19 سبتمبر 2009

منهم من قضى 60 عيدًا في السجون

المعتقلون لدى السلطة والاحتلال وأهاليهم يفتقدون فرحة العيد بالألم والعذاب (تقرير)

رام الله / القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام

المعتقلون السياسيون لدى السلطة الفلسطينية الذين يقدر عددهم بأكثر من ألف معتقل، وأهالي الأسرى في سجون الاحتلال، يستقبلون العيد على غير حال المسلمين في العالم بلا بهجة ولا فرح ولا سرور، بل بالدموع والآلام وحسرة الفراق وكل أشكال الحرمان من كل متاع الحياة الدنيا؛ فالعيد يجدد الألم ولهيب شوق الأسير إلى محبيه وعاشقيه وأمه وزوجته وأطفاله وعائلته والمقربين؛ ففيه يتجدد شوق الأعزة والقلق على أسيرهم في السجون، ويتضاعف حجم التساؤل عنه: كيف يقضي هذا اليوم؟ من يزوره؟ من يواسيه ليتحمل عبء الفراق عبء الوحدة والغربة والحزن والآلام؟
.

دموع وألم وحزن!
.
"مع إطلالة عيد الفطر السعيد على الضفة الغربية المستباحة ليل نهار يبحث أهالي المعتقلين السياسيين عن فرحة منقوصة فلا يجدونها، وكذلك أبناء الأسرى لدى الاحتلال الصهيوني؛ فالعالم يواصل تجاهل معاناة الشعب الفلسطيني المقهور والمكلوم".. بهذه الكلمات وصف الحاج طالب إبراهيم (من مدينة الخليل) حال عيد الفطر لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام"، مضيفًا: "وما يميز هذا العيد عن سابقه هو تفاقم المعاناة للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية عدا قطاع غزة المحاصر؛ حيث يتزايد أعداد الشهداء والأسرى والجرحى والمعاقين، وتتصاعد نسب الفقر والبطالة في كلٍّ منهما إلى مستويات قياسية وعالية بشكل كبير وصلت إلى 60%".
.

وجع ووحشة!
.
الأسير المحرر محمد جمال الدين (من رام) الله يقول: "في العيد تزيد الأوجاع، والقلب يجد غصة، وتذرف الدموع مرات من عيون الأسرى؛ مرة عند تكبيراته، ومرة ثانية عند سؤال الطفل عن أبيه، وثالثة عند زيارات الرحم التي تفتقر إلى الأسير وسط جمعة الأهل والمحبين، مستذكرين القريب البعيد والغائب الذي لا يغيب، وخامسة وسادسة وعاشرة وعشرين عند كل ذكر اسمه أو السؤال عنه".
وأضاف أن الأسير في العيد يشعر بالوحشة والغربة والحنين؛ فهذا الأسير له في السجن 60 عيدًا قضاها في 15 سجنًا ومعتقلاً ومركز توقيف أو تحقيق، والثاني له ربع قرن أو يزيد لم يَعُد إلى أولاده وأمه وزوجته وأهله ومحبيه، والثالث له 20 عيدًا قضاها في غرفة أو زنزانة موحشة حقيرة بين الجدران والسجان، والرابع له 15 عيدًا شهد آخرها وفاة أمه التي انتظرته وصبرت على زياراته وتمنت العيش ولو للحظة واحدة بصحبته، ولكن خطفها الموت قبيل العيد قبل أعوام قلائل من قرب الإفراج عنه، وآخر أمضى 10 أعياد لم يذق فيهن ولو لمرة واحدة كعك أمه وقهوتها، ومنهم من له خمسة أعياد لم يدخل خلالها بيت أخته وجدته متواصلاً معهما كما الآخرين في زيارة الأرحام، ومنهم من له العيد الأول وما أقساه من عيد حين يمر عليه شريط الذكريات القريب بكل جماله وحلاوته ومتاعه!.
وتابع جمال الدين: "في العيد أتذكر أيام سجني وزملائي والمحاولات لإيجاد السعادة ورسم الفرحة بأقل الإمكانيات بيننا.. أتذكر كيف كنا نستعلي على جراحنا، وكيف كنا نحاول إظهار السعادة على مُحيَّانا، ونخفي آلامنا وحزننا، والمحاولة ولو جزئيًّا لإيجاد جوٍّ من الفرحة أمام السجان، أتذكر حبات الفواكه التي كنا نستلمها في بعض الأحايين، وإيثار الأسرى بعضِهم بعضًا بودٍّ ومحبةٍ ووفاءٍ.. أتذكر "سفرة" الطعام القليلة بكمِّها ونوعها، والكبيرة بلقائها والإيثار بها وقيمتها النفسية والمعنوية.. أتذكر كل هذا وزيادةً عليه دعاء الأسرى في العيد.. اللهم تقبل صيامنا وصلاتنا وجهادنا، اللهم فرج كربنا واجمع شملنا وردنا إلى أهلينا سالمين غانمين. .آمين يا رب العالمين".
.

