلامية التي كانت ظاهرة غريبة، تكونت من أطياف مختلفة وغير متجانسة أبرزها تيارات تكفيرية جهادية، وقبلية متعصبة، وتجارية مصلحية، وسياسية موجهة من الخارج.
وحققت المحاكم نجاحات ميدانية هشة أمام بعض زعماء الحرب في جنوب الصومال، مما أدى إلى انبهار بعض الإخوة غير المتعمقين في فهم المنهاج الإخواني، ولا المتشبعين في خيوط المعضلة الصومالية. وقد أعلنت الحركة الإسلامية في الصومال رفضها التام لعسكرة العمل الدعوي والخوض في غمار الحرب الأهلية باسم الدين. حينها وقفت الحركة نفس مواقف الشيخ – رحمه الله - عند ما رفض الشراكة والاندماج مع الاتجاهات المتبنية للتطرف، فاستلهمت مقولاته الرائعة واسترشدت بمواقفه الشجاعة، وأحست قيادة الحركة نفس معاناة الشيخ – رحمه الله - عند ما كان يحاول إقناع قيادات العمل الدعوي في العالم بنهجه السلمي المتدرج والذي لا يتماشى مع نهج تيارات العنف والسلاح.
إننا نشكر ونشد عضد المنظمين لهذا الملتقي الدولي تخليدا وإحياءا لذكرى الشيح محفوظ نحناح رحمه الله ووفاءا لنهجه ونضاله، آملين أن تتكرر مثل هذه المؤتمرات، وذلك للاستفادة من تجارب القيادات الإسلامية الفذة في عالمنا العربي والإسلامي حتى ينجح المشروع النهضوي للأمة القائم على الاعتدال والوسطية الإسلامية في التوجيه والتغيير السلمي للمجتمع.
وأخيرا، إن الحركة الإسلامية في الصومال تبارك جهود إخواننا في الجزائر الماضين على نهج شيخنا مربي الأجيال، سائلين لهم كل التوفيق والسداد في أعمالهم الخيرة ولشيخنا الراحل الرحمة والمغفرة ودار الخلد، اللهم آمين.

منهاج الشيخ محفوظ نحناح في الدعوة والتغيير


يمثل منهاج الشيخ – رحمه الله – تطبيقا عمليا لمنهج الإخوان المسلمين، وتنزيلا للواقع بالفكر الإسلامي المعاصر الذي وضع أسسه الفكرية والعملية الإمام حسن البنا – رحمه الله. ويمكن سرد أهم خصائصه بالنقاط التالية:
1- الواقعية والتدرج:
- دراسة واقع الأمة والتفاعل معه بإيجابية.
- رصد التحديات وتحديد الإمكانات والموارد.
- وضع الخطط والبرامج المناسبة لتغيير ذلك الواقع.
2- الوسطية والإعتدال:
- مراعاة الوسطية والإعتدال في فهم النصوص والمسائل الفقهية المعاصرة.
- تطبيق الفكر الإسلامي المعتدل والوسطي في المجتمع المسلم وغير المسلم.
- الابتعاد عن الغلو والتشدد في أمور الدين.
3- المرونة مع مراعاة الثوابت والمتغيرات:
- ضرورة المرونة الذهنية في التعامل مع مجريات الأحداث بعقلية واعية للتفصيل بين النصوص والضرورات والحاجات وبين الثوابت والمتغيرات، وغير ذلك من الأمور.
- ضرورة مراعاة المرونة عند وضع الخطط وبرامج التغيير.
4- التجديد وامتلاك ناصية العلم والمعرفة وهضم المفاهيم والقيم الجديدة.
5- الابتعاد عن مواطن الخلاف وإثارة المسائل الخلافية والفتاوي الشاذة.
6- نظرية "مت مظلوما": "المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما".

منهاج المشروع النهضوي للأمة:


يقول الإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله: "يجب أن يكون الهدف الذي يرمي إليه المصلحون في العالم الإسلامي الآن واضحًا محدودًا مرتكزًا على أصول وقواعد ذات خطوات ومراحل، وإن الأصول الأساسية في نجاح الغاية وإنتاج الإصلاح أن نرمي إلى: "تجديد حياة الأمم الإسلامية، وتدعيم نهضتها الحديثة على أصول إسلامية خالصة، وإنقاذ العالم كله بإرشاده إلى تعاليم الإسلام".

1- المشروع السياسي: ومن أهم ملامحه:
- تحقيق العبودية لله في وضع القوانين والتشريعات.
- تحقيق العدالة الإجتماعية والمساواة.
- تحقيق مبدأ استمداد السلطة من الأمة والتعددية السياسية والتداول السلمى عليها والشورى الملزمة للوقاية من آفة الإستبداد.
- السعي إلى التغيير عبر الوسائل السلمية ومن خلال المؤسسات الدستورية وعبر صناديق الاقتراع، والابتعاد عن العنف في طلب السلطة.
- تحقيق الشفافية ومسؤولية الحاكم أمام الشعب وضرورة محاسبته.
- ضمان الحريات وحقوق الإنسان والأقليات.
- ضمان حقوق المرأة وتفعيل دورها في بناء المجتمع ومشاركتها في السياسة كناخبة ومرشحة.
- التعاون مع فئات المجتمع في المتفق عليه.
- تحقيق رؤية جديدة للعالم بحيث يكون للإسلام دور النموذج المستقل والبديل الحضاري لإيجاد عالم يسود فيه السلام والمحبة والتعاون.

