29 أغسطس 2009

وحدة المصدر والهدف ...


بقلم: عبد الواحد محمد علي



جلستُ يومًا ما على شاطئ النهر أتاملُ حركة الماء المتدفق في اتجاهٍ واحدٍ دون انقطاع، تأملتُ طويلاً في هذا النسيج المتناهي تنسيقًا وانسجامًا.

إنها كميةٌ لا تعدُّ ولا تُحصى من جزيئات الماء التامة التماثل، الكاملة التشابه، الشديدة التلاحم، المتحدة الوجهة، ظللت أتابع تيار الماء فلم أجد أي انحراف، كل الماء من جهةٍ واحدةٍ يأتي، وإلى هدفٍ واحدٍ ينطلق، فقلتُ لنفسي هذا هو النموذج الأمثل لما يجب أن يكون عليه العمل الجماعي، فلم ألحظ أن جزءًا من تيار الماء اتجه فجأةً إلى اليمين أو إلى الشمال مهما تعرَّض للضغوط، فعندما مرَّت سفينةٌ وسط النهر تدافع الماء مكوِّنًا موجاتٍ كلها في اتجاهٍ تأثري واحد للحدث، فالماء الذي على يمين السفينة تدافَع إلى اليمين ثم عاد هادئًا ساكنًا ينطلق إلى وجهته في وقار، والماء الذي على شمال السفينة تدافع شمالاً، وما لبث أن عاد كما كان، فقلت هكذا يكون التفاعل مع الحدث لجموع العاملين لهدفٍ واحدٍ لا يغير من أصل حركتهم أي شيء وإن بدا ظاهريًّا أنه يُحدث تموجاتٍ هنا أو هناك.

عجيبٌ تيار هذا النهر، وما أشبهه بالعمل الجماعي النموذجي أو ما ينبغي أن يكون عليه العمل الجماعي!!، يحتويه وعاءٌ واحد، يأتي الماء إلى النهر من روافد متعددة يحمل معه كل خصائص المكان الذي انحدر منه، وما إن يأخذ طريقه في مجرى النهر حتى يندمج بكل كيانه في وعاء النهر المتدفق في اتجاهٍ واحد، ويحمل الخير كل الخير للناس كل الناس، لا يرد سائلاً ولا يبخل بعطاء، ويحمل عن الناس إساءاتهم ويذهب بها بعيدًا ويُخلصهم منها هناك؛ حيث يصبُّ ما تبقَّى حاملاً أوزار الناس إلى بحرٍ مالح يُطهره من أدران الناس، ليعود بعد أن يتبخَّر إلى السماء مطرًا زكيًّا، ماءً زلالاً، وهكذا الجماعة الربانية تحمل للناس الخير وتحملهم عليه من المنبع إلى المصب، تحمل إليهم الوحي، وتصحبهم إلى النهاية وتعاود الكرة طوال العمر لا تكلُّ عن مهمتها ولا تنحرف عنها، طالما استمسكت بالحق الذي آمنت به وابتُعثت من أجله والهدف الذي تعمل له.

وفرق كبير بين الذي ينظر إلى النهر من بُعد ومَن يغوص فيه، قد يجد في النهر قشًّا أو بعض ما لا يحب، ولكن سيظل النهر متدفقًا بكل شيء حي نافع، مصدره واحد من السماء، ومصيره واحد إلى السماء، فهو وإن كان يجري على الأرض لكنه يجري مترفعًا إلى السماء، وقد يشوبه ما يسيء إلى نقائه ظاهريًّا، ولكنه ينقِّي نفسه بنفسه، ومهما حدثت له في مجراه حادثات أو ظهرت فيه ملوثات إلا أنه كما جاء من مصدره نقيًّا قويًّا فإنه يمضي إلى هدفه نقيًّا فلن يتبخَّر ويصعد إلى السماء إلا الماء.

وألقيتُ في النهر حجرًا فتناثر الماء، وأصابني بعض الرذاذ، ولاحظتُ حول نقطة وقوع الحجر في الماء دوائر موجية تتسع وتتسع حول موضع الحجر، فرأيتُ الحجر وهو يُحدث أثره في الماء، فرأيت أن للماء ردَّ فعل لهذا الارتطام، غاية في العبرة والتناسق، لكنه كان تفاعلاً في قمةِ التناسق حول الحجر فجميع النقاط المحيطة حول الحدث قد أدَّت دورها في التفاعل مع الحدث بنفس الدرجة بلا أي فرقٍ، وكأنَّ الدوائر الحادثة حول مكان الحجر قد رسمها مهندس حاذق غاية في الدقة.

أما أجزاء الماء التي تطايرت من فعل ارتطام الحجر فإنها عادت إلى النهر؛ لأن الذين يعايشون نهر الجماعة المتحد المصدر والهدف، لا يبتعدون عن مجراهم ونسيجهم الأصلي، ومهما حاولت أية قوة أن تُبعدهم فإنهم يعودون ما دامت طبيعتهم التكوينية كما هي، إنها سنة الله في الخلق والتكوين، ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ (فصلت: من الآية 53).

وقبل الغروب جلستُ أتامل سكون ماء النهر وهدوءه وانسيابيته، فتذكرت أنَّ الله يصف الجنة أنها تجري من تحتها الأنهار، ولم يقل سبحانه تجري من تحتها البحار؛ لأننا نشعر برهبةٍ ونحن نرى ونسمع زمجرة البحر الهصور، ونشعر بالاطمئنان والسكينة في وداعةِ النهر الوقور.

وحين نظرتُ إلى السماء هالني منظر السحاب الثقال تطير فوق الرؤوس، إنه نفس الماء وربما كان على نفس الأرض التي نقف عليها، فسبحان مَن أجراه تحت أقدامنا بإرادته وطيَّره فوق رؤوسنا بقدرته، نظرتُ إلى السحاب وهو يرعد ويبرق، فقلتُ أيها الماء ألستَ أنت ذاك الوديع الطيف في مثل هذا النهر الضعيف؟، مالي أراك الآن تُهدد وتتوعد وتزمجر وتلقي بالشرر هنا وهناك؟ هل نحن أغضبناك؟!

نعم كم أسأنا إليك كثيرًا عندما أتيتنا منسابًا سلسًا هادئًا فلوَّثناك وحمَّلناك أدراننا، والآن نرتعد من وعدك ووعيدك، فربما تهطل مطرًا نافعًا مثمرًا، وربما تسيل سيلاً عنيفًا مدمرًا، وعلى أية حال ينزل ماؤك نعمة لأناسٍ أو نقمة على آخرين، وهكذا حركة جماعة المؤمنين فإنها تُزكي وتتبنَّى الطائعين الصالحين، وتؤدب البغاة الظالمين، فإن لم تكن كذلك أو تحاول أن تكون فإن نهر حياتها سيجف ويعبث في مجراه العابثون.

خطيب الأقصى يتهم زعماء العرب بالتخلي عن القدس










اتهم رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري زعماء العالمَيْن العربي والإسلامي بالتخلي عن المدينة المقدسة التي وصفها بأنها "أسيرة وحزينة ويتيمة".

وعبَّر في تصريحات صحفية اليوم عن قلقه العميق من اشتداد الهجمة الصهيونية المتسارعة على القدس "لخنقها وتهويدها"، مستغلة الخلافات الفلسطينية الداخلية والأوضاع العربية والإسلامية المضطربة للإجهاز على القدس.

واعتبر مناداة الولايات المتحدة لتجميد الاستيطان بأنها "عملية مراوغة وتضليل، تهدف لمنح الشرعية للمستوطنات القائمة التي قسَّمت البلاد وشتَّت العباد"، وأن أية مبادرة سياسية جديدة تطرحها قريبًا ستخدم الاحتلال، وتهدف لتصفية القضية الفلسطينية.

وتساءل: "يتحدثون عن طرح مبادرة أمريكية جديدة الشهر المقبل، فأين خطة الطريق فهل ضاعت على الطريق؟!".

وشدد خطيب المسجد الأقصى على أنه لا يعوِّل على المفاوضات مع الاحتلال، باعتبار أن "القاصي قبل الداني بات يعلم أن الكيان لا يريد حلاًّ عادلاً؛ وهي تأخذ المفاوضات وسيلة للتسويف والتأجيل لإطالة عمر الاحتلال"، مشيرًا إلى أن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو كرَّر مرارًا أن القدس مستثناة من أية مفاوضات، "علمًا أن الاستيطان لم يُبق سوى 3% فقط من أرض فلسطين التاريخية".

وانتقد الشيخ صبري غياب خطة إستراتيجية متكاملة لإغاثة مدينة القدس المحتلة؛ تشمل رصد ميزانية لائقة تغطي نفقات خدمات الإسكان والتعليم والصحة ومختلف مجالات الحياة في المدينة.

وطالب برصد ميزانية سنوية حقيقية لدعم القدس قيمتها نصف مليار دولار لتغطية نفقات المؤسسات الحياتية المحاصرة في المدينة.

وعن قرارات القمم العربية والمؤتمرات الإسلامية بدعم القدس ماليًّا، قال الشيخ صبري إنه لا علم له بما اتخذ من قرارات، ولا فكرة لديه عن بلوغ مثل هذا الدعم.

وكان الشيخ صبري شارك على رأس وفد من القدس في حفل إفطار نظَّمته الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح في بلدة الرينة داخل أراضي 48.

وفي كلمة مقتضبة شدد الشيخ عكرمة على حيوية التواصل بين فئات المجتمع الفلسطيني، وقال إنه "أحوج ما يكون إليه وللتوحد والتوحيد"، منوهًا لأهمية استثمار الشهر الفضيل لتحقيق القيم الإسلامية الرفيعة.

وأثنى على دور فلسطينيي الداخل في نصرة الأقصى والقدس المحاصرة، وشدد على أهمية استمرار التواصل معها.
------------------------------------------------