إذن.. مفيش فرحة
.
الحاجة رقية حمدان (من رام الله) تقول لمراسلنا إن ابنها محمد موجود لدى ميليشيا عباس منذ شهر في مقر "الوقائي" ولا تعرف ما تهمه، "فكيف نفرح بمجيء العيد وابننا الله وحده يعلم ما يجري له هناك؟!".
وأردفت: "وجارتنا زوجها استشهد وترك لها طفلان وأصبحت أرملة بين عشية وضحاها وتندب حظها العاثر ولا تجد طعم الفرحة منذ خمس سنوات، وجارنا الآخر له ولدان في السجن والكل عنده مصيبة تكفيه.. إذن مفيش فرحة".
إلا أن شقيق الأسير محمود صالح (من مخيم طولكرم) يقول لمراسلنا:"الفرحة للكبار غير موجودة، خاصة من له أسير أو شهيد أو معتقل لدى الأجهزة، ولكن نبقى نحاول إدخال الفرحة على أطفالهم؛ فمن حقهم العيش ببهجة وسرور".
المواطن كمال محمود (من مخيم الجلزون قرب رام الله) يقول عن سبب فقدانه الفرحة في هذا العيد: "ما يدمي القلب ويدمع العين في هذا العيد بدل الفرحة والبهجة هو تواصل حالة الانقسام وتخاصم الإخوة بعضِهم مع بعض من حركتي "فتح" و"حماس"، هذا الخصام الذي أدى إلى تجاوز الخطوط الحمر، وحقوق الإنسان في الضفة من قبل الأجهزة الأمنية التي تقوم بذلك تحت حجة الخوف من انقلاب "حماس" على السلطة في الضفة، وهي الحجة التي تمرَّر من خلالها (خارطة الطريق)".
وأضاف: "العيد بدل أن نقف لحظات فيه مع أنفسنا ونسأل أنفسنا ماذا نريد وإلى أين نريد أن نصل في ظل حالة التراجع والترهل والضعف الفلسطيني الحاصلة.. بدل ذلك نسمع تصريحات من المسؤولين الفلسطينيين تحبط وتربك وتخفض من سقف التوقعات للمواطن الفلسطيني الغلبان".
والدة الأسير نصر عبد الحميد (من مخيم بلاطة شرق نابلس) قالت: "عيد الفطر هذا العام حزين؛ لكونه أتى وأكثر من عشرة آلاف أسير وأسيرة فلسطينية خلف القضبان يعانون القهر والعذاب ساعة بساعة، ولكون آلاف من الشهداء تحت الثرى يتم تذكرهم بالدموع والذكريات الحزينة، وهو حزين وغاضب في ظل وجود ألف معتقل سياسي من أبطال المقاومة الفلسطينية لدى سجون الأجهزة الأمنية ومقراتها في الضفة دون أن يفرج عنهم بسبب أوامر دايتون".
أما والدة الأسير محمد شبيطة (من جنين ومن حركة "فتح") فقالت: "حركة "فتح" التي قدمت قافلة طويلة من الشهداء والأسرى على مذبح الحرية من خليل الوزير وأبو إياد وأبو عمار، وحركة "حماس" التي طوَّرت الأداء الفلسطيني المقاوم؛ بدءًا من الحجارة وحرب السكاكين مرورًا بالاستشهاديين وصواريخ القسام التي تمرِّغ أنف الاحتلال في التراب صباح مساء، وحركات المقاومة الأخرى كلها.. آن ألأوان لها جميعًا لتضع وتترك خلافاتها وتدخل الفرحة على قلوبنا جميعًا مع العيد؛ فقد مللنا الخلافات".
.