2- المشروع الإقتصادي: ومن أهم ملامحه:
- أسلمة المؤسسات الإقتصادية والمعاملات المالية.
- تحرير إقتصاد الأمة الإسلامية من التبعية والاستغلال السيئ للثروات.
- تفعيل المؤسسات الزكوية وتوظيفها في مكافحة الفقر.
- الاهتمام بالتنمية البشرية والبرامج الكفيلة لحل مشكلة هجرة العقول.
- تحقيق الاستغلال الإيجابي لثروات الأمة والسعي إلى التكتلات الاقتصادية وتبادل الخبرات.

3- المشروع التعليمي: ومن أهم ملامحه:
- أسلمة المعرفة لتساهم في رفع وعي الأمة في كافة مجالات الحياة، وتجديد الفكر الإسلامي الحضاري.
- مكافحة الأمية ورفع الجودة التعليمية والكمية.
- إعطاء الأولوية للتعليم في الموازة القومية ونشر الجامعات والمعاهد التطبيقة.

4- المشروع الإعلامي: ومن أهم ملامحه:
- أسلمة المؤسسات الإعلامية المختلفة.
- توظيف الإعلام في نشر الرسالة الإسلامية.
- التحرر من التبعية الإعلامية وذلك بامتلاك الأقمار الصناعية الإعلامية.
والله أكبر ولله الحمد


د. علي باشا عمر
المراقب العام – الصومال

(*) هذه الورقة أرسلها الدكتور علي باشا عمر من الصومال بعدما تعذر عليه الحضور للمشاركة في ملتقى الشيخ محفوظ نحناح الدولي المنعقد أيام: 27-28-29 جمادى الآخرة 1431هـ الموافق 10-11-12 يونيو 2010م بالجزائر.

مستغانم: الدورة التربوية التكوينية الثانية للمربين

حرصا من المكتب الولائي لحركة الدعوة والتغيير لولاية مستغانم على إنجاز البرنامج المسطر ولائيا للنهوض بالولاية ومربيها الممارسين للعملية التربوية، نظم القسم الولائي للتربية يوم الجمعة 04 جوان 2010م الدورة التربوية التكوينية الثانية المعنونة بـ: "دراسة شاملة لعملية السير بالمنهاج التربوي"، قام بعرضها الأستاذ الفاضل والمدرب عبد القادر بن جعفر.

حضرها عدد من المربين والمربيات، وقد سادها جو أخوي إيماني واهتمام بالغ بالمادة المعروضة. وبعد يوم كامل تخلله أداء فريضة الجمعة تفرق الحاضرون على أمل تطبيق ما تلقوه من معلومات ومعارف، مجددين العهد على التعاون والتواصي بالصبر على أداء المهمة التربوية ضاربين موعدا جديدا للدورة الثالثة إن شاء الله تعالى.

16 يونيو 2010

بعض الفيديوهات الخاصة بملتقى الشيخ محفوظ نحناح الدولي

كلمة الأستاذ المجاهد محمد نزال في ملتقى الشيخ محفوظ نحناح الدولي





الأستاذ أحمد الدان في كلمة على هامش ملتقى الشيخ محفوظ نحناح الدولي




كلمة الأستاذ عبد الوهاب أكنجي من حزب السعادة التركي في افتتاحية ملتقى الشيخ محفوظ نحناح الدولي



كلمة الأخت حميدة غربي في افتتاح ملتقى الشيخ محفوظ نحناح الدولي



01 حوار مع الدكتورة حميدة غربي على هامش الملتقى الجزء الأول





02 حوار مع الدكتورة حميدة غربي على هامش الملتقى الجزء الثاني







01 حوار مع الدكتورة رشيدة لبيوض على هامش الملتقى الجزء الأول





02 حوار مع الدكتورة رشيدة لبيوض على هامش الملتقى الجزء الثاني




تطبيقات منهج الشيخ محفوظ نحناح في حركة الدعوة والتغيير(*)


الشيخ مصطفى بلمهدي

مقدمة:


لقد أصبح الشيخ نحناح رمزا واضحا للعمل الإسلامي المتكامل خلال العقود الأخيرة في القرن العشرين حيث قاد العمل الإسلامي في رقعة واسعة هي الشمال الإفريقي وامتداداته في الجالية الإسلامية بجنوب أوروبا وجزء من دول الساحل والصحراء.
لقد انطلق الشيخ نحناح في كل أعماله للدعوة الإسلامية من منهج واضح تبلور عبر مراحل عدة وصُقل من خلال المحن والمنح والنجاح والإخفاق والضيق والاتساع.
وانطلق منهج الشيخ محفوظ نحناح من قاعدة واضحة تقوم على الإنسان عقيدة وعبادة وسلوكا وعلى الجماعة التي تنطلق من الأسرة إلى المجموعة إلى المجتمع ثم الدولة والأمة التي تنخرط كليا في مشروع الدعوة الذي ينتهي إلى علاقة إيجابية بين الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء هي علاقة الأستاذية التي أشار إليها الدعاة من قبله.
وقد استمر الشيخ محفوظ نحناح يتعهد هذا المنهج بالرعاية والتطوير والارتقاء من مراحل السرية إلى المراحل العلنية ومن التأسيس إلى التنظيم والانتشار، ومن المعارضة إلى المشاركة والمنافسة في ظل الإسلام والوطنية والديمقراطية.
ولم يقتصر منهج الشيخ محفوظ نحناح على عمل فردي زعامي شخصي وقد كان بإمكان ذلك ولكن لم يكن يعمل لذاته ولذلك كان يؤلف الرجال والمؤسسات ويبني العمل الجماعي بناء متكاملا استطاع أن يستمر بعد رحيله رحمه الله.