مقال: مشفى تلهاشومير الإسرائيلي



مصطفى يوسف اللداوي
كاتب وباحث فلسطيني
والحقيقة أن أطباء مشفى تل هاشومير ومشرحة أبو كبير كانوا يتعمدون استئصال الأعضاء الداخلية للشهداء وقتلى حوادث الطرق، قبل أن يقوموا بتسليم الجثث إلى ذويها، وكانوا ينقلون الأعضاء السليمة إلى المرضى الإسرائيليين، الذين يكونون في حالة انتظار متبرعٍ لعضوٍ يناسب أجسادهم، وكانت هذه العمليات غير الأخلاقية تتم أحياناً بعلم إدارة المستشفى والمشرفين على العمل فيها، ولكنها كانت تتم في أحيانٍ أخرى دون علم الإدارة، فيقوم بها أطباء وممرضون من تجار الأعضاء البشرية،
يذكر الفلسطينيون مشفى تل هاشومير الإسرائيلي، الكائن في ضواحي مدينة تل أبيب، مقر مسرح الجريمة الإسرائيلية المنظمة، ويذكرون أكثر مشرحة أبو كبير التابعة لسجن أبو كبير، وهي المشرحة التي رقد فيها آلاف الفلسطينيين، ووضع في براداتها مئاتُ الشهداء وقتلى حوادث الطرق، وعمال مفقودين تبين بعد ذلك أنهم نزلاء مشرحة أبو كبير، وفيها خضعت جثتهم لعمليات تشويه وتمثيل، ونزعٍ لأعضائهم، دون مراعاةٍ للأمانة الطبية، ولا لقسم أبقراط، ودون أدنى التزام بأخلاق المحاربين، ودون أي اعتبار ولا تقدير ولا احترام لحقوق الإنسان، وكثيراً ما كانت عائلات الشهداء وقتلى حوادث الطرق الفلسطينيين يشكون من أنهم تسلموا جثت ذويهم وهي خاوية من أحشاءها، ومخيطة بطريقةٍ مشينة، بعد أن أفرغ الإسرائيليون جوفها من كل أعضاءهم الداخلية، ووضعوا مكانها قطناً قبل أن يعيدوا إغلاق بطونهم، وتخييطها بما نسميه " خياطة شلالة "، ولم يكن أحدٌ من الفلسطينيين يقوى على الشكوى أو مراجعة السلطات المعنية والمسؤولة عن هذه الجرائم، وكان الأهل في فلسطين يعجلون بدفن شهداءهم وقتلاهم دون أن يفتحوا ملفات تحقيقٍ أو مساءلة، فجُلُ ما كان يهمهم هو مواراة فقيدهم التراب، لأنهم يعتقدون أن كرامة " الميت " دفنه .
والحقيقة أن أطباء مشفى تل هاشومير ومشرحة أبو كبير كانوا يتعمدون استئصال الأعضاء الداخلية للشهداء وقتلى حوادث الطرق، قبل أن يقوموا بتسليم الجثث إلى ذويها، وكانوا ينقلون الأعضاء السليمة إلى المرضى الإسرائيليين، الذين يكونون في حالة انتظار متبرعٍ لعضوٍ يناسب أجسادهم، وكانت هذه العمليات غير الأخلاقية تتم أحياناً بعلم إدارة المستشفى والمشرفين على العمل فيها، ولكنها كانت تتم في أحيانٍ أخرى دون علم الإدارة، فيقوم بها أطباء وممرضون من تجار الأعضاء البشرية، الذين يتربصون بجثث الفلسطينيين، وينتهزون الفرص للاستفادة من موائمة أجسادهم، ويقومون باستخراج أعضاءهم والاتجار فيها، وبيعها للمحتاجين أياً كانت جنسياتهم، وساعدهم في ذلك فتوى رجال الدين اليهود، الذين يجيزون لهم الاستفادة من أعضاء " الغوييم "، حيث يعتبرون أن إنقاذ حياة اليهودي أهم بكثير من استمرار حياة " الغوييم "، فضلاً عن أن تعاليم التلمود تقول أن غير اليهود " الغوييم " قد خلقوا لمساعدة اليهود، وليكونوا عبيداً لهم، فكانت فتوى رجال الدين اليهودي تسهل للعابثين الإسرائيليين المضي في هذه الجرائم الإنسانية، كما أن التشريعات القانونية الإسرائيلية لا تدين أو تجرم الاتجار بالأعضاء البشرية، شرط أن تكون من غير اليهود، ويشارك كبار الأطباء الإسرائيليين في عملياتِ زرعٍ لأعضاءٍ مسروقة، رغم علمهم بأنها عملياتٌ غير مشروعة طبياً، كون الأعضاء المزروعة مسروقة أو مأخوذة بطريقةٍ غير مشروعة.فما نقلته صحيفة " أفتون بلاديت " السويدية على لسان مراسلها في فلسطين المحتلة دونالد بوستروم لم يكن سراً أو أمراً جديداً تفاجئ به الفلسطينيون، وإنما هو حقيقيةٌ قديمة تم الكشف عنها من قبل جهاتٍ دولية، ولكنها لا تعني بحال أن هذه الجريمة الإسرائيلية جريمةٌ جديدة، بل هي ممارسة قديمة، وفعلٌ لا يرى فيه الإسرائيليون أنه جريمة، أو أنه يمس حقوق الإنسان، ولا نستبعد أن تجار أعضاءٍ بشرية إسرائيليين كانوا يقومون بعملياتِ قتلٍ عمد لفلسطينيين، وكانوا يقومون بعد جريمتهم بنقل القتلى والشهداء إلى المستشفى، وهناك يستكملون جريمتهم بسرقة الأعضاء المطلوبة تمهيداً لبيعها أو نقلها إلى مستفيدين إسرائيليين، أي أنهم كانوا يقومون بعلمياتِ قنصٍ وقتل واستئصال أعضاء حسب الطلب، خاصة في ظل حالات اختفاء مفاجئة لفلسطينيين، ثم يظهرون فجأة قتلى في المستشفيات الإسرائيلية، بعد أن يقوم مجهولون بنقلهم سراً إلى أحد المستشفيات الإسرائيلية .
أما الشهداء الفلسطينيون واللبنانيون الذين يستشهدون في أرض المعركة، ويصعب على المقاومين استعادة جثثهم، فإنهم يخضعون بالتأكيد إلى عمليات نقل أعضاءهم إلى بنوك الأعضاء البشرية في المستشفيات الإسرائيلية، ويصعب بعد ذلك اكتشاف هذه الجريمة، لأن عملية تبادل الجثث بين المقاومين وسلطات الاحتلال الإسرائيلية تتم غالباً بعد سنوات، أي بعد تحلل الجثث وضياع أثار الجريمة .
ومعروف أن الاتجار بالأعضاء البشرية جريمة منصوص عليها، وهي عملٌ غير مشروع يحاسب عليه القانون، ويعتبره مساساً بكرامة الإنسان، واعتداءاً صارخاً على حقوقه سواء كان حياً أو ميتاً، كما أن الأديان السماوية تحرم المساس بحرمة الميت، ويعتقد بعض علماء المسلمين بحرمة نبش القبور، واستخراج الجثث وتشريحها، حتى ولو كان الغرض من ذلك الاستفادة العلمية، اللهم إلا بعد موافقة ذوي المتوفى، كما أن النفس الإنسانية السليمة تعاف هذا الأمر، وترفضه بفطرتها، ولكن حقيقة الحال أن الإسرائيليين قد ثبت بالدليل القطعي والجرم المشهود، وفي أكثر من مكانٍ في العالم، أنهم يمارسون مهنة سرقة الأعضاء البشرية والاتجار بها، ويرون أن الحفاظ على حياة اليهودي أمرٌ مقدس، وأنه لا يجوز استئذان الغير " الغوييم " لأخذ موافقته للحفاظ على حياة اليهودي، بل ينبغي المبادرة للقيام بهذا الواجب، كما أثبتت التحقيقات في أكثر من دولة ضلوع رجال دين يهود "حاخامات" في تجارة الأعضاء البشرية، وأنهم كانوا يجلبون الأعضاء البشرية المطلوبة من "إسرائيل" ، ويبيعونها بأثمانٍ باهظة إلى مرضى محتاجين في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية بالإضافة إلى المواطنين الإسرائيليين.
أمام هذه الجريمة الإسرائيلية النكراء، التي يشهد عليها المجتمع الدولي، والتي كشف خيوطها صحفيون غربيون، فإنه ينبغي التقدم بشكوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، تضاف إلى مجموعة الشكاوى المرفوعة ضدها على خلفية اقترافها جرائم حرب وأخرى إنسانية، خاصةً أن الشهود على هذه الجريمة ليسوا فلسطينيين، بل هم غربيون متهمون بالولاء لإسرائيل، وبحماية وحصانة السامية، وبين يدي هذا الإدعاء نؤكد أن إسرائيل تقتل الفلسطينيين لتسرقهم، وتذبح الفلسطينيين لتبقر بطونهم، وتسرق أعضاءهم ، ورغم مقولة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وأرضاها لولدها عبد الله بن الزبير " وما يضير الشاة سلخها بعد ذبحها "، فإننا معنيون بحماية شهداءنا وقتلانا، والحيلولة دون الإساءة إليهم، ولن نسمحَ للإسرائيليين ولا لغيرهم بأن يمثلوا في جثثنا، ولا أن يبقروا بطوننا، ويستخرجوا ما شاؤوا وما احتاجوا من أحشاءنا، وإننا نهيب بالحكومة السويدية ألا تقدم اعتذاراً إلى الإسرائيليين، وأن تمضي قدماً في كشف وفضح الجرائم الإسرائيلية، كما نقدم الشكر نيابةً عن شعبنا الفلسطيني إلى الصحفي السويدي دونالد بوستروم، على شجاعته وجرأته، ومصداقيته ومهنيته، ونأمل ألا يخضع لأي ضغوطٍ صهيونية، وأن يبقى محافظاً على قدسية مهنته، وطهارة قلمه .
دمشق في 25/8/2009 مصطفى يوسف اللداوي
------------------------------------------------------------

الشيخ القرضاوي يدعو في رسالة لوزراء الأوقاف والمفتين إلى حملة تضامن مساجد الأمة مع المسجد الأقصى في الذكرى الأربعين لإحراقه







وجّه فضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي، رئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية، رسالة إلى وزراء الأوقاف والمفتين في الدول العربية والإسلامية لمناسبة الذكرى الأربعين لإحراق المسجد الأقصى على يد المتطرف الصهيوني مايكل روهان في 21/8/1969.
وقال الشيخ القرضاوي في رسالته" "تمرُّ هذه الذكرى في هذا العام والنار في المسجد الأقصى لم تنطفئ بعد، فالكُنُس اليهودية من حوله تتزايد لتخنقه، والأنفاق والحفريات تنخرُ وتقوّض أساساته، والمسلمون من شتى أصقاع الأرض، وحتى من الأحياء الملاصقة، يُمنعون من الوصول إليه، والمجموعات اليهودية المتطرفة تُدَنّسه في كل يوم جماعات وأفراداً، وتقيم فيه طقوسها وتقدم قرابينها، وبرلمان الاحتلال يعقد حلقاتٍ دراسية خاصة ليضع خطة عملية لتقسيمه بين المسلمين واليهود، ومخطط إغلاق أجزاء واسعة من ساحاته لتخصَّص لصلاة اليهود لم يعد سرًّا وبات وشيك التطبيق".
وطالب القرضاوي وزراء الأوقاف والمفتين بإعلان يوم الجمعة (28/8/2009) يومًا لتضامن مساجد الأمة مع المسجد الأقصى عبر خطب الجمعة وفعاليات مختلفة. وتأتي رسالة الشيخ القرضاوي في سياق حملة نصرة الأقصى التي تطلقها مؤسسة القدس الدولية من 15/8/2009 إلى 5/9/2009 في الذكرى الأربعين لإحراق المسجد الأقصى تحت شعار "40 عامًا وناره تشتعل...فلنحمِ أقصانا".

خواطر حول شهر الصيام..