عيد بلا فرحة!!
.
"دول العالم الإسلامي تحتفل وتفرح بالعيد كلٌّ على طريقتها، ولكن الشعب الفلسطيني يفتقد الفرحة التي تحل محلها أحزان متعددة لأحوال متراجعة ومتردية؛ فعائلات الشهداء تتذكر فلذات أكبادها تحت الثرى وسط الدموع، و11 ألف أسير فلسطيني تأكل القضبان الحديدية من أجسادهم ولحومهم، وجرحى ومعاقون يئنون من وقع آلامهم".. بهذه الكلمات وصف أبو العبد الخالدي (من مدينة نابلس) حال العيد والفرحة المنقوصة، وأضاف: "العيد ليس لأناس فاقدي حريتهم ووطنهم مغصوب وبناتهم الأسيرات في السجون يتم العبث والتحرش بشرفهن وأبناؤهم معتقلون إما عند السلطة أو عند الاحتلال؛ فهذا ليس بعيد، بل فرحة للأطفال الصغار فقط".
-----------------------------

15 سبتمبر 2009

قسنطينة: إفطار جماعي * رمضان فرصتك للتغيير *

تحت عنوان "رمضان فرصتك للتغيير" نظم المكتب الولائي لحركة الدعوة والتغيير لولاية قسنطينة حفل إفطار جماعي على شرف مناضلي الحركة بالولاية وذلك يوم الجمعة 21 رمضان 1430 هـ الموافق لـ 11 سبتمبر2009م.

حيث حضر جمع غفير من الإخوان من جميع بلديات الولاية وافتتحت فعالياته بمحاضرة للأستاذ العربي زرمان رئيس مجلس الشورى الولائي من وحي المناسبة، تلته قراءة المأثورات ثم صلاة المغرب والإفـطار. وبعد صلاة العشاء والتراويح كانت الفرصة لالتقاء الإخوان في أجواء سادتها روح المحبة والإخاء فكان بحق يوم من أيام الله التقى فيه الإخوة على مائدة الطاعة والعبادة

---------------------------

الحادي أون لاين

14 سبتمبر 2009

غليزان: إفطار رمضاني جماعي

نظم المكتب الولائي لحركة الدعوة والتغيير بغليزان بفندق مينا يوم الجمعة 14 رمضان 1430هـ الموافق لـ: 4/9/2009م إفطارا رمضانيا جماعيا حضره أكثر من 220 فردا من أبناء الحركة ومحبيها.
.
وقد حظر الإفطار مجموعة من الأساتذة من قيادة الحركة على المستوى الوطني على رأسهم مسؤول القسم الوطني للتنظيم الأستاذ نصر الدين سالم الشريف ومسؤول القسم الوطني للدعوة والتربية الأستاذ العيد محجوبي ونائب رئيس الهيئة الوطنية للدعوة والدعاة الشيخ صالح محجوبي.
.
وبعد أداء صلاة العشاء أقيمت صلاة التراويح التي تخللتها كلمات إيمانية وتوجيهية معبرة من طرف الأساتذة مما أسعد جميع الحضور حيث عبروا عن فرحتهم بهذا العمل الذي افتقده الكثير ولم يعش مثله البعض من قبـل.
.
وفي الأخير اختتم الحفل عضو المكتب الولائي للحركة الأستاذ حسان إيدير داعيا الله أن يجعل رمضان هذا العام فرصة للتغيير نحو الأفضل وأن يعيده على بلدنا وأمتنا بالخير واليمن والبركة