ركائز منهج الشيخ محفوظ نحناح


1. إسلامية المنهج: فالحقيقة الأساسية عند الشيخ محفوظ نحناح هي إسلامية المنطلق وإسلامية المآلات، فالإسلام هو الحل لم يكن عنده شعارا مؤقتا بل منهجا شاملا ونظام حياة.
2. الدعوة إلى الله: التي هي العلاقة الرابطة بين الإنسان وبين الله وبين الإنسان وأخيه الإنسان وبذلك تنتظم في الدعوة إلى الله علاقات ووشائج خارج العلاقات البشرية العادية.
3. البناء التربوي: وهو المنظومة المتكاملة.
4. سلمية التغيير: التي ترفض كل أنواع التطرف.
5. عالمية الرؤية: إذ لا تحدها الجغرافيا ولا الإيديولوجيا لتستجيب لتطلعات شعوب العالم التي ترنوا إلى العيش المشترك وفق القيم الإنسانية الفاضلة.
6. بناء المؤسسات: تمثل مرحلة كبر المشروع واتساع رقعته وتأطير القيادات والإطارات في هياكله، كما تعد تأسيسا لتقاليد التنظيم والشورى والتخطيط والتداول.
7. تكامل وشمول العمل: من منطلق أن الإسلام دين شامل لكل مناحي الحياة الإنسانية، وهي مجتمعة تخدم بعضها بعضا وإلغاء جانب منها إلغاء لجزء من الحياة الإنسانية.
8. الحوار مع الآخر: ضرورة لتقريب وجهات النظر وتجسير العقبات التي تحول دون الاستفادة المتبادلة والعمل المشترك.
9. حضور المرأة: التي كان ينظر إليها الشيخ من بداية العمل على أنها الجزء الأهم في عملية التربية والإصلاح حيث تشكل حجر الزاوية بالنسبة للمجتمع وصلاحها يتعدى إلى كل مكونات المجتمع.
10. القضية الفلسطينية: التي اعتبرها الشيخ محفوظ القضية المركزية للأمة، ورمزية واضحة لطبيعة الصراع الحضاري وقدسيتها تجعلها قضية المسلمين جميعهم وليست قضية الفلسطينيين والعرب.
11. الوسطية والاعتدال: وهي الصورة المميزة للفهم الصحيح الذي كان الشيخ رحمه الله يفهمه للإسلام ويدافع عنه وينشره بين الناس وهو الإسلام الذي لا إفراط فيه ولا تفريط والذي ترجم في النظرة إلى الأخر والمشاركة معه في العديد من الأشكال.

طبيعة الحركـة


إن حركة الدعوة والتغيير تحمل العديد من المفاهيم والرؤى والقيم في هذا العنوان المميز الذي يحمل ثلاثية المسؤولية وهي: الحركة والتحرك والسعي عبر الدعوة التي هي رسالة الأنبياء عليهم السلام، والدعاة هم أشرف أهل الأرض وأعزها، وعبر التغيير النافع للناس الماكث في الأرض، فنحن لسنا حركة عابرة أو قصيدة جميلة أو خطبة عصماء أو بكاء تهجد أو منافسة مؤقتة أو غير ذلك، بل نحن حقيقة والحقيقة تحتاج إلى وعاء لتمثيلها من خلال التغيير الدائم نحو الأفضل.
1- دعوة هي أساس العمل تحب النفع للناس وترتبط بهم ونبشر بفكرة ودين وخلق وفضائل.
2- عمل متكامل خطة وممارسة لا أجزاء عندنا لبعض الإسلام عن بعض، ولا وقوف عندنا أمام حالة دون أخرى، بل نحن روح ومادة وعلم وعمل وسياسة واقتصاد وقيادة وقاعدة.
3- نمازج التربية والسياسية، إذن السياسة عندنا ليست هي الحزبية فقط وإنما هي إصلاح أمر الأمة والتربية ودين وحامل للسياسة ولا تقوم السياسة الصالحة إلا إذا احتضنتها الحاضنة التربوية الطاهرة المستمرة المؤطرة للعمل النقي والجاد.
4- التوافق قاعدة القرار، فقد حلّ بين الناس تقدير للنظم والقوانين واحتكموا للأغلبية حتى وإن كانت مخطئة ونحن نعتقد أن الاحتكام إلى الحوار والتوافق بين أفراد الجماعة هو أساس مشاركة الجميع في القرار ثم في العمل وإنجاح القرار والتوافق عندنا عنوان تركه الشيخ محفوظ ليكون لنا دليلا عند الظلام.
5- التغيير يبدأ من النفس فقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، يشمل الأمة ولكنه لا ينجح إلا أن تغير النفوس.