أعدها للنشر: عبد الحليم الكناني



للأستاذ البنا في حديث الثلاثاء (كان الإمام الشهيد حسن البنا حريصًا على أن يغرس في نفوس الإخوان التفاعل الحيَّ مع ما يمر بهم من مناسبات إسلامية، يلتمسون فيها الزاد، ويتعرضون لما فيها من نفحات، ويستمدون منها طاقةً روحيةً ونفسيةً عظيمةً، ويتدبرون ما فيها من عبر وعظات، ويحولون ذلك كله إلى نماذج حية من الالتزام والحركة، وصورًا صادقةً من العمل والتطبيق..
(كان الإمام الشهيد حسن البنا حريصًا على أن يغرس في نفوس الإخوان التفاعل الحيَّ مع ما يمر بهم من مناسبات إسلامية، يلتمسون فيها الزاد، ويتعرضون لما فيها من نفحات، ويستمدون منها طاقةً روحيةً ونفسيةً عظيمةً، ويتدبرون ما فيها من عبر وعظات، ويحولون ذلك كله إلى نماذج حية من الالتزام والحركة، وصورًا صادقةً من العمل والتطبيق..
وهنا يتعرض الإمام البنا لمناسبة دخول شهر رمضان، فيفيض على حضور درس الثلاثاء بهذه المعاني العميقة عن شهر الصيام، بأسلوبه السهل السلِس، الذي يتناسب مع كل الأفهام والثقافات، ولا عجبَ أن كان يحضره صفوةُ المثقَّفين وطلاب الجامعات، مع جماهير العمال والفلاحين والحرفيين). نحمد الله تبارك وتعالى، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته إلى يوم القيامة.. أيها الإخوة الفضلاء: أحييكم بتحية الإسلام، تحيةً من عند الله مباركةً طيبةً، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. في هذه الليلة التي تجاوز ختام شعبان.. نختتم هذه السلسلة من المحادثات حول نظرات في القرآن.. كتاب الله تبارك وتعالى. هذا- أيها الإخوان- ورمضان شهر شعور وروحانية إلى الله، وأنا أحفظ فيما حفظت أن السلف الصالح كانوا إذا أقبل رمضان ودَّع بعضهم بعضًا حتى يلتقُوا في صلاة العيد، وكان شعورهم.. هذا شهر العبادة، وشهر الصيام، والقيام، فنريد أن نخلوَ فيه لربنا، والحقيقة- أيها الإخوان- أنني حاولت أن أجد فرصةً نقضي فيها حديث الثلاثاء في رمضان فلم أجد الوقت الملائم.
فإذا كنا قد قضينا معظم العام في نظرات في القرآن.. فأنا أحب أن نقضي رمضان في تطبيق هذه النظرات، خصوصًا وكثيرٌ من الإخوان يصلي التراويح، ويطيل فيها فيختم القرآن ختمةً واحدةً في رمضان، وهي طريقة بديعة، وفيها معنًى من معاني الإفاضة.. كان جبريل يدارس النبي- صلى الله عليه وسلم- القرآن كل سنة مرةً، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جوادًا سخيًّا، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يدارسه جبريل القرآن، فإذا به- صلى الله عليه وسلم- أجود من الريح المرسلة.
وظلت هذه المدارسة حتى كان العام الذي اختير فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى، فعارضَه جبريل القرآن مرتين، وكان هذا إيذانًا للنبي- صلى الله عليه وسلم- بأن هذا ختامُ حياته في الدنيا.
رمضان- أيها الإخوان- شهر قرآن، يقول فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربِّ، منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه.. قال: فيشفعان" (رواه الإمام أحمد والطبراني).
أيها الإخوان.. إن في نفسي فكرةً أحب أن أتحدث فيها.. ولما كنا على أبواب شهر الصوم فليكن الحديث منثورات وخواطر حول شهر الصيام، فاحرصوا- أيها الإخوة- على أن تكون قلوبُكم مجتمعةً على الله- تبارك وتعالى- في ليالي هذا الشهر الكريم، فإن الصوم عبادةٌ احتجزها الله- سبحانه- لنفسه "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به".
وذلك يشير يا أخي إلى أن كل الأعمال التي يقوم بها الإنسان فيها نوعٌ من الفائدة الظاهرة الملموسة، وفيها كذلك شيءٌ من حظ النفس، فقد تعتاد النفس الصلاة فيكون من حظِّها أن تصلي كثيرًا، وقد تعتاد الذكر فيكون من حظِّها أن تذكر الله كثيرًا، وقد تعتاد البكاء من خشية الله فيكون حظُّها أن تبكي كثيرًا.. أما الصوم- يا أخي- فليس فيه إلا الحرمان، وهو بريء من كل الخطوات، فإذا كنا سنُحرم من أن يلقَى بعضنا بعضًا، فإننا سنسعد كثيرًا بمناجاة الله- عز وجل- والوقوف بين يديه تعالى، خصوصًا في صلاة التراويح. وتذكروا أيها الإخوان دائمًا أنكم صائمون امتثالاً لأمر الله- تبارك وتعالى- واجتهِدوا أن تصاحبوا ربَّكم بقلوبكم في هذا الشهر الكريم؛ فرمضان- أيها الإخوان- شهرٌ فاضلٌ حقًّا، وله منزلةٌ كبرى عند الله - تبارك وتعالى - أشاد بها في كتابه الكريم ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة: 185).. والآية هنا- يا أخي- تجد في آخرها ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾.. فالصيام فائدة لا ضررَ فيها، وقد رتب الله على إكمالها هدايةً منه لعبده، فإذا وفَّقك الله لإكماله في طاعة الله كانت هداية وكانت هدية تستحق الشكر وتكبير الله على تلك الهداية ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، ثم انظر يا أخي إلى ما ترتب على هذا كله ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة: 186). هنا يا أخي ترى أن الحق- تبارك وتعالى- قد وضع هذه الآية في هذا الموضع ليدل على أنه- تبارك وتعالى- أقرب ما يكون لعبده في هذا الشهر الفاضل، ولقد ميَّز الله تعالى شهر رمضان، وجاءت فيه الآيات والأحاديث.. قال صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النيران وصفدت الشياطين، ثم نادى مناد من قبل الحق تبارك وتعالى- يا باغي الشر أقصر، ويا باغي الخير هلمَّ".. فضائل رمضان فتحت- يا أخي- أبواب الجنة لإقبال الناس على الطاعة والعبادة والتوبة فيكبر أهلوها.. وصفدت الشياطين أي غُلَّت؛ لأن الناس سيكونون منصرفين إلى الخير، فلا تستطيع الشياطين شيئًا.. فأيام رمضان- يا أخي- وليالي رمضان هي مواسم تشريفات من قبل الحق- تبارك وتعالى- ليزداد المحسنون فيها إحسانًا، ويتعرض المسيئون فيها لفضل الله- تبارك وتعالى- فيغفر الله لهم، ويجعلهم من المحبوبين المقرَّبين. إن أفضل فضائل هذا الشهر الكريم، وأكرم خصائصه وغرره، أن الله- تبارك وتعالى- قد اختاره ليكون وقتًا لنزول القرآن.. هذه ميزة امتاز بها شهر رمضان؛ ولهذا أفردها الله- تبارك وتعالى- بالذكر في كتابه، فقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ﴾ (البقرة: 185).
وهناك رابطة معنوية وحسية بين نزول القرآن وشهر رمضان.. هذه الرابطة هي كما أنه أنزل القرآن في رمضان، فقد فرض فيه الصيام؛ وذلك لأن الصيام معناه حرمان للنفس من شهواتها وأهوائها، فهذا انتصار للمعنى الروحي في النفس على المعنى المادي فيها، ومعنى هذا- يا أخي- أن النفس الروحية والفكر الإنساني ستتخلَّص في رمضان من مطالب الجسم ومقومات الحياة البدنية، فالروح الإنسانية في هذه الحالة على أصفى ما يكون؛ لأنها مشغولةٌ بالشهوات والأهواء.. وتكون أكثر ما تكون استعدادًا للفقه والتلقي عن الله- تبارك وتعالى- ولهذا كانت قراءة القرآن أفضل العبادات عند الله- تبارك وتعالى- في هذا الشهر الكريم رمضان .
أيها الإخوان: أراني مسوقاً إلى التذكير برمضان، ونحن على أبوابه، وبما يجب أن نشتغل به فيه، فهو شهر البركات والرحمات والسرور، وما أولى الناس أن يقفوا وقفة قصيرة يستعدون للقائه، وما فيه من خيرات، فهو الوقت المعظم في الجاهلية، وقد زاده الإسلام تعظيماً، جاء الإسلام فشرفه وأكرمه، وأنزل الله فيه القرآن هدى للناس، فما أحوجنا أن نهنئ أنفسنا، ونشعرها بحق رمضان قبل أن نلقاه.
أيها الإخوان: إن الله تبارك وتعالى جعل هذا الشهر معظماً، فاختصه بمزايا كثيرة، وجعله مرحلة من مراحل الحياة الثمينة، ومحطة من محطات السير فيها على النهج القويم، يصرف المسلم فيه أعظم همته إلى الله، ويتجه فيه بكليته إلى آخرته، السمو بروحه قبل مادته، فهو شهر الروحانية وصفاء النفس والمناجاة والإقبال على الله، والاستمداد من القوي العلي الكبير، والاتصال بالملأ الأعلى، وهو شهر له خصوصيته: “ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ “ .
وهناك لفت نظر جميل، ومتعة رائعة جليلة، تلك هي توصيل هذه الآية بأخرى: “ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”. ثم تتلو هذه الآية آية أخرى: “ أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن “ .
تأتي هذه الآية الكريمة خلال أحكام الصيام: “كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم “. ثم: “ أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم “ . في استطراد واستحكام يتصل بالصيام، ثم يأتي الله تعالى بين هذه الأحكام بهذه الآية الكريمة: “ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ”. معنى جليل هو أن الحق تبارك وتعالى يحثنا على مناجاته والسؤال في وقت تكون النفوس فيه أقرب ما تكون إلى ربها “ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ “، بإصابة الحق ونيل الرشد. فشهر رمضان سؤال ومناجاة وهداية ورشاد ليعد الصائم فيه نفسه، ويبعدها عن خلط المادة، لترقى بشريتها، وتتصل بربها.
وقد وردت الأحاديث لتلفت أنظار الناس إلى فضيلة هذا الشهر وعلو مكانته، وشرف أيامه، وجزالة التوبة فيه، مما يهيب بالمسلمين أن يعدوا أنفسهم ويجهزوها لملاقاته، ويشعروها بأن التجارة فيه رابحة، والأوقات التي ستجتازها أوقات غالية، وأن الفرصة فيه سانحة (يا باغي الشر أقصر، ويا باغي الخير هلم) وليذكروا أنفسهم بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد). احرصوا أيها الإخوان على أن لا يمر بكم وقت بغير عمل صالح، وإذا غفلتم فاستدركوا، فقد لقي حنظلة – رضي الله عنه – أبا بكر الصديق، فقال: يا أبا بكر لقد رأيت حالي في حال المنافقين .. فقال: ولم ؟ .. قال حنظلة: ألسنا حين نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ترق أرواحنا وترقى نفوسنا، فإذا انصرفنا عنه تبدل الحال غير الحال ؟ .. فقال أبو بكر: هلم بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: (لو كنتم كما عندي لصافحتكم الملائكة، ولكن ساعة وساعة). فعلاج الغفلة التذكر والتبصر والاتصال بالله تبارك وتعالى: “ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ “ فإذا مس الشيطان قلوبنا بمسيس الغفلة، وفوت علينا من رمضان نصيباً من الخير، فعلينا أن نجد السير وبنذل الجهد، ونقبل على الله: “ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده “.
فليتجهز الإنسان بدوام التوبة والاستغفار، ومراجعة صفحات الماضي، فما وجدنا من خير حمدنا الله عليه، وما وجدنا من شر أقلعنا عنه بالتوبة إليه: (يا باغي الشر أقصر). وإذا كان صلى الله عليه وسلم يتوب في اليوم مائة مرة، وهو كما تعلمون قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما بالكم بمن أحاطته المعاصي من كل جانب، وانغمس في لذاته وشهواته، فواجبنا أن نكثر من الاستغفار ونحن على طهر، ونتوجه إلى الله في إيمان كامل وإخلاص صادق، طالبين منه تعالى أن يهيئنا للقيام بالأسباب: “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ “. فالتوبة النصوح، والتوجه الصادق بالرجوع إلى الله تعالى من أسباب الفوز التام يوم القيامة، ومرافقة النبي صلى الله عليه وسلم “ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً “.
فاجتهدوا من الآن بالتطهر من أدران الذنوب والمعاصي، فستقابلون شهر رمضان، وفضل الله فيه واسع منه في غيره، لتهيئوا نفوسكم لهذا الواجب العظيم، قال صلى الله عليه وسلم: (من جاءه رمضان ولم يغفر له فيه فلا غفر الله له). والشقي من حرم فيه رحمه الله عز وجل. فالواجب تذكر النفس بفضل هذا الشهر، وإعدادها للعمل فيه، فقد ندبت إلى أعمال كثيرة وواجبات غالية، من صيام وصلاة وذكر وتلاوة لكتاب الله، الذي يطهر النفوس ويحيى القلوب، قال صلى الله عليه وسلم:(الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن ويدرسه على جبريل في شهر رمضان مرة، وقرأه عليه في السنة الأخيرة مرتين، ودعوتكم دعوة القرآن، وأنتم تقولون: القرآن دستورنا، فشهر رمضان دعوتكم، فأكثروا من تلاوة القرآن، وتدبروا في معانيه، فإنكم تجدون له حلاوة تتجدد بتجدد تلاوته مهما كنت حافظاً، وتجدون له تأثيراً عجيباً إذا قرأتموه بإمعان، ولا تحاولوا أن تفهموه بتعمق وبحث مضن، بل اقرأوه كما قرأه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن قراه على هذا الوجه كان له بكل حرف عشر حسنات، والله يضاعف لمن يشاء، ومن استمع إلى آية من كتاب الله كانت له نوراً وبرهاناً يوم القيامة.
واعلموا أن هذا الشهر شهر الصدقات والزهادة في المادة، فأكثروا من مواساة الفقراء والمساكين، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، ثم اجتهدوا أن يكون لكم فيه عمل تلازمون عليه، واحرصوا على صلاة التراويح، فنحن نصليها بالقرآن كله ثماني ركعات، وصلاة التراويح من السنن المؤكدة، ومن شعائر شهر رمضان ومن مميزاته وخصائصه، فهي ظرف يتصل فيه قلب المسلم بربه، وكان صلى الله عليه وسلم يأتيه جبريل في رمضان فيعرض عليه القرآن، لأن رمضان صيام بالنهار ويناسب أن يكون شهر قيام بالليل، والقيام تناسبه الصلاة.
ثم إنكم في رمضان ترقبون ليالي كريمة، يفيض فيها الخير فيضاً، فليلة يوم السابع عشر، يوم الذكرى الجليلة التي اجتمع فيها النصر النظري والنصر العلمي في غزوة بدر، يوم التقت الفئتان: “ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ “ .
وليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان، بل العشر هي من ليالي التجلي، فروضوا فيها أنفسكم، وجردوها من علائق الدنيا، وأقبلوا على الله بالصلاة والمناجاة والإلحاح في الدعاء، فإن الله يحب الملحين في الدعاء، ومن كان في فراغ فليعتكف فيها ولا يخرج إلا لحاجة ملحة، فهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ بها الصالحون، أم المشغول فلا أقل من أن يعتكف فيها بالليل، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أقبل العشر الأواخر من رمضان شمر المتزر، وقام الليل، وأيقظ أهله. واعملوا أن الصلة في رمضان مطلوبة في طاعة الله لا في اللهو واللعب، ولكن الناس عكسوا، فجعلوه شهر غفلة ولهو ولعب، فمنهم حجرة يتلو فيها كتاب الله ثم يهجرونه إلى حجرة أخرى يتكلمون فيها بما يشاؤون ويشتهون، معرضين عن السماع والتدبر.
مرّ ابن مسعود رضي الله عنه على جماعة خرجوا إلى عرض الطريق فقال لهم: أصحاب محمد كانوا يتزاورون في الله، فقالوا: ما أخرجنا من بيوتنا إلا التزاور في الله، فقال لهم: أبشروا، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(لا تزالون بخير ما تزاورتم) فعليكم معشر الإخوان أن تجعلوا هذا الشهر موسم عبادة تتقربون فيه إلى الله وأن تنهجوا فيه نهج السلف الصالح رضي الله عنهم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
-------------------------------------------