-----------------------------------

الحادي أون لاين

شدّوا مآزركم

"أيّها الإخوان... شدّوا مآزركم، فقد حلّت فرصة العمر!"
الحمد لله الذي امتنّ على هذه الأمّة بنعمة رمضان، لم يعطها لأمّة قبلها. جعل فيه ليلة، عبادتها أفضل من عبادة ألف شهر. تنزل فيها الملائكة تصلي على المؤمنين وتدعو لهم بكل خير. وصلِّ اللّهمّ وسلّم خير البشر، من أكرم غاية الإكرام هذا الشّهر، وعلى آله وصحبه من كانوا بين النّاس كالدّرر.
.
أيّها الإخوان... من كان في نعمة ولم يشكر خرج منها ولم يشعر!لقد امتنّ الله عز وجل عليكم وعليّ بأن أبقانا حتّى أدركنا شهر رمضان الكريم وصمنا ما كتب لنا، وقد قبض غيركم على مرمى أيام منه (تذّكروا أخاكم عبد الرّشيد مقراني من أم البواقي الذي قبضه الله عز وجل على بعد أيام قلائل من رمضان وقد كان عزم على الحج هذا العام، نسأل الله عز وجل أن يكتبها له وأن يجعله من سكان الفردوس الأعلى)، ولعلّ بعضنا يقلّل من مقدار هذه النّعمة!
.
فاسمع رحمني الله سبحانه وتعالى وأيّاك إلى الصّحابي الجليل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وهو يروي لك هذه القصّة العجيبة:
فعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنّ رجلين من بَلِيّ (حي من قضاعة) قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعا، فكان أحدهما أشدّ اجتهادا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثمّ مكث الآخر سنة، ثمّ توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام بينما أنا عند باب الجنّة إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنّة فأذِن للذي توفّي الآخر منهما، ثمّ خرج فأذن للذي استشهد، ثمّ رجع إليّ فقال: ارجع فإنّك لم يأن لك بعد، فأصبح طلحة يحدّث به النّاس فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدذثوه به، فقال: « أليس قد مكث هذا بعده سنة؟» قالوا: بلى قال: «وأدرك رمضان فصام وصلّى كذا وكذا من سجدة في السّنة؟» قالوا: بلى. قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فما بينهما أبعد ممّا بين السّماء والأرض..
.
هل عرفت الآن مقدار ما أنت فيه من النّعمة؟!
أناشدك بالله جل جلاله أن لا تقرأ بعد هذا السّطر كلمة واحدة حتّى تخرّ ساجدا على الأرض شكرا لله عز وجل.
.
قبل الانطلاق...
.
لقد تحدّثنا في الجزء السّابق من موضوعنا عن الجائزة العظمى لسباق رمضان، جائزة العتق الأبديّ من نار تلظّى. ولعلّ بعضكم قد نال هذا الشّرف، فهنيئا له (ونسأل الله عز وجل أن يهب المذنبين المغلولين منّا لمن أعتق)، ومنكم من ينتظر وما بدّل تبديلا!
واتّفقنا على ثلاث وسائل لانطلاقة قويّة، فهل تذكرها؟
توبة نصوح فاتحة لمغاليق القلب،
عفو كريم يجلب عفوا أكرم،
إصلاح ذات بين يصلح لك رمضان ويرفع عنك الحظر،
فهل انت مستعدّ فعلا؟! هل قمت بكلّ هذه المستلزمات؟!إذا كان الجواب بالنّفي، بالله عليك لا تكمل حتّى تفعل...
.
السّلسلة العجيبة ذات المفاتيح التسعة!
.
وأنا أبحث في وسط الكنوز وجدت لك سلسلة عجيبة، بها تسعة مفاتيح كلّ منها يصلح لغلق أبواب جهنّم وفتح أبواب الجنان.
وأعجب ما في هذه المفاتيح أنّها خفيفة الحمل وأنّك كلما استعملتها معا كان الفتح أسهل وأسرع وكان الغلق أقوى وأحكم.لن أشوّقك أكثر،
فإليك السّلسلة العجيبة ذات المفاتيح التّسعة:
أول مفاتيحها وأقواها التّوحيد، ثمّ مفتاح العفو، ثم مفتاح تكبيرة الإحرام، ثمّ مفتاح الصّوم، ثمّ مفتاح ليلة القدر، ثمّ مفتاح التّواضع والتّذلّل، ثمّ مفتاح البكاء من خشية الله عز وجل، ثمّ مفتاح الذّب عن عرض أخيك وأخيرا مفتاح دعاء خاص.
.
 مفتاح التّوحيد:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يوافي عبد يوم القيامة يقول: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله إلا حرَّم الله عليه النار »نعم إذا نطقت بها مرّة واحدة وأنت موقن بها أعتقتك من النّار!فقل: "لآ إله إلاّ الله" وأنت تعتقد أنّه لا معبود بحقّ سواه، وأنّ لامقصود لحاجة إلاّه، وأنّ لاحبّ يعلو حبّه في القلب، وأنّ لا خوف ينسي خوفه، لارازق ولا معطي ولا مانع