حركة الدعوة والتغيير: دوافع التأسيس
لقد تأسست حركة الدعوة والتغيير أصلا كما جاء في "رؤية الحركة" من أجل أن تحقق في وسط الناس معنى جديدا هو الراية الجديدة للعمل الأصيل، حيث اقتضت ظروف عدة داخلية وخارجية أن تظهر راية جديدة طاهرة وواضحة ومستقلة وواعدة، ربانية المنهج، رسالية العمل أساسها الشورى والفهم والتضحية ودمها هو الأخوة والإيثار والتجرد، لتحقيق مبدأ الثبات على المبادئ والقيم التي تركها الشيخ محفوظ نحناح.
وقد انخرط في هذه الحركة كل المؤسسين الحقيقيين الأوائل للدعوة الإسلامية مع الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله ذلك علامة فارقة بيننا وبين غيرنا ممن يزعمون الانتماء للمدرسة النّحناحية الرائدة في الذود عن الإسلام والوطنية الصادقة.
وكان من أهم دواعي هذا التأسيس ظهور الاختلال في التوازن الذي ترك الشيخ رحمه الله بين الشخص والمؤسس والدعوة والسياسة والداخل والخارج والروح والمادة والشباب والشيوخ والرجال والنساء حيث كان كل ذلك في عقد واحد وجميل مرتبط على أساس الوظائف والقيم والأفكار وليس على غير ذلك في أطماع الدنيا وأنانيات الأفراد.
كما أن الدعوة الإسلامية التي تعلمنا مع الشيخ محفوظ نحناح أنها تكاليف وضريبة وتضحية وصبر احتاجت منّا أن ننهض من أجلها وترفع رايتها في ظل تخلى الكثيرين عنها ورغم أن بريق المنافع الدنيوية يخبو من حول حركة الدعوة والتغيير فإن شعاع المبادئ ونور القيم هو الذي يصنع هالة من الضوء حولها يترجمه مثل هذه الملتقيات وهذا الحضور وهذه الوحدة.

التطبيقات العملية لمنهج الشيخ في حركة الدعوة والتغيير


لقد كان مبرر إنشاء الحركة الأساس هو المحافظة على منهج الشيخ النحناح بعد سلسلة الانحرافات المسجلة في المسار الذي كرسه من جاءوا بعده لتولي دفة سفينة الحركة، ولذلك نحرص كل الحرص على الحضور الكامل لمنهج الشيخ في حركة الدعوة والتغيير على المستويات الفكرية المرجعية وعلى المستويات الحركية التنظيمية وعلى مستويات الداخل الحركي وخارجه.

التطبيق الأول:


وهو الأمر المتعلق بالمرجعية التي نعتبرها في حركة الدعوة والتغيير أهم الأسس الضامنة للتوجه الصحيح للحركة ومن خلالها تتمايز الولاءات وتتحرر من الولاءات المنحرفة كاللواءات للأشخاص والعصبيات الأرضية المرتبطة بأغراض الدنيا كالأموال والقبيلة والجغرافيات السياسية والاجتماعية، ومرجعيتنا واضحة المعالم ترتبط أساسا بالكتاب والسنة وهدي السلف الصالح وتعمل العمل الإسلامي الذي يعود خيره على الأمة كاملة ولا تحده الحدود والأقطار ويقوم على الفهم والعمل والإخلاص والتجرد والتضحية والأخوة والثقة والثبات الذي لا يعتريه التلون والتغير بل يحرص على قيم الطاعة ولا يتحايل عليها بأي شكل من الأشكال وعلى ذلك الفهم والالتزام كان الشيخ المحفوظ رحمه الله.

التطبيق الثاني:


وهو الأمر المتعلق بالدعوة للآخر وعلاقتنا الرسالية به والانفتاح عليه فحركه الدعوة والتغيير وعاء من لا وعاء له، وهي حريصة دائما على أن تفتح الأبواب أمام الآخرين وتتيح الفرص أمامهم ومن يجانب هذا المعنى أو يحيد عنه فقد يكون فينا شكلا وهو ليس منا حقيقة لأننا نحرص على إيثار الآخر بالخير كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المنهج الذي كان عليه الشيخ المحفوظ في مختلف مراحل الدعوة والحركة وإن هذا التطبيق هو أوضح عند إخواننا الذين أسسوا العمل معنا وتعاملوا مع الأخر وفق القواعد النحناحية في العلاقة مع الأخر ولا يزالون كذلك على المستويات الاجتماعية والسياسية والفكرية وغيرها.

التطبيق الثالث:


وهو ما تعلق بالعلاقة داخل الحركة حيث أصبحت حركة الدعوة والتغيير صورة للتعامل الإيجابي بين الأفراد هذا التعامل المبني على العلاقات الأخوية والحوار والتناصح والخروج من ذهنيات القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، والخروج من ذهنيات الكولسة والصراعات الداخلية وغيرها من المظاهر السلبية التي كان الشيخ محفوظ رحمه الله يطلب باستمرار أبناء الحركة بالتعالي عنها والارتفاع بمستوى العلاقات إلى المستوى اللائق بالدعاة والقائمين على الدعوة.
وبالرغم من حرص الشيخ محفوظ نحناح المستمر بالارتفاع بالمستوى القانوني للحركة إلا أنه كان يحرص باستمرار على أن تضل آفاق العلاقة الأخوية بين أبناء الحركة عالية وبعيدة عن الهزات الأرضية المختلفة وهو ما نسميه في الحركة بالتوافق في القرار.

التطبيق الرابع:


وهو الأمر المتعلق بالمرأة حيث تعمل الحركة على إيلائها الأهمية الكبرى باعتبارها أحد الأركان الأساسية في العمل الدعوي وغيره من الأعمال التي تشكل فعاليات وأنشطة الحركة والاهتمام بالمرأة توجيه نبوي تلتزمه الحركة وتستحضر فيه النهج الذي ورثته عن الشيخ محفوظ حيث كانت المرأة حاضرة دائما سواء على المستوى الفردي أو المستوى المؤسساتي ودعمها من أجل الوصول إلى المستويات المتقدمة في الحركة أو في المجتمع والدولة.