الـمـجـتـمـع الـجـاهـلـي وسـيـد قـطـب

الدكتور خالد أحمد الشنتوت ( شعبان 1430)


نشر موقع إسلام أون لاين في شهر شعبان 1430، موضوعاً للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي خلاصته أن فكر سيد قطب يرحمه الله دعا إلى التكفيـر، وذلك عندما ذكر سيد المجتمع الجاهلي...
قبل أن نحكم على فكر سيد قطب، يجب أن نعرف ما هو المجتمع؟ وما هي الجاهلية؟يرى طلاب علم الاجتماع أن المجتمع مجموعة من الأسر تربطها رابطة متينة، أقامت مؤسساتها الاجتماعية.إذن المجتمع هو أسر (أفراد) + مؤسسات اجتماعية.. وبالتالي المجتمع شيء زائد على الأفراد، شخصية معنوية، متميزة عن الأفراد...والدولة أكبر المؤسسات الاجتماعية، وهذه المؤسسات تصبغ المجتمع بصبغتها، بينما يعجز الأفراد عن ذلك، لأن المؤسسات أقوى من الأفراد كونها منظمة وذات منهج وخطة....إلخ..
أما الجاهلية فهي الحكم بغير ما أنزل الله، وليست هي ما يخطر على الذهن للوهلة الأولى، بأن الجاهلية هي التخلف، أو ضد الحضارة والمدنية....والحكم بما أنزل الله مرتبط بالعقيدة مباشرة يقول الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود في كتابه الحكم بغير ما أنزل الله (ص21 - 35): ((ارتباط تحكيم الشريعة بالعقيدة كبير وأساسي، وليس مجرد صلة تأتي من بعيد وانقطاعها لايؤثر في العقيدة، بل الأمر أشد وأخطر.... وترتبط بتوحيد العبادة في قوله تعالى { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.....}، وترتبط بتوحيد الربوبية في قوله تعالى { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون } وربطها بتوحيد الصفات والأسماء بقوله تعالى { ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم }.
قال الخطابي وهو يشرح أسماء الله تعالى (الحَكــَم ) الحاكم { له الحكم وإليه ترجعون } وربطها بالإيمان وبالإسلام وربطها بالشهادتين....والحكم بغير ما أنزل الله هو حكم الجاهلية، قال تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) ويقول ابن كثير: (( ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم..)) ص 181. الدكتور عبد الرحمن صالح المحمود.
والمجتمع الجاهلي أخذ صبغة الجاهلية من مؤسساته الجاهلية، أما المجتمع المسلم فيأخذ صبغة الإسلام من مؤسساته المسلمة...وفي الحالتين المجتمع الجاهلي أو المجتمع المسلم، لا ينطبق وصف المجتمع على الأفراد، أي لا يكون الأفراد جاهليين إذا كانوا يعيشون بل ينتمون إلى مجتمع جاهلي، كما أن الأفراد لا يكونون مسلمين لمجرد أنهم يعيشون في مجتمع مسلم وينتمون إليه، والأمثلة كثيرة جداً....من الماضي: المجتمع المسلم في المدينة المنورة، أخذ صبغته المسلمة من مؤسساته المسلمة، وأهمها الحكم بشريعة الله عز وجل، والمسجد المسلم، والمدرسة المسلمة، والسوق المسلم...إلخ...وعندما أقول (مسلم) أي لا يعمل فيه (علناً) بما يناقض الشريعة الإسلامية.... ولكن هذا كله لم يمنع أن يوجد في ذلك المجتمع المسلم أفراد غير مسلمين كاليهود، والمنافقين....ومع ذلك أخذ صبغة المسلم من الحكم شريعة الله عز وجل....ولا يجادل أحد في تسميته المجتمع المسلم، بل المجتمع المسلم الأول....من الحاضر:المجتمع الأمريكي، أو البريطاني أو الفرنسي....إلخ...هي مجتمعات غير مسلمة، سماها سيد (جاهلية)، لأنها تحكم بغير شريعة الله عز وجل....وهذا لا يمنع أن يوجد فيها أفراد مسلمون (أتقياء وبررة) في أي منها.... أعني نجد المسلم الفرنسي أو البريطاني أو الأمريكي....إلخ، المسلم الورع والتقي، والذي يسعى لنشر الإسلام في العالم، ودعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، أما تلك المجتمعات فأخذت صبغتها من الحكم بغير ما أنزل الله عز وجل...شهادة سيد قطب على نفسه: وقد قال سيد قطب يرحمه الله كما جاء في موضوع كتبه معتز الخطيب في إسلام أون لاين: ((قال سيد في كتابه "لماذا أعدموني": إننا لم نكفر الناس وهذا نقل مشوه إنما نحن نقول: إنهم صاروا من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة، وعدم تصور مدلولها الصحيح، والبعد عن الحياة الإسلامية، إلى حال تشبه حال المجتمعات في الجاهلية، وإنه من أجل هذا لا تكون نقطة البدء في الحركة هي قضية إقامة النظام الإسلامي، ولكن تكون إعادة زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية.. فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس!.
ويوضح سيد قطب عدم تكفيره للأفراد في اعترافه المسجل في محضر التحقيق الذي أجراه معه صلاح نصر ونقله سامي جوهر في كتابه "الموتى يتكلمون": س: هـل كنتم ترون أن وجود الأمة المسلمة قد انقطع منذ مدة طويلة ولا بد من إعادتها للوجود؟. ج: لا بد من تفسير مدلول كلمة "الأمة المسلمة" التي أعنيها؛ فالأمة المسلمة هي التي يحكم كل جانب من جوانب حياتها (الفردية والعامة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية) شريعةُ الله ومنهجه. وهي بهذا الوصف غير قائمة الآن في مصر، ولا في أي مكان في الأرض، وإن كان هذا لا يمنع من وجود الأفراد المسلمين؛ لأنه فيما يتعلق بالفرد الاحتكام إلى عقيدته وخلقه، وفيما يتعلق بالأمة الاحتكام إلى نظام حياتها كله.شهادة الأستاذ عمر التلمساني: وقال الأستاذ عمر التلمساني في كتابه "ذكريات لا مذكرات": "... وما أراد الشهيد الأستاذ سيد قطب في يوم من الأيام أن يكفِّر مسلمًا؛ لأنه من أعلم الناس بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أكثر من حديث: "إن مَن قال لا إله إلا الله موقنًا بها قلبه لن يخلد في النار". ونحن نعلم أنه لن يخلد في النار إلا الكافرون! وهم الذين ينكرون وحدانية الواحد القهار! هذه واحدة. والثانية: إن كثرة ترداده "للمجتمع الجاهلي" لم يقصد بها تكفير المجتمع، ولكن تشديد النكير على الظلمة والطغاة والمستغلِّين والمشكِّكين.. وهو أسلوب تعرفه اللغة العربية، والذين يعرفون الشهيد سيد قطب، ودماثة خلقه، وجمَّ أدبه، وتواضعه، ورقة مشاعره، يعرفون أنه لا يكفِّر أحدًا! إنه داعية إسلامي، من عيون دعاة المسلمين.. ظلمه من أخذ كلامه على غير مقاصده، ومن هاجموه متجنِّين، لما رأوه من عميق تأثير كلماته وكتاباته على الشباب الطاهر النظيف.. هذا موجز مقتضبٌ للمبادئ التي قام عليها كتاب "معالم في الطريق" وقد كان لي شرف الاطلاع عليه قبل طبعه، ونحن في مستشفى ليمان طرة". شهادة الأستاذ أحمد عبد المجيد:تأتي شهادة الأستاذ "أحمد عبد المجيد" لتلقي الضوء على شخصية الشهيد "سيد قطب" باعتباره كان من الدائرة الأولى التي تجالس "قطب" وتأخذ منه مباشرة، وتأثرت بأفكاره تأثراً كبيراً، لم تستطع أربعة وثلاثون عامًا أن تمحو منه هذا التأثير رغم تقلبات الدهر؛ لذا يحسبه البعض على التيار القطبي، والرجل حقوقي من مواليد 1933م، وحكم عليه بالإعدام في قضية تنظيم 1965م، لكن خفف الحكم إلى المؤبد، وبالمناسبة فإنه متزوج من ابنة الشهيد "محمد هواش" الذي كان من كبار قادة تنظيم 1965م، ونُفذ فيه حكم الإعدام، ثم خرج الأستاذ "أحمد عبد المجيد" في السبعينيات، وله كتاب حول حقيقة تنظيم 1965صادر عن دار الزهراء للإعلام العربي، وعدد من المقالات عن الحركة الإسلامية في مجلة "المنار الجديد".
وقد نبه الرجل في شهادته إلى أن فكرة التكفير كانت بعيدة عن "قطب"، وأن التكفير لم يتبنَّه القريبون منه أو الذين تربوا على يديه، ولم يتبنَّه تنظيم 1965م، ولكن الذي تبنى التكفير هم الذين لم يتربوا على يد "قطب"، ولم يكونوا من الإخوان المسلمين، وأشار إلى حقيقة تاريخية وهي أن التكفير نشأ عام 1968م، وأنهم (أي قيادات تنظيم 1965) عاشوا في عزلة تامة في السجن الحربي لمدة تزيد على السنتين، وعندما تم ترحيلهم إلى سجن قنا فوجئوا أن قدامى الإخوان في السجن يسألونهم عما تردده الصحافة عنهم من أنهم يكفرون المجتمع ويسعون لقتل "أم كلثوم"، فكان الحديث مفاجأة، ويذكر الرجل أنه عندما أخبر عن "التكفير" لم يسترعِ الأمر انتباهه؛ لأن المسألة لم تكن مطروحة في فكرهم الذي فهموه من "قطب". وأشار -أيضاً- إلى حقيقة، وهي أن الذي أطلق عبارة "نحن دعاة ولسنا قضاة " هو الشهيد "سيد قطب" وهي العبارة التي صارت منهجًا للإخوان في عهد المرشد الثاني للإخوان "حسن الهضيبي". وتعرض الأستاذ "أحمد عبد المجيد" في شهادته لمسألة "التكفير"، وأكد "أن سيد قطب لم يكن من دعاة التكفير، لأن هذا الاتجاه نشأ في سجن "مزرعة ليمان طرة" عام 1968م وما بعدها، على يد "شكري مصطفى" وأمثاله، ولو كانت هذه الفكرة عند سيد قطب لكان من باب أولى أن تكون عند من تتلمذ على يديه، ومن كان يقابله ويجالسه، وهو ما لم يحدث، - فكرة الجاهلية، وهذه الكلمة هي مصطلح قرآني، وهي تعني "الجهل بحقيقة الألوهية، والجهل بما يحبه الله سبحانه؛ من إخلاص العبادة له وحده دون شريك، وهي ليست محددة بزمن معين أو مكان معين (أفحكم الجاهلية يبغون)، ولا يعني ذلك إطلاق الحكم بالكفر على من يقع تحت الحكم الجاهلي، وأذكر أن الشهيد "محمد هواش" كان يقول لنا ونحن في السجن الحربي: "الجاهلية كالمظلة التي تحتها أصناف شتى من الناس"، وهذا ما فهمه الرجل القريب جداً من سيد قطب والذي عايشه في السجن عشر سنوات، فالجاهلية ليست تحديداً لمجتمع معين".
أما محاولات إلصاق تهمة التكفير بـ"سيد قطب"، فهي محاولة للإساءة للرموز الإسلامية، لأن الإساءة للرمز تحول دون الأخذ عنه، أو التقدير له أو الاحترام له، وعلى سبيل المثال قال لنا "سيد قطب": إن بعض رجال المباحث عرض عليه وحاول إغراءه بالكتابة في الصحف، وقال لنا: "إنهم حريصون دائماً على تلويث الراية، وتلويث راية الإخوان المسلمين ومن ينتمي إليها"، كما أن إلصاق تهمة التكفير تعطي تبريراً لممارسات الأنظمة ضد أبناء الحركة الإسلامية".
وأبدى الأستاذ "أحمد عبد المجيد" استغرابه مما طرحه فضيلة الشيخ "القرضاوي" حول "سيد قطب" وأفكاره، وتوقيت طرح هذا الكلام بعد مرور (34) عاما عليه فقال:"أنا أعجب لإثارة مثل هذا الموضوع حاليا بعد مرور حوالي (34) عاما عليه، وما الدافع له وما المصلحة في ذلك؛ في وقت نحن محتاجون فيه إلى التئام الصف، وسد الثغرات، وما المصلحة الدافعة لمثل هذا الكلام، وكنت أتمنى أن ينأى فضيلة الشيخ القرضاوي عن الخوض في هذا الموضوع، وأخشى أن يستفيد أعداء الحركة الإسلامية من كلام فضيلته. وأستند إلى كلام الدكتور "بكر أبو زيد" يرحمه الله، عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية الذي دافع فيه عن سيد قطب بالرد على أحد المهاجمين لقطب ومما قال: "لكن هول ما ذكرت، دفعني إلى قراءات متعددة في عامة كتبه؛ فوجدت فيها خيراً كثيراً، وإيماناً مشرقاً، وحقاً أبلجاً، وتشريحاً فاضحاً لمخططات أعداء الإسلام". ملاحظة أخيرة:ولابد من الملاحظة الأخيرة وهي أن فكر الإخوان المسلمين لا يطلق مصطلح مجتمع جاهلي على أي مجتمع لا يطبق الشريعة الإسلامية، حتى على المجتمعات الأوربية، خروجاً من الخلاف، وبعداً عن الشبهة وسوء الفهم، وإنما يقول الفكر الإخواني المعاصر: المجتمع الفرنسي، والمجتمع الأمريكي، والمجتمع العربي، والمجتمع المصري، والمجتمع الباكستاني.....إلخ.
والله أعلم
---------------------------------------------

أما آن لتونس الحريات أن تعتدل نوعا ما


بقلم: عمار رويبح
جزائري مقيم بباريس وناشط جمعوي.