التطبيق الخامس:


وهو الأمر المتعلق بالمشاركة السياسية حيث تعتبر الحركة أن الإنجازات الكبيرة التي أوصل الشيخ محفوظ نحناح الحركة الإسلامية إليها لا تزال في حاجة إلى رعاية واستكمال ألزمت الحركة نفسها به وهي تعمل كل ما في وسعها من أجل مواصلة الطريق التشاركي وصناعة الفضاءات الضرورية لنمو المشاركة السياسية وتحولها إلى ثقافة وممارسة وتقاليد تتجاوز الحالات الانتخابية إلى حالة وظاهرة اجتماعية يتبناها الجميع مجتمعا ودولة.

التطبيق السادس:


وهو ما تعلق بالشأن الدعوي الذي ظل حاضرا عند الشيخ المحفوظ إلى آخر رمق في حياته حتى أنه حرص على المشاركة الدعوية واعتلاء المنابر في كل الظروف ولم يثنه السجن عنها كما لم يصرفه إلى غيرها إقبال الدنيا على الحركة بل إن الحالة المرضية التي لازمته آخر أيامه لم تقف أبدا عائقا أمام استمراره في أداء واجب الدعوة إلى الله.
ولذلك فإن حركة الدعوة والتغيير أسست للدعوة هيئة وطنية ترعى الشأن الدعوي وهيئات ولائية تتابع الشأن نفسه وأعطت أولوية واضحة في مختلف برامجها للدعوة إلى الله وجعلتها الأساس في العملية التغييرية كما هو واضح في الاسم الذي اختارته لنفسها وفي الخطاب الذي تتواصل به مع الناس.


(*) المداخلة ألقاها رئيس الحركة خلال أشغال ملتقى الشيخ محفوظ نحناح الدولي يوم الجمعة 28 جمادى الآخرة 1431هـ الموافق 11/06/2010م.

كلمة رئيس هيئة أهل السبق والتأسيس الأستاذ الطاهر زيشي خلال الجلسة الافتتاحية لملتقى الشيخ محفوظ نحناح الدولي


بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة رئيس هيئة أهل السبق والتأسيس الأستاذ الطاهر زيشي
خلال الجلسة الافتتاحية لملتقى الشيخ محفوظ نحناح الدولي
يوم الخميس 27 جمادى الآخرة 1431هـ الموافق 10/06/2010
م


والصلاة والتسليم على سيد المرسلين وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار وعلى من حذا حذوهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
نحيي اليوم الذكرى السابعة لوفاة رمز من رموز تاريخ الجزائر المعاصر الذي أعطى للوطنية مفهومها العملي ورد لها مكانتها في التعاطي السياسي والدبلوماسي، وربط بين الإسلام والوطنية، وهو صاحب الشعار الخالد "الجزائر في العيون نفنى ولا تهون"، ورمز من رموز الحركات الإسلامية العالمية المعاصرة الذي جمع بامتياز بين الأصالة والمعاصرة فكان بذلك خير خلف لخير سلف.
وصاحب الأفق الرحب والفراسة الثاقبة التي مكنته من استشراف المستقبل. حدثني ذات يوم ونحن في سجن من السجون في فناء القاعة، حديثا استغربته وقتها "سندخل البرلمان إن شاء الله"، فلا الظروف كانت تسمح بمجرد التفكير بهذه الأمور ونحن في السجن، ولا نظام الحكم القائم على الأحادية يسمح كذلك، لمجرد التفكير في مثل هذه الطموحات والآمال ولكن فيما بعد. ونحن ندخل نظام المشاركة السياسية تحقق ذلك الحكم ففهمت قصده "أن على الحركة الإسلامية أن تعد نفسها تنظيميا، وتعد أتباعها بالتكوين والتأهيل سياسيا لتكون جاهزة لتحقيق ذلك".
قناعته الراسخة بأن سعادة الأمة الإسلامية وخلاصها مما هي فيه يكمن في مبدأ العودة الصادقة إلى منهج الإسلام من جديد فهما وتطبيقا.
فتجسيدا لهذه المهمة الصعبة على أرض الواقع التي تحتاج إلى جهد وجهاد. شرع مع مجموعة من إخوانه ومنهم الشهيد الذبيح محمد بوسليماني الذي قدم نفسه في سبيل الله فداء لوطنه وشعبه وأمته لتكريس المفاهيم الصحيحة للإسلام ومقاصده، ومنهم كذلك الأستاذ الفاضل مصطفى بلمهدي رئيس حركة الدعوة والتغيير وإخوانهم الذين يطلقوا عليهم اليوم تسمية أهل السبق والتأسيس (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)، فقاموا تحت قيادة الشيخ نحناح رحمة الله عليه الذي رباهم على التضحية والفداء والعطاء بالتصدي لمشروع طمس الهوية والانتماء الحضاري والوقوف ضد النهج الاشتراكي المنبثق من رحم الإيديولوجية الشيوعية الذي تبناه النظام السياسي آنذاك واعتبره خيار لا رجعة فيه رغم أنه يتنافى كلية مع تعاليم ديننا الحنيف جملة وتفصيلا ومع قيم وتقاليد شعبنا.
عندما اكتمل البناء والتأسيس لم يتنافس إخوانه على المناصب ولم يتزاحموا بالمناكب على المغانم، ضحوا في زمن المغارم وزهدوا في زمن المغانم، ورغبوا عن الظهور في الشاشات وصفحات الإعلام، وآثروا العمل في مؤخرة الصف، لأنهم علموا أن هذا العمل لا يصلح إلا بالتجرد لله، وعلامات التجرد لله، الزهد فيما عند الناس.
إن هؤلاء المؤسسين لم ينالوا شرف هذا الاسم إلاّ لأنهم اختاروا أن يكونوا القواعد والأسس التي تدفن تحت التراب ليقوم عليها البناء الشامل، لم يكن ذلك سهلا في الأنظمة الشمولية التي كانت تحبس على الناس أنفاسهم، ولكن المؤسسين وقد كان منهم رجل الأعمال ومدير المؤسسة والإطار في الشركات وغيرهم من الوظائف المحترمة، لكن ضحوا بكل ذلك لأنهم فهموا قول الله تعالى: (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ)، وثبات المؤسسين إلى اليوم واختيارهم المواقع التي هم فيها الآن لم يكن اعتباطيا وإنما كان نتاجا لتربية عميقة صاغتها المفاهيم والقيم والأفكار الإسلامية التي تشربوها، ولم تبقى على مستوى نظريات فحسب بل صقلتها الأيام من خلال العمل الميداني المضني والمحن المتتالية قرابة نصف قرن على الثبات على طريق الحق من أجل الوصول إلى الغاية الكبرى: "لله غايتنا".
لقد كان الهدف الأساسي هو المحافظة على المنهج وتكريس المبدأ والأهداف التي أنشئت لأجلها الحركة ومحاولة لإعطاء البعد الإصلاحي لخط وسياسة المشاركة، ولما تصاعدت حمّى المناصب والامتيازات الدنيوية الضيقة فضل المؤسسون التمسك بالمنهاج على حساب الهيكل، وعلى هذا المبدأ عمل أهل السبق والتأسيس متجردين عن كل الأغراض الضيقة، والسبيل الوحيد لذلك العمل على الخط الذي رسمه الشيخ محفوظ نحناح رحمة الله عليه الذي أصبح ملاذا وأملا لجميع الجزائريين بمختلف فئاتهم وهذا هو المقصد الذي تتوخاه حركة الدعوة والتغيير في عملها ونشاطها وأهدافها.


والله نسأل السداد والرشاد.

مرحبا بعودة الشيخ

لا شك أن الترحاب بكل صديق عائد خلق كريم، ولا ريب أن الترحاب بعودة المربي والمعلم مما تزيد الشريف شرفا والكريم نبلا. مرحبا بعودة الشيخ حين عاد في ذكراه هذه الأيام، حتى وإن كنت اعتقد أنه قلق لانخفاض العمل وارتفاع منسوب الكلام، وتزاحم المحتمين بشعاراته وإغفال فكره عن ساحة الاهتمام.
وإذ أرحب بك شيخا فاضلا وعالما عاملا وحركيا مبدعا، فإنني لا اكشف سرا إن قلت لك أني وأمثالي استهوانا حبك وغشيتنا الصدمة بفقدك، فعبرنا عن الحب ترديدا للمناقب، وحاولنا الوفاء من خلال تعليق الصور في المكاتب، وزعمنا اقتفاء نهجك فلم نحفظ من السياسة سوى رفع المطالب!! وليس لنا من حفظ علاقاتك الدبلوماسية سوى الألقاب وحمل الحقائب!!
مرحبا بك وأنت الذي تعودنا منك اتساع الصدر وقبول الاعتذار، وأنت الذي قدمت جمهرتنا للمناصب على ما تملكه من سبق واقتدار. دعنا شيخنا نكمل بك الترحاب، وأنت الذي لا يغلق في وجهه باب، ولا ينزل به ركاب. دعنا نصارحك، فليس لنا عذر وأنت تعلم كم يحمل لنا رفيقك وخليفتك الشيخ مصطفى من عتاب!!
دعني أقول لك أننا حسبنا أننا تعلمنا منك الكثير في حياتك ولم نجد لحظة وفاتك سوى الترحم والترجيع، لكننا وبعد السبع العجاف ندرك أن وفاتك مثل سلوكك في التربية والتكوين كانت تعليما عن طريق الصدقة، وكونك غادرتنا على عجل فصار منا الكثير لم تهبه الصدمة علوا في الهمة بل تغيرت عند بعضهم قداسة المهمة!!
فمعذرة إن كانت صدمة الصحب الكرام عند فقد قائدهم لم تتجاوز ثلاثة أيام، لكنها عندنا تجاوزت سن الفطام، وبعدها وجدت حالنا ليس على ما يرام!! أجل لا يزال في مدينتك التي ترعرعت فيها كثير من الكرام، ومن تلامذتك عبر الوطن من استعادوا الهمة واجتهدوا في ّإعلاء صرح المقام.
السياسة في بلادنا حالها بعدكم تعيس، والاقتصاد رغم ثروات الأرض لا يزال بئيس، عائدات البترول تسمع عنها التراكم والتكديس، الشعب يختنق، نسأل الله اللطف لحظة يحدث التنفيس، العمل الإسلامي في الكثير من الأحيان احترف المتاجرة بقضايا الأمة واستعمل الأسلوب الرخيص، والأسرة الثورية نسيت هذه الأيام أمجاد ثورتها وذكرى استقلالها لأنها مشغولة بفريقنا الرياضي الذي يحمل العديد من أعضائه جنسية الفرانسيس، أما مشروع أكبر مسجد في الجزائر ففي كل سنة تخصص له ميزانية ولكن لم توضع فيه لبنة واحدة، كإعلان عن نية التأسيس !
عفوا أيها الشيخ اعرف أنك لا تطيق الإطناب في الكلام إلا بقدر ما يقتضيه المقام، ولكن دعني أبدد حيرتك، وأتفهم غضبتك. لقد فتح العديد أعينهم على الساحة الإسلامية فوجدوك مربيا حكيما وواعظا فهيما، ثم سياسيا محنكا يحارب الفساد، ويحمي خيرات البلاد. فانجذب الشباب إليك، وسمع الكبار لك، وأنت تعلم أن كثيرا من الزعماء إذا نبغوا في الاجتهاد ركن القوم خلفهم إلى الرقاد، وأنت تعلم من بقي خلف بومدين في تسيير البلاد في الجزائر، ومن خلف الملك فيصل في السعودية في قضية فلسطين، وأنت تعرف ياسر عرفات ولا يملك من خلفه سوى كلمة "مات"!! إنني أدرك أنه يقلقك كثيرا صوت المتحصرين على وفاتك المبكر رغم اختيارك عمر سيد المرسلين. وانزعاجك من المرثيات، لأنك تعلم قبلنا، لو كان الرثاء هو معيار الوفاء لصار الجبناء ورثة الزعماء!!
لكننا اليوم ندرك أنك لم تكن من طينة الذين يطيب لهم العيش في دنيا المستضعفين، وهمهم رغد العيش وزخرف الدنيا والحرص على تأمين مستقبل البنات والبنين!! وأنت الذي كنت تترنم بأبيات الشاعر التونسي الذي غادر الحياة شابا لم يتجاوز السادسة والعشرين:


سأعيش رغم الداء والأعداء *** كالنسر فوق القمة الشماء


أرنو إلى الشمس المضيئة هازئا *** بالسحب والأمطار والأنواء


لا أرمق الظل الكئيب ولا *** أرى ما في قرار الهوة السوداء


كما كنت تردد أيام الكبت السياسي أبيات هذا الشاعر الشاب الثائر فكنت قيروانيا بامتياز:


إذا الشعب يوما أراد الحياة *** فلابد أن يستجيب القدر


ولابد لليل أن ينجلي *** ولابد للقيد أن ينكسر


وقد كنت من على منبر الجامعة في كرسي مادة التفسير لا تخفي هيامك بالشعراء الثائرين والقادة المغيرين رغم المواجهة التي كانت أمامك في معركة أحداث المتدينين، فتبعث الهمة في نفوسنا ونحن آنذاك شبابا حالمين. وقول المتنبي على لسانك:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتكبر في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
فما أروع نبرتك حين خالطتها حكمة الأدباء من العراق!! والمتنبي هو الآخر لم يتم الخمسين من عمره، ولكنه أتم الحكمة في فنه! لا تأسر الحسرة من أدرك سعة نشاطك واتساع أثرك ولو أتعبت من بعدك، لأنك لم تكن ترصف كلاما ولكنك تشفعه بالمواقف، وما خروجك لخرق نظام الطوارئ وفي الجزائر وأنت العائد من رحلة المرض في بداية هذه العشرية وأنت لا تكاد تقوى على الوقوف أمام ترسانة الشرطة الرادعة من أجل تضامنك مع المرابطين في فلسطين إلا دليل حرارة لطالما عبرت عنها بلسان شعراء العصر الذهبي ممن لم يطل بهم العمر، ولكن كبر فيهم العمل. فكم واجهت المتخاذلين عن القضية بحجة المفاوضات وكنت تردد قول أبي تمام:


السيف أصدق أنباء من الكتب *** في حده الحد بين الجد واللعب


بيض الصفائح لا سود الصحائف *** في متونهن جلاء الشك والريب


فمرحبا بك يا شيخ حين تعود، ومرحبا بك حين تختار الخلود، أوليس رحيلك الباكر كنبوغك الباكر، فدائيا كنت أم أديباـ أم داعية أم قائد وزعيما.
لأنك كنت وفيا لثورة الجزائر الكبرى ضد الاستعمار البغيض فلم ترد مخالفة الأسلاف الذين أنجزوا وغادروا باكرا فلا ابن باديس قدوتك في الإصلاح تجاوز الخمسين ولا الفضيل الورتلاني –وأنت المعجب به في خدمة قضية فلسطين- تجاوز الستين. وأنت الفدائي المغرم ببطولة العقيد عميروش الذي لم يتجاوز الثلاثين وابن مهيدي الذي أركع فرنسا ولم يعش أكثر من أربع وثلاثين. إن عظيما هواه من طينة هؤلاء الأخيار الزعماء والحكماء لا عجب أن يترجل قبل وداع الأتباع والمحبين. وكأني بك تمثلت قول شاعر المغرب والأندلس جميعا:


إنا وفي آمال أنفسنا *** طول وفي أعمارنا قصر


لنرى بأعيننا مصارعنا *** لو كانت الألباب تعتبر


أي الحياة ألذ عيشتها *** من بعد علمي أنني بشر


خرست لعمر الله ألسننا *** لما تكلم فوقنا القدر


رحمة الله على الشيخ محفوظ نحناح، ودوما بالفهم نرتقي وعلى المحبة نلتقي.