إن الأحكام التي نسمعها بين الحين والآخر من تونس اتجاه بعض المعارضين التونسيين لا تشّرف تونس الحريات ولا تدّل على توّفر إرادة سياسية حقيقية لطي أو قلب صفحة الماضي من تدافع وصراع بين "نظام" بن علي و"نهضة" الغنوشي. إن دولة القانون تقتضي تحكيم المؤسسات وإصدار الأحكام في إطار الأعراف والتقاليد المتعارف عليها في الاختلافات والنزاعات المتعلقة بقضايا الرأي.


طالعتنا مؤخرا بعض وكالات الأنباء عن أخبار من بلد شقيق يتمتع بالكثير من مقومات الاستقرار ويتطّلع للتطور والتقدم وتحقيق الرفاه لمواطنيه، أخبار لا تسّر على الإطلاق تتعلق بإحدى حقوق الإنسان الأساسية آلا وهي الحرية واعتقال أفراد لمجرد آرائهم السياسية.المقام طبعا لا يتسع لذكر حيثيات الوضع السياسي وقضية حقوق الإنسان في تونس إلا أنه يمكن لنا أن نعطي مقاربة بسيطة مع بعض الدول التي مرّ بها نظامها أو معارضتها بفترات سياسية عصيبة كتركيا التي استطاعت أن تتعامل وتتفاعل مع معارضة كانت تعتبرها سابقا تهديدا لهوية تركيا العلمانية وخطرا على وحدة الوطن أو عن تجربة الجزائر، التي اُعتمدت فيه المصالحة الوطنية كخيار إستراتيجي لإعادة اللحمة الوطنية وتجّنب مزيد من التمزّق والانشقاق وحالة التوتر وعدم الاستقرار وكلها شروط ضرورية لتحقيق التنمية والقضاء على الجهل والفقر والتخلف.لقد كانت الأزمة التي عرفتها الجزائر أكثر عمقا من أي تجربة أخرى ووقعت الكثير من الأخطاء وصلت إلى حد استباحة الدماء والأعراض والممتلكات ولكن بعد سنوات من العنف توّصل الفاعلون السياسيون في الجزائر إلى ضرورة تجنب الحل الاستئصالي الذي كشف عن محدوديته في إيجاد مخرج للأزمة يحفظ للمؤسسات هيبتها وللدولة استمراريتها وغلب صوت الحكمة على نشاز المرجفين في المدينة.إن الأحكام التي نسمعها بين الحين والآخر من تونس اتجاه بعض المعارضين التونسيين لا تشّرف تونس الحريات ولا تدّل على توّفر إرادة سياسية حقيقية لطي أو قلب صفحة الماضي من تدافع وصراع بين "نظام" بن علي و"نهضة" الغنوشي. إن دولة القانون تقتضي تحكيم المؤسسات وإصدار الأحكام في إطار الأعراف والتقاليد المتعارف عليها في الاختلافات والنزاعات المتعلقة بقضايا الرأي. إن حالة الأستاذ الدكتور أحمد العش هي إحدى هذه الحالات التي تعبر عن مدى الاحتقان الذي يعرفه المشهد السياسي التونسي، فلقد فوجئنا باعتقاله فور عودته من فرنسا يوم 30 جويلية 2009 والحكم عليه يوم الجمعة 7 أوت بأربع سنوات مع النفاذ مع نفس التهم التي تتكرّر على مسامعنا والتي دأبنا عليها كلما تعلق الأمر بقضايا الرأي والتوّجهات السياسية من الاحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها وتكوين عصابة مفسدين. والدكتور العش، اللاجئ السياسي المقيم بفرنسا منذ سنوات هو الإنسان المشهود له بالاعتدال والتعقل وسعيه لخدمة الجالية المسلمة بفرنسا بالإضافة إلى عمله كطبيب نفساني وأستاذ جامعي. إن قراره بدخول تونس بعد غياب لعدة سنوات يدل على مدى وطنية الدكتور العش وعلى مدى ثقته في الخطاب الرسمي وإلا لما غامر بالعودة إلى بلده ليعتقل مباشرة في قضية حوكم فيها غيابيا ضمن 52 من أعضاء حركة النهضة حيث اعترض على حكم غيابي صدر ضده منذ سنة 2000 في إطار ما يعرف بمجموعة ليبيا، ثقة في تعهّد النظام الذي دعا المحكوم عليهم بالعودة إلى أرض الوطن والاعتراض على الأحكام مع الالتزام بعدم سجنهم وهذا ما يشكل نكثا للتعهد الرسمي وضربة أخرى لمصداقية النظام في إيجاد حل سياسي وقانوني عادل لهذا الملف. إن حالة التونسيين المتواجدين في الخارج لأسباب سياسية لأمر يٌؤسف له في عالم يموج بتحولات عديدة تتوّجه للانفتاح وتقبل الآخر والحوار ومحاولات التأسيس لآليات انتقال السلطة والحكم الراشد وأولوية المجتمع على السلطة وقيام الأنظمة السياسية على أساس مبدأ المواطنة وحكم القانون والمشاركة وترقية المجتمع المدني ومبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء واحترام حقوق المواطن في العيش الآمن الكريم. إن إرساء دولة القانون واستقرار تونس ورقيها وتطورها في إطار هويتها أكبر من أن يختصر في نظام قائم أو معارضة أزلية ولكن بالتعاطي الإيجابي مع كل المؤشرات التي تدفع إلى التقارب وتحقيق المصالحة بين أفراد الوطن الواحد.أتمنى أن يكون خبر اعتقال الدكتور العش هو آخر الأخبار السيئة التي نسمعها وأن يكون آخر الأشخاص الذين يٌعتقلون لأرائهم السياسية وميولا تهم الفكرية وأن ينتهي هذا المسلسل الرهيب في اقرب وقت حتى تٌؤكد تونس للعالم أجمع صدق القول واقترانه بالفعل وأن ملف حقوق الإنسان يعرف تقدما واسعا في إطار احترام القانون والمؤسسات كما أنها دعوة أيضا لكل القيادات من النهضة وباقي فصائل المعارضة التي ما زالت على خصومة مع النظام القائم للانفتاح أكثر على آليات أخرى للمعارضة والتعاطي مع النظام بعيدا عن سياسة المغالبة والبقاء في نقطة البداية وكأّن تونس توقفت بها الأحداث في سنة 1990إن 10% من سكان تونس هم مهاجرون يساهمون بقدر وفير في تحقيق التنمية المحلية من خلال تحويلاتهم التي بلغت السنة الماضية 1.9 مليار دولار أي ما يعادل 5% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد ومن المنتظر أن تبلغ هذه التحويلات 2.7% نهاية 2009 فلما لا يٌعتبر اللاجئون السياسيون التونسيون كجزء من هؤلاء المهاجرين واعتبارهم إضافة إيجابية للمشروع الوطني من خلال أفكارهم ومشاريعهم وشبكة العلاقات التي أقاموها خلال كل هذه المدة التي تواجدوا فيها خارج تونس. أملنا كبير في رؤية الدكتور أحمد العش حرا طليقا ليعود إلى أحضان أسرته وإلى عيادته وطلاّبه ونشاطه في صفوف الجالية وأملنا أكبر في تونس الحريات من أن يواكب نظامها التحولات التي يعرفها العالم من أجل تحقيق الاستقرار المؤدي لتنمية مستدامة لتونس الشقيقة التي نحبها ونتمنى لها كل رقي وتطور واستقرار.

28 أغسطس 2009

حركة الدعوة والتغيير تعزي الاخ خالد مشعل في وفاة والده رحمة الله عليه




تـعـزيـة

على اثر تلقي حركة الدعوة والتغيير نبأ وفاة المجاهد الحاج عبد الرحيم مشعل والد الاخ المجاهد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية بفلسطين ،فان رئيس الحركة الشيخ مصطفى بلمهدي باسمه الشخصي ونيابة عن المكتب الوطني وكل أبناء حركة الدعوة والتغيير يتقدم للاخوة خالد مشعل وأعضاء المكتب السياسي وكافة المقاومين بأحر التعازي وأخلص عبارات المواساة راجين المولى تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يلهم عائلته الصغيرة وعائلته الكبيرة ممثلة في المقاومة والشعب الفلسطيني الصبر والسلوان والثبات على المنهج الذي كان عليه الفقيد يرحمه الله .

وأعظم الله أجر الجميع ،وان لله ما أخذ وما أعطى
----------------------------------------

والد القائد خالد مشعل في ذمّة الله




توفي في عمان صباح اليوم الجمعة (28-8) والد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" خالد مشعل، بعد معاناة مع المرض استمرت عدة أيام.
وقالت مصادر طبية إن والد مشعل الحاج عبد الرحيم مشعل عانى من مرض ألمَّ به منذ عام.
يُذكر أن الحاج عبد الرحيم مشعل سبق أن شارك في مقاومة الانتداب البريطاني، وفي ثورة 1936م، وفي ستينيات القرن الماضي توجه إلى الكويت للعمل فيها، وقد التحقت به أسرته عام 1967م، وظلت هناك حتى اندلاع حرب الخليج الثانية عام 1991م، إثر اجتياح العراق للكويت، لينتقل بعدها إلى الأردن ويستقر فيها.
وأكدت مصادر مطلعة لوكالة "صفا" أن اتصالات تجري لترتيب دخول مشعل إلى الأردن للمشاركة في مراسم الدفن التي لم يتضح موعدها بعد.
وقبل أيام قال الناطق باسم الحكومة الأردنية ووزير الاتصال والإعلام نبيل الشريف إن مشعل لم يتقدم بطلب لدى الجهات المختصة للسماح له بزيارة عائلته في عمَّان خلال شهر رمضان.
وأكد الشريف أن "مشعل لم يتقدم بمثل هذا الطلب على الإطلاق"، رافضًا التعليق عما إذا كان الأردن سيمنح مشعل إذنًا للدخول إلى أراضيه في حال تقدم بطلب بهذا الخصوص للجهات المختصة، وأضاف "لا تعليق على هذا الموضوع".
وتشوب العلاقة بين حركة "حماس" والنظام الأردني -المتوترة في العادة- بعض حالات التوافق، خاصة مع تصاعد الحديث الصهيوني عن توطين الفلسطينيين بالأردن وموقف السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" الرافض لهذا الموضوع.
من جهته، بعث محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين وأعضاء مكتب الإرشاد ببرقيات إلى مشعل أعربوا فيها عن خالص عزائهم ومواساتهم في وفاة والده، داعين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ومغفرته، وأن يتقبله في الصالحين، وأن يدخله فسيح جناته.
وكان المرشد العام قد أجرى اتصالاً هاتفيًّا صباح الجمعة بمشعل أعرب فيه عن خالص عزائه ومواساته القلبية في وفاة الفقيد، داعيًا الله عز وجل أن يشمله بعظيم عفوه ومغفرته في شهر المغفرة والرحمة.