أ. عبد الله بوحامد

كلمة الشيخ مصطفى بلمهدي في فعاليات :تكريم أعضاء أسطول الحرية الذي نظمته حركة النهضة

كلمة الشيخ مصطفى بلمهدي في فعاليات :تكريم أعضاء أسطول الحرية الذي نظمته حركة النهضة
يوم 21 جمادى الثانية 1431هـ، الموافق: 04 جـوان 2010م



بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين وعلى آله وصحابته والتابعين،
أيها الحضور الكريم الإخوة والأخوات أنصار الحق والإنسانية الذين استجبتم لنداء التضامن مع غزة أحزابا ونوابا علماء ومفكرين وحركات ومجتمع مدني وأصحاب الكلمة الصادقة نحييكم جميعا بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعيش هذه الأيام مأساة جريمة إنسانية ارتكبها القراصنة الإسرائيليون على أسطول الحرية في المياه الدولية الذي أبحر من تركيا أرض الخلافة من أجل فك الحصار على إخواننا في غزة، غزة العزة والكرامة، ذهب ضحية هذه العملية أبطال أتراك أعزاء علينا ارتفعوا شهداء من أجل قضية إنسانية فرحم الله شهداء كسر الحصار على أسوار الحصار من أحفاد الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري الذي نال الشهادة على أسوار قسطنطينية.
نعيش في هذه الأيام رجوع تركيا إلى دورها السابق لتربط حاضرها بماضيها المجيد عهد الخلافة في الحراسة والحفاظ على أرض الإسلام والدفاع عنها، فقد ضحى الخليفة عبد الحميد الثاني رحمة الله عليه بعرشه رافضا مساومة اليهود على أرض فلسطين في أحلك الظروف، رفض بيعها لتبقى أرض فلسطين للأمة الإسلامية.
واليوم يعيد التاريخ نفسه في أحفاد الخليفة عبد الحميد الذين هبوا من أجل فك الحصار الظالم عن إخوانهم في غزة وفي حمايتهم ناشطون ومتضامنون من جنسيات مختلفة واتخذ الله منهم شهداء شامة بيضاء على جبين الشعب التركي فرحم الله شهداء كسر الحصار.
ونحمد الله على من نجا من المشاركين في أسطول الحرية وعودتهم سالمين إلى أهاليهم وأبنائهم مأجورين، كما نشكر الله على سلامة الرجل الصالح رائد صلاح الذي استهدف حياته القراصنة الصهاينة فما قتلوه ولكن شبه لهم.
إننا نعيش في هذا الزمن علو بني اسرئيل في القرآن، علوٌّ جعل دولة إسرائيل المغتصبة فوق القانون وفوق المتابعة والمحاسبة إذا ارتكبت جريمة إنسانية ليس لأحد الحق في التحقيق معها فالتحقيق يكون "إسرائيليا" داخليا فهي المجرم والمحقق والقاضي يحميها جدار الفيتو الأمريكي أليس هذا هو العلو في الأرض الذي وصف به القرآن الكريم بني إسرائيل؟
علو على أمة عربية بدولها الاثنين والعشرين ومائتي مليون عربي.
علو على العالم الإسلامي ذي المليار ونصف مسلم.
علو على العالم الغربي مالا وإعلاما وسياسة.
علو على القوانين الدولية وحقوق الإنسان.
تفعل ما تشاء وتعربد. كلمتها هي العليا في المؤسسات العالمية.
فلعل هذا هو العلو الذي أشار إليه القرآن ليتحقق قوله تعالى ووعده ووعيده »وإن عدتم عدنا»، إنه طريق زوال "إسرائيل" تسير إليه بأنفها لحتفها.
إن أسطول الحرية حقق أهدافا في هدف:
1- عرّى دولة الصهاينة ومجرميها أمام شعوب العالم ودوله، فلم يجد الصهاينة ما يسترون به عوراتهم إلا ورقة توت الفيتو الأمريكي.
2- ورّط أسطول الحرية دولة "إسرائيل" وضيق عليها خناق العزلة العالمية وأصاب دبلوماسيتها في المقتل.
3- أسطول الحرية حرر العرب من خوف الإسرائيلوفوبيا التلمودية، كما فعل حزب الله في إبطال أسطورة الجيش الذي لا يغلب.
4- جلب أسطول الحرية التأييد العالمي لفك الحصار عن غزة والقضية الفلسطينية.
5- أسطول الحرية حرر مصر من التزاماتها الجائرة مع عصابة الدولة الصهيونية بفتح معبر رفح والعاقبة لإزالة جدار العار.
6- أسطول الحرية إن لم يزيل الحصار فقد أحدث في جداره شقوقا وتصدعات تكون سببا في إزالته وانهياره عاجلا أم آجلا بمشيئة الله.
7- أسطول الحرية فتح الطريق لغيره من سفن الحرية العالمية تحديا لدولة "إسرائيل".
- "الإسرائيليون" يرتكبون الجرائم الإنسانية ويبررون أفعالهم بالدفاع عن النفس.
- يمنعون الإعانات الإنسانية عن سكان غزة العزل بحجة تهريب الأسلحة.
- يمنعون عن غزة مواد البناء بحجة إدخالها لصناعة الأسلحة.
- "إسرائيل" تحارب الجميع من وراء جدار الفيتو الأمريكي فعلى الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم إحداث تصدعات في جدار الفيتو.