اللهم ارحمه واغفر له ذنوبه و تقبل منا ومن ابنه الصالح الدعاء له وألهمهم الصبر والسلوان

27 أغسطس 2009

الشيخ مصطفى بلمهدي يشرف على افتتاح سلسة الافطارات الرمضانية الوطنية لحركة الدعوة والتغيير



أشرف الشيخ مصطفى بلمهدي يوم الاربعاء 5 رمضان بولاية بومرداس على افتتاح سلسلة الافطارات الوطنية التي تنظمها حركة الدعوة والتغيير خلال شهر رمضان المبارك عبر العديد من الولايات في مختلف جهات الوطن احياءا لروح التضامن والأخوة وتوسيع دائرة اللقاء بين الاخوان واحياء ليالي رمضان من خلال هذه الافطارات المصحوبة ببرامج روحية ودعوية تشرف عليها القيادات الوطنية وقد حضر الافطار الاول بولاية بومرداس العديد من القيادات الوطنية والشخصيات هامة بولاية بومرداس.

وقد القى الشيخ مصطفى بلمهدي كلمة تناولت جملة من الأبعاد التوجيهية حول ضرورة الاستفادة من رمضان المبارك بعد انقضاء سدس أيامه معتبرا أن شهر الرحمة هو شهر تطمح الحركة الى أن ترى فيه المواطن الجزائري عزيزا وكريما وهو يؤدي فريضة الصوم داعيا الى ايجاد صيغ أكثر ايجابية في هذا المعنى فيما يتعلق باعانت الدولة للمواطنين والتي لاتزال تحمل دلالات سلبية ترتبط بقفة رمضان.

من جهة أخرى دعا الشيخ مصطفى بلمهدي الى مزيد من التضامن مع اخواننا في فلسطين والسعي لفك الحصار المضروب على غزة مشيدا بالدعم الهام الذي تتلقاه القضية الفلسطينية من أبناء الأمة الذين يبساهمون بشكل فعال وايجابي في دعم القضية المركزية للأمة داعيا الجميع الى مزيد من الحرص على الاستفادة من الشهر الكريم في تحقيق معاني الرحمة والتغافر بين المسلمين.
----------------------------------
-----------------------------------------------------------------------------------

قيادة .. سياسة .. عبادة .. دعوة ....." .... أينما وقع نفع "!!!

يؤمّ الناس في صلاة التراويح !!!
---------------------------


دولة رئيس الوزراء الفلسطيني أبو العبد إسماعيل هنية


..



..



..



..



..





منزل دولة رئيس الوزراء أبو العبد إسماعيل هنية !!


ويؤم الناس في صلاة التراويح ..


* صور جديدة*










..

..

..

..

..

..

دعاء في صلاة التراويح لإسماعيل هنية 'رئيس الوزراء الفلسطيني' 2007



اللهم احفظه واحفظ قادة المقاومة وثبّتهم على طريق الجهاد حتى النصر أو الشهادة

هكذا تعاني الضفة وتتألم دون صراخ



رمضان في الضفة.. حواجز واقتحامات واعتقالات وأسعار خيالية ومساجد تبكي حالها! (تقرير)
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام
حال الضفة الغربية مع أوائل أيام شهر رمضان لا يشبهها حال أخرى، لا في قطاع غزة ولا في أي بقعة من بقاع الأرض قاطبةً؛ حيث ضيق العيش، وأسعار لا تطاق، برغم ما يُشاع عن أنها في بحبوبة من قبل أطراف قبلت المذلة، وحيث الحطُّ من كرامة الإنسان الفلسطيني على حواجز الاحتلال، والتي بلغت أكثر من 600 حاجز، بحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وحيث الاعتقالات اليومية على الحواجز أو من خلال الاقتحامات، وحيث المصادرات اليومية للأراضي واستفزازات "المستوطنين".

سنغافورة الراتب

الطالب في قسم الاقتصاد محمد الخالد في جامعة بيرزيت من رام الله يقول إن وعود سلام فياض بتحويل الضفة الغربية إلى نموذج اقتصادي ناجحٌ؛ بحسب ما بشر به نتياهو من سلام اقتصادي، وتحويلها الى سنغافورة، كما كان يقال مع بدايات أوسلو، هو كلام فقط للاستهلاك الإعلامي؛ لأن المشاريع والاستفادة منها تذهب فقط للطبقة المتنفذة، ولا يقدر أي شخص عادي أو مواطن أن يزاحمهم في ذلك؛ لأنه لا أحد يقدر على أخذ التسهيلات من الاحتلال والتصريحات اللازمة وإن حصل عليها تكون فائدتها لعلية القوم.
وبين أن الراتب هو كل ما يحصل عليه الفرد العادي، وأن الراتب يتراوح ما بين 1500 و2000 شيكل بشكل عام، وهو ما يعني توفير المتطلبات الأساسية فقط للمواطن، وإن كان متزوجًا فلا بد له من الدين والاستدانة؛ حتى يستطيع الإيفاء بمتطلبات الحياة من زوجة وأطفال، وهذا يعني أن الضفة باتت تحت رحمة الراتب وبعض العمال الذي يمنحهم المحتل تصاريح عمل للعمل في الأراضي المحتلة عام 48، وكل هذا يقود للقول بأن الضفة أفقر وأحوج من قطاع غزة؛ حيث هناك الكرامة والعزة، وربك لا ينسى أحدًا، عدا عن إغلاق الجمعيات للسنة الثانية في الضفة التي كانت تدخل البسمة على الفقراء.

مساجد تبكي حالها

المواطن عمر صالح من جنين يقول إنه في كل رمضان كان يستمتع بصلاة التراويح وخاصةً دروس العلم الخفيفة من قِبَل رجال الدين والدعوة، الذي يُشهد لهم بالصلاح، بل إنه حتى كان يقوم بتوزيع الصدقات معهم للفقراء والمحتاجين، ولكن الآن الحال اختلف، فعلماء الدين غالبيتهم ممنوعون من الخطابة أو إعطاء الدروس، ومنهم من سجن لدى الاحتلال والسلطة الوطنية، أما الاقتراب من توزيع الصدقات فهي تهمةٌ جاهزةٌ بغسيل الأموال ومصادرتها من قِبَل الميليشيا، والفقراء والمحتاجون لهم الله.
ويشير صالح إلى أن انتشار "المناديب" (جواسيس الأجهزة) بات أكثر من المعقول؛ فهم في كل زاوية في المساجد، ويرصدون كل حركة وكلام ينتقد الوضع، بل إنهم أحيانًا يوجِّهون الكلام بطريقة غير مباشرة بملاحقة ومعاقبة من هو غير راضٍ عن الوضع، وبسبب هذا الوضع المزري تبكي المساجد حالها لفقدانها روَّادها من الصالحين وخيرة المجتمع؛ حيث إن عددًا لا بأس به باتوا يصلون في بيوتهم ولا يريدون الصلاة خلف أئمة السوء والنفاق.

أسعار خيالية

الدكتور فايز أبو شمالة استعرض فروق الأسعار ما بين الضفة وغزة، وكانت النتيجة مذهلةً من حيث تصوير غزة بأنها لا تطاق، وهو ما يخالف الحقيقة، فالضفة تعاني من أسعار لا تطاق؛ حيث كانت الفروق كبيرةً، ومثال ذلك بلغ قيمة كيلو اللحم في رام الله ثمانين شيكلاً، بينما قيمة كيلو اللحم في غزة بلغ أربعين شيكلاً فقط، وبلغ قيمة لتر السولار في رام الله خمسة شواكل، بينما هو في غزة بسعر شيكل ونصف فقط، وبلغت قيمة لتر البنزين في رام الله ستة شواكل، فإذا به في غزة بسعر شيكلين فقط، وبلغت قيمة جوال الطحين في رام الله أكثر من مئة شيكل، فإذا به في غزة لا يتعدَّى سبعين شيكلاً، وهذا الفارق الكبير في الأسعار ينسحب على معظم المأكولات، والمشروبات، حتى على السجائر التي بلغت دولارًا واحدًا قيمة أفضل علبة سجائر.

اعتقالات واقتحامات
لا يكاد يمر يوم في الضفة الغربية في شعر رمضان او في غيره الا وتجري فيه استفزازت من قبل المستوطنين ومصادرات للاراضي واعتقالات واقتحامات والمصيبة والفاجعة ان الاعتقالات تجري بشكل مزدوج من قبل الاحتلال والاجهزة الامنية الفلسطينية ، فبات المواطن العادي المسكين لا يعرف من اين يتلقى الضربات.
المواطن محمود سالم من مدينة نابلس يقول إنه اعتُقل عدة مرات على يد الاحتلال، ومرتين على يد ميليشيا عباس، وأنه يخشى اعتقالات الميليشيا؛ لأنها لا تعترف بحقوق الإنسان ولا يحزنون، ولأن تعذيبهم قتل حتى الآن خمسة من المقرَّبين من حركة "حماس"؛ فهو يخشاهم ويحذر منهم؛ لأنهم يستهدفون كل شريف وغيور، وبلا قانون، والاحتلال أرحم منهم في محطات كثيرة خاصةً في طرق التعذيب الشنيعة.

ويوثِّق "المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان" بشكل يومي اقتحامات الاحتلال لمدن وقرى الضفة، وبات يخشى سكوت المجتمع الدولي عنها، والذي بات حقيقةً واقعةً؛ بحيث لا يحرِّك ساكنًا مع تكراراه بشكل يومي.

وهكذا تعاني الضفة الغربية وتتألم لوحدها دون صراخ، ودون أن يسمع أحد أو يحسَّ بألمها، ويتمنَّى الكثيرون من أبنائها لو أنهم موجودون في قطاع غزة؛ حيث الصمود وما يرفع الرأس عاليًا، برغم الحصار والقتل من قبل الاحتلال، فهناك في غزة الشرف والكرامة والدفاع عن الامة وكرامتها، كما قال إسماعيل هنية، وهنا الذلة والمهانة والحط من الكرامة في الضفة مقابل راتب بالكاد يسدُّ رمق الأطفال وجوعهم.
-------------------------------------------

26 أغسطس 2009

موسم الحج لهذا العام

الجزائر تقرر شطب 25 ألف شخص من قائمة الحجاج



قررت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية، شطب أسماء 25 ألف جزائري كانوا في قائمة الأشخاص المرخص لهم لأداء مناسك الحج لهذا الموسم.

وأوضح مصدر في وزارة الشؤون الدينية الجزائرية، أن الوزارة قررت إعادة إحصاء عدد الأشخاص الذين تتوافر فيهم شروط الحج وفق قرار وزراء الصحة العرب، والذي يهدف إلى تفادي انتقال عدوى مرض أنفلونزا الخنازير، أثناء أداء فريضة الحج.

وذكر أن الأسماء التي سوف تشطب تتضمن كبار السن ممن هم فوق 65 عاما والأطفال دون 12 عاما والمصابين بأمراض مزمنة.

ومن جهتها أعلنت وزارة الصحة الجزائرية، أنها شرعت في وضع شبكة للمراقبة الوبائية للتأكد من عدم وجود أية بؤرة لمرض أنفلونزا الخنازير والتعرف إلى نوعية الفيروس بخاصة في فصل الصيف.

وأكد المستشار الإعلامي، لدى الوزارة سليم بلقسام، أنه تم وضع 60 جهازا للمراقبة الحرارية، لمراقبة كافة المعابر الحدودية الجوية والبحرية والبرية.

وأضاف، إن الحكومة الجزائرية وفرت الموارد المالية والتنظيمية بخاصة وسائل العلاج والوقاية للتصدي لأي ظرف طارئ قد يقع.

وفيما يتعلق بعدد حالات الإصابة بفيروس أنفلونزا الخنازير في الجزائر، أكد بلقسام، أنها لا تدعو للقلق ذا تم تسجيل 14 حالة إصابة منذ 20 يونيو الماضي.


-------------------------------------------

24 أغسطس 2009

رمضان ... شهر التغيير


بقلم: أبو رقية أحمد سليمان الدبشة


كلما دار الفلك دورته، وأتى شهر رمضان تتوارد على الذهن خواطر وأفكار حول الغاية والهدف من شهر رمضان، فما وظيفة رمضان؟

كما أنَّ لكل واحد منَّا في حياته وظيفة يقوم بها؛ فإن لرمضان وظيفة يؤديها فما وظيفة رمضان ومهامه؟

وظيفة رمضان أنه يُطهِّر النفس، ويُزكِّي القلب، ويُنقِّي الفؤاد، ويُقوِّم السلوك والأخلاق، فندخل إلى مدرسة رمضان، ونخرج بقلب قد تزكَّى بالإيمان، ونفس قد ارتقت بالقرآن، وسلوك قد قُوِّم بالتقوى، فينظر الناس إلى سلوكك وإلى أخلاقك وإلى تصرفاتك وإلى حياتك، فيقولون هذا مسلم قد تعلَّم في مدرسة رمضان.

وظيفة رمضان قال عنها الحق جلَّ وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)﴾ (البقرة)، نعم، لعلكم تتقون، والتقوى كما عرَّفها الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وأرضاه قال: (التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل).

وظيفة رمضان قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" (رواه البخاري).

وظيفة رمضان قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الصيام من الأكل والشرب؛ إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد، وجهل عليك فقل: إني صائم" (مستدرك الحاكم على الصحيحين، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه).

ولعل فريضة الصوم وقدوم شهر رمضان يمثل مناسبةً لإثراء الحديث عن طبيعة العبادات ووظائفها، لا سيما وأن نسبة كبيرة من المسلمين يشعرون في هذا الشهر بيقظة في الضمير ونمو للوازع الديني والأخلاقي، ويندفعون للتعبد وتلافي التقصير الذي درجوا عليه في أيامهم العادية؛ ولئن كانت بعض هذه المستجدات في سلوك المسلم الرمضاني ترجع إلى العادات والتقاليد الاجتماعية في هذا الشهر الفضيل، فإن الوازع الأهم ديني بالدرجة الأولى؛ لأن المحور في ذلك هو الصوم، وهو فريضة فردية يمارسها المسلم.

إن المظاهر الإيجابية في سلوك المسلمين في رمضان لا تعكس وعيًا بدور الصوم فيها، لكن الوعي بدور العبادة يعزز تقويمها للسلوك، فالنصوص التي تتحدث عن العبادات مستفيضة بهذه الأبعاد الوظيفية التي ينبغي أن تؤديها ممارسة العبادة.

فقد شرع الإسلام العبادات والأركان لمساعدة المسلم على تغيير سلوكه وأخلاقه، ومن أجل تحقيق الغاية التي من أجلها بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أخبر في حديثه لما سُئل عن الغاية التي من أجلها بُعث، فقال كما في الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ" (سنن البيهقي).

فالصلاة عند إقامتها كما يجب تنمي لدى المسلم دافعًا للخير ووقاية من الشر، فهو يدخل إليها ليخرج وقد تغيَّر سلوكه؛ لأنه تَعَلَّم في مدرسة القرآن ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾ (العنكبوت)، وتَعَلَّم أيضًا ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)﴾ (الحج).

وكذلك الأمر بالنسبة للزكاة والصدقات التي هي علاقة اجتماعية ابتداءً، إذ هي تأدية حق المحتاج في المجتمع من مال الأفراد الذين فضُل المال لديهم عن حاجتهم، فأداء الزكاة إسهام فعَّال في تحقيق معنى إسلام المسلم في بعده الاجتماعي والأسري، وهو يؤديها يرتجي أن يخرج منها بما أخبر عنه الحق جل وعلا ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)﴾ (التوبة).

وأما فريضة الحج؛ فهي تتويج لصفاء العلاقة بين الناس ورقيها وتجسيد لسلامة البيئة والناس من أذى المسلم بجميع أشكاله اللفظية والمادية والمعنوية﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)﴾ (البقرة)، فهو يؤدي فريضة الحج وقد وضع نصب عينيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام البخاري بسنده، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه)، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" (رواه البخاري).

وهكذا يرى المتأمل لأمر العبادات في الإسلام هذا المقصد العظيم، ويلمس هذا المفهوم الرائع أن من أجل وأعظم الأهداف التي من أجلها شرعت العبادات؛ هو تغيير السلوك الأخلاقي لدى المسلم.

أما الصيام في شهر رمضان فإنه يأتي ليتجاوز معناه الحرفي الذي عرفه علماؤنا بقولهم (الامتناع عن المفطرات في زمن محدد)؛ ليتعلم الإنسان الصائم التحكم برغباته، والتحلي بالإرادة الجيدة الهادفة إلى تغيير العادات السيئة التي اعتادها الشخص في حياته، فتجده إن كان قد انتصر على نفسه، ومنعها عن الحلال؛ مرضاة لربه، فيخرج وقد عقد العزم أن يمتنع عن الحرام، وذلك من خلال الدور الرقابي الذاتي الذي يرافق أداء الفريضة التي تتميز بسريتها وخصوصيتها بين العبد وربه؛ لكن المطلوب لتؤتي الفريضة ثمارها، أن يتحول هذا الدور الرقابي من إطار الاعتياد واللا وعي إلى إطار الملاحظة والوعي، فالصائم يمتنع لا شعوريًّا عن المفطرات، دون أن يفكر بقدرته تلك على الامتناع، وإمكانية تعديتها إلى ممنوعات أخرى في غير الصيام، فملكة التحكم بالإرادة واحدة لدى الإنسان، ويمكن أن تنمو في بعض المجالات عندما تعزز الإرادة، فالصائم بصومه إنما يُدِين نفسه، ويُقيم الحجة على اعتذاره عن التقصير في شئونه الأخرى الدينية والدنيوية.

وقد نوهت آيات الصوم صراحةً على عدم قصدية الامتناع عن الطعام والشراب في الصوم لذاته، فنصت أن الله يريد اليسر ولا يريد العسر بالناس، فالمُبْتًغَى ليس المشقة إنما امتحان إرادة المسلم، وتنبيهه إلى مراقبة نفسه، واستشعاره بالمسئولية في شئونه، وقد جاءت نصوص السنة تؤكد هذه المقاصد في شريعة الصوم، والتي تتجاوز ترك الطعام والشراب إلى ترك سائر المنهيات لا سيما المتجاوزة في آثارها إلى الغير، فـهو قد تعلَّم في مدرسة الإسلام عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" (رواه البخاري)، وقد جاءت الأحاديث تترًا لتؤكد دور الصوم في تنمية الرقابة الذاتية للإنسان على نفسه في سلوكه وحديثه، كما في الحديث القدسي الذي رواه الإمام البخاري (أنه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه)، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ" (صحيح البخاري) وفي رواية الإمام مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: "إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ" (صحيح مسلم).

وفي هذه إشارة كريمة إلى حسن المعاشرة، وإصلاح ذات البين، وتأليف القلوب، وحسن الاعتذار؛ وليكن معلومًا أن أخلاق الصائم ليست وقفًا على شهر رمضان، وإنما هي مطلوبة في كل وقت؛ ولكنها تتأكد في رمضان وبصيام رمضان، فالصوم إذن يضع المسلم أمام قدراته الذاتية، ويصور له إمكاناته المستقبلية، وعندما يدرك المسلم هذه القدرات والإمكانات سيشعر بتقصيره في عمله وبقدرته على تجاوز أخطائه، وبالتالي سينمي الصوم لدى المسلم الشعور بالمسئولية في الحياة عمومًا وبالخصوص نحو الوقت، والجسد، والمجتمع، والقدرة على اتخاذ القرار، كما يؤكد الصوم للمسلم تمتعه بالحرية والإرادة والعقل، وقدرته على التحكم في السلوك، فهو بمثابة دورة تدريبية يتعلم المسلم من خلالها كيف يتحكم في نفسه وشهواتها ورغباتها؛ ليخرج وقد ألزم نفسه بعض الوقت أن تمتنع عن بعض الحلال والمباح ليلزمها طوال الوقت بالامتناع عن الحرام، وهذا ما عبر عنه الشهيد سيد قطب- رحمه الله- في ظلاله عندما رسم ملامح الغاية التي من أجلها فرض الصيام، وهو يربط بين جهاد النفس وجهاد العدو، فيقول رحمه الله: (ولقد كان من الطبيعي أن يفرض الصوم على الأمة التي يفرض عليها الجهاد في سبيل الله، لتقرير منهجه في الأرض، وللقوامة به على البشرية، وللشهادة على الناس، فالصوم هو مجال تقرير الإرادة العازمة الجازمة؛ ومجال اتصال الإنسان بربه اتصال طاعة وانقياد؛ كما أنه مجال الاستعلاء على ضرورات الجسد كلها، واحتمال ضغطها وثقلها، إيثارًا لما عند الله من الرضا والمتاع.وهذه كلها عناصر لازمة في إعداد النفوس لاحتمال مشقات الطريق المفروش بالعقبات والأشواك؛ والذي تتناثر على جوانبه الرغاب والشهوات؛ والذي تهتف بالسالكيه آلاف المغريات.

وذلك كله إلى جانب ما يتكشف على مدار الزمان من آثار نافعة للصوم في وظائف الأبدان. ومع أنني لا أميل إلى تعليق الفرائض والتوجيهات الإلهية في العبادات- بصفة خاصة- بما يظهر للعين من فوائد حسية، إذ الحكمة الأصيلة فيها هي إعداد هذا الكائن البشري لدوره على الأرض، وتهيئته للكمال المقدر له في حياة الآخرة... مع هذا فإنني لا أحب أن أنفي ما تكشف عنه الملاحظة، أو يكشف عنه العلم من فوائد لهذه الفرائض والتوجيهات، وذلك ارتكان إلى الملحوظ والمفهوم من مراعاة التدبير الإلهي لكيان هذا الإنسان جملة في كل ما يُفرض عليه وما يوجه إليه؛ ولكن في غير تعليق لحكمة التكليف الإلهي بهذا الذي يكشف عنه العلم البشري، فمجال هذا العلم محدود لا يتسع ولا يرتقي إلى استيعاب حكمة الله في كل ما يروض به هذا الكائن البشري، أو كل ما يروض به هذا الكون بطبيعة الحال:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)﴾ (البقرة).

إن الله سبحانه يعلم أن التكليف أمر تحتاج النفس البشرية فيه إلى عون ودفع واستجاشة لتنهض به وتستجيب له؛ مهما يكن فيه من حكمة ونفع، حتى تقتنع به وترضى عليه.

ومن ثم يبدأ التكليف بذلك النداء الحبيب إلى المؤمنين، المذكر لهم بحقيقتهم الأصيلة؛ ثم يقرر لهم- بعد ندائهم ذلك النداء- أن الصوم فريضة قديمة على المؤمنين بالله في كل دين، وأن الغاية الأولى هي إعداد قلوبهم للتقوى والشفافية والحساسية والخشية من الله:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)﴾، وهكذا تبرز الغاية الكبيرة من الصوم... إنها التقوى... فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة، طاعة لله، وإيثارًا لرضاه... والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تهجس في البال، والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله، ووزنها في ميزانه، فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم، وهذا الصوم أداة من أدواتها، وطريق موصل إليها، ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم هدفًا وضيئًا يتجهون إليه عن طريق الصيام.. ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾) انتهى كلامه- رحمه الله- في ظلال القرآن الشهيد سيد قطب (جـ1 صـ167- 168).

والصوم بهذا المفهوم كما قسمه علماؤنا على ثلاث مراتب:
الأولى: صوم العموم، وهو لا يعني إلا بمفهوم الصيام الظاهر الذي يمثله كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة.

والثانية: صوم الخصوص، وهو الهدف الذي نريد أن نخرج به هذا العام من صيامنا، ونسعى جاهدين أن نحققه في حياتنا ومعايشتنا مع شهر رمضان، وهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل، بل وسائر الجوارح عن الآثام.

والثالثة: صوم خصوص الخصوص، وهو صوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية، وهي مرتبة الأنبياء والصديقين والمقربين.

أما ما يعنينا الآن في مدارستنا هذه فهو صوم الخصوص، وهو صوم الصالحين الذي نريد أن نجعل رمضان من خلاله هذا العام شهرًا للتغيير؛ ولنتفق على جملة أمور ليست حصرًا، ولكن بداية للتغيير المنشود ومرتبة صوم الخصوص، كما قلنا: كف للجوارح وكبح للشهوات ومجاهدة للنفس نجمل بعض ملامحها في:

1- غض البصر عن النظر المحرم، وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره، آملين أن نخرج منه بمجتمع نظيف تسوده العفة والطهارة والرقي الأخلاقي، فغض البصر هو حجر الأساس في بناء الكيان الأخلاقي المنشود، نحفظ النظر عن كل ما يشغل القلب عن ذكر الله، ويلهي النفس عن طاعته، وهذا صوم البصر متمثلين في ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، عن حذيفة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه جل وعز إيمانًا يجد حلاوته في قلبه" (أخرجه الحاكم في مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، وروى جابر عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خمس يفطرن الصائم الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة" (الجامع الكبير للسيوطي).

2- حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء، بل وإلزامه بفضيلة السكوت، وشغله بذكر الله وتلاوة القرآن، وهذا صوم اللسان، وقد قال سفيان: الغيبة تفسد الصوم، رواه بشر بن الحارث عنه، وروى ليث عن مجاهد: خصلتان يفسدان الصيام الغيبة والكذب. وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الصوم جنة، فإذا كان أحدكم صائمًا، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إني صائم، إني صائم" (رواه البخاري ومسلم)، وجاء في الخبر (أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجهدهما الجوع والعطش من آخر النهار؛ حتى كادتا أن تتلفا فبعثتا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذناه في الإفطار، فأرسل إليهما قدحًا، وقال صلى الله عليه وسلم: "قل لهما قيئا فيه ما أكلتما"، فقاءت إحداهما نصفه دمًا عبيطًا ولحمًا غريضًا، وقاءت الأخرى مثل ذلك حتى ملأتاه، فعجب الناس من ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: "هاتان صامتا عما أحل الله لهما، وأفطرتا على ما حرم الله تعالى عليهما، قعدت إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يغتابان الناس فهذا ما أكلتا من لحومهم".

3- كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه؛ لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه؛ ولذلك سوَّى الله عزَّ وجلَّ بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ (المائدة: من الآية 42)، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ﴾ (المائدة: من الآية 63)، فالسكوت على الغيبة حرام، وقال تعالى: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ (النساء: من الآية 140).

4- كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره، وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار، فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال، ثم الإفطار على الحرام، فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصرًا ويهدم مصرًا؛ فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه، فالصوم لتقليله.

وتارك الاستكثار من الدواء خوفاً من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيهًا، والحرام سم مهلك للدين، والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره، وقصد الصوم تقليله، وقد روي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ" (رواه الإمام أحمد في مسنده)، فقِيل هو الذي يفطر على الحرام، وقِيل هو الذي يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام، وقِيل هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام.

5- أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار؛ بحيث يمتلئ جوفه، فما من وعاء أبغض إلى الله عزَّ وجلَّ من بطن مليء من حلال، وكيف يُستفاد من الصوم قهر عدو الله وكسر الشهوة إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره، وربما يزيد عليه في ألوان الطعام؛ حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر، ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء، وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى، وإذا دفعت المعدة من ضحوة نهار إلى العشاء؛ حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها، ثم أطعمت من اللذات وأشبعت، زادت لذتها وتضاعفت قوتها، وانبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها.

فروح الصوم وسره تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل، وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم، فأما إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلاً فلم ينتفع بصومه، بل من الآداب أن لا يكثر النوم بالنهار؛ حتى يحس بالجوع والعطش، ويستشعر ضعف القوى، فيصفو عند ذلك قلبه ويستديم في كل ليلة قدرًا من الضعف؛ حتى يخف عليه تهجده وأوراده، فعسى الشيطان أن لا يحوم على قلبه فينظر إلى ملكوت السماء.

وليلة القدر عبارة عن الليلة التي ينكشف فيها شيء من الملكوت، وهو المراد بقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)﴾ (القدر)، ومن جعل بين قلبه وبين صدره مخلاة من الطعام فهو عنه محجوب، ومن أخلى معدته فلا يكفيه ذلك لرفع الحجاب ما لم يخل همته عن غير الله عزَّ وجلَّ، وذلك هو الأمر كله ومبدأ جميع ذلك تقليل الطعام.

6- أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقًا مضطربًا بين الخوف والرجاء إذ ليس يدرى أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين؛ وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها فقد روى عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون، فقال: إن الله عزَّ وجلَّ جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه، يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون، أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك، وعن الأحنف بن قيس أنه قيل له: إنك شيخ كبير، وإن الصيام يضعفك، فقال: إني أعده لسفر طويل، والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه فهذه هي المعاني الباطنة في الصوم.

وعلى هذا فمن اقتصر في صيامه على كف شهوة البطن والفرج، وترك هذه المعاني، فقد قال الفقهاء: صومه صحيح، فما معناه فاعلم أن فقهاء الظاهر يثبتون شروط الظاهر بأدلة هي أضعف من هذه الأدلة التي أوردناها في هذه الشروط الباطنة؛ لا سيما الغيبة وأمثالها ولكن ليس إلى فقهاء الظاهر من التكليفات إلا ما يتيسر على عموم الغافلين المقبلين على الدنيا الدخول تحته.

فأما علماء الآخرة فيعنون بالصحة القبول، وبالقبول الوصول إلى المقصود، ويفهمون أن المقصود من الصوم التخلق بخلق من أخلاق الله عزَّ وجلَّ وهو الصمدية والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات بحسب الإمكان، فإنهم منزهون عن الشهوات.

والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته، ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه، وكونه مبتلى بمجاهدتها، فكلما انهمك في الشهوات انحط إلى أسفل السافلين، والتحق بغمار البهائم، وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة.

والملائكة مقربون من الله عزَّ وجلَّ، والذي يقتدي بهم ويتشبه بأخلاقهم يُقرب من الله عزَّ وجلَّ كقربهم؛ فإن الشبيه من القريب قريب وليس القريب، ثم بالمكان بل بالصفات، وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب فأي جدوى لتأخير أكلة وجمع أكلتين عند العشاء مع الانهماك في الشهوات الأخرى طوال النهار، ولو كان لمثله جدوى فأي معنى لقوله صلى الله عليه وسلم: "كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش"، ولهذا قال أبو الدرداء: (يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف لا يعيبون صوم الحمقى وسهرهم، ولذرة من ذوي يقين وتقوى أفضل وأرجح من أمثال الجبال عبادة من المغترين)؛ ولذلك قال بعض العلماء: كم من صائم مفطر وكم من مفطر صائم.

والمفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب، والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه.

ومن فهم معنى الصوم وسره علم أن مثل من كف عن الأكل والجماع وأفطر بمخالطة الآثام كمن مسح على عضو من أعضائه في الوضوء ثلاث مرات، فقد وافق في الظاهر العدد إلا أنه ترك المهم وهو الغسل، فصلاته مردودة عليه بجهله، ومثل من أفطر بالأكل وصام بجوارحه عن المكاره كمن غسل أعضاءه مرة مرة، فصلاته متقبلة إن شاء الله لإحكامه الأصل وإن ترك الفضل.

ومثل من جمع بينهما، كمن غسل كل عضو ثلاث مرات، فجمع بين الأصل والفضل وهو الكمال، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته"، (أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث ابن مسعود في حديث في الأمانة والصوم، وإسناده حسن).

ولما تلا قوله عزَّ وجلَّ ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ (النساء: من الآية 58) وضع يده على سمعه وبصره، فقال: "السمع أمانة والبصر أمانة"، (أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة دون قوله: "السمع أمانة")، ولولا أنه من أمانات الصوم، لما قال صلى الله عليه وسلم "فليقل إني صائم" أي إني أودعت لساني لأحفظه، فكيف أطلقه بجوابك فإذن قد ظهر أن لكل عبادة ظاهرًا وباطنًا وقشرًا ولبًّا، ولقشرها درجات ولكل درجة طبقات، فإليك الخيرة الآن في أن تقنع بالقشر عن اللباب، أو تتحيز إلى غمار أرباب الألباب. (إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي جـ1صـ235 بتصرف).

والآن فالأمر إلينا وبين أيدينا وقد أقبل رمضان فإما أن يُغيرنا رمضان فيأتي شفيعًا لنا بين يدي الله، وإما والعياذ بالله أن نُغير ونُبدل وننقض العهد مع رمضان فيأتي خصمًا لنا يوم القيامة.

وبعد فلا أجد ما أختم به حديثي عن التغيير المنشود في شهر رمضان أبلغ ولا أعظم ولا أجمع من كلام الإمام ابن القيم الذي يعرض فيه فلسفته للصوم فيقول رحمه الله: (الْمَقْصُودُ مِنْ الصّيَامِ وَفَوَائِدِهِ؛ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الصّيَامِ حَبْسَ النّفْسِ عَنْ الشّهَوَاتِ وَفِطَامَهَا عَنْ الْمَأْلُوفَاتِ، وَتَعْدِيلَ قُوّتِهَا الشّهْوَانِيّةِ لِتَسْتَعِدّ لِطَلَبِ مَا فِيهِ غَايَةُ سَعَادَتِهَا وَنَعِيمِهَا وَقَبُولِ مَا تَزْكُو بِهِ مِمّا فِيهِ حَيَاتُهَا الْأَبَدِيّةُ، وَيَكْسِرُ الْجُوعُ وَالظّمَأُ مِنْ حِدّتِهَا وَسَوْرَتِهَا وَيُذَكّرُهَا بِحَالِ الْأَكْبَادِ الْجَائِعَةِ مِنْ الْمَسَاكِينِ، وَتُضَيّقُ مَجَارِي الشّيْطَانِ مِنْ الْعَبْدِ بِتَضْيِيقِ مَجَارِي الطّعَامِ وَالشّرَابِ، وَتَحْبِسُ قُوَى الْأَعْضَاءِ عَنْ اسْتِرْسَالِهَا لِحُكْمِ الطّبِيعَةِ فِيمَا يَضُرّهَا فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا، وَيُسَكّنُ كُلّ عُضْوٍ مِنْهَا وَكُلّ قُوّةٍ عَنْ جِمَاحِهِ، وَتُلْجَمُ بِلِجَامِهِ فَهُوَ لِجَامُ الْمُتّقِينَ وَجُنّةُ الْمُحَارِبِينَ وَرِيَاضَةُ الْأَبْرَارِ وَالْمُقَرّبِينَ وَهُوَ لِرَبّ الْعَالَمِينَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ؛ فَإِنّ الصّائِمَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا وَإِنّمَا يَتْرُكُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِ مَعْبُودِهِ، فَهُوَ تَرْكُ مَحْبُوبَاتِ النّفْسِ وَتَلَذّذَاتِهَا؛ إيثَارًا لِمَحَبّةِ اللّهِ وَمَرْضَاتِهِ وَهُوَ سِرّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبّهِ لَا يَطّلِعُ عَلَيْهِ سِوَاهُ، وَالْعِبَادُ قَدْ يَطّلِعُونَ مِنْهُ عَلَى تَرْكِ الْمُفْطِرَاتِ الظّاهِرَةِ، وَأَمّا كَوْنُهُ تَرْكَ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَشَهْوَتِهِ مِنْ أَجْلِ مَعْبُودِهِ؛ فَهُوَ أَمْرٌ لَا يَطّلِعُ عَلَيْهِ بَشَرٌ وَذَلِكَ حَقِيقَةُ الصّوْمِ، وللصومِ تَأثِيرٌ عجيبٌ فِي حِفْظِ الْجَوارحِ الظاهرةِ والقُوَى البَاطِنة وحميَّتها عَن التَّخلِيط الْجَالبِ لها المَوَاد الفَاسِدة التي إِذَا اسْتَولَت عَليْها أفسَدتْهَا، واسْتِفَراغُ الموادِّ الرَّديئةِ المَانِعَةِ لَها مِنْ صحتها، فالصَّومُ يَحْفَظُ عَلَى الْقَلبِ والْجَوَارِحِ صِحْتِهَا، ويُعِيدُ إِلَيْهَا مَا اسْتَلَبَته مِنْهَا أَيْدِي الشّهَوَاتِ فَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ عَلَى التّقْوَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ (185)﴾ (الْبَقَرَةُ)، وَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: "الصّوْمُ جُنّةٌ"، وَأَمَرَ مَنْ اشْتَدّتْ عَلَيْهِ شَهْوَةُ النّكَاحِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ بِالصّيَامِ وَجَعَلَهُ وِجَاءَ هَذِهِ الشّهْوَةِ، وَالْمَقْصُودُ أَنّ مَصَالِحَ الصّوْمِ لَمّا كَانَتْ مَشْهُودَةً بِالْعُقُولِ السّلِيمَةِ وَالْفِطَرِ الْمُسْتَقِيمَةِ شَرَعَهُ اللّهُ لِعِبَادِهِ؛ رَحْمَةً بِهِمْ وَإِحْسَانًا إلَيْهِمْ وَحِمْيَةً لَهُمْ وَجُنّةً، وَكَانَ هَدْيُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِ أَكْمَلَ الْهَدْيِ وَأَعْظَمَ تَحْصِيلٍ لِلْمَقْصُودِ وَأَسْهَلَهُ عَلَى النّفُوسِ، كَانَ فَطْمُ النّفُوسِ عَنْ مَأْلُوفَاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا مِنْ أَشَقّ الْأُمُورِ وَأَصْعَبِهَا تَأَخّرَ فَرْضُهُ إلَى وَسَطِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ لَمّا تَوَطّنَتْ النّفُوسُ عَلَى التّوْحِيدِ وَالصّلَاةِ وَأَلِفَتْ أَوَامِرَ الْقُرْآنِ فَنُقِلَتْ إلَيْهِ بِالتّدْرِيجِ.

(زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام بن القيم جـ 2 صـ26- 29).

نسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وكلماته العلى أن يبلغنا رمضان، وأن يرزقنا فيه نية صادقةً وعملاً صالحًا يدل على صدق هذه النية، كل عام وأنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم

-------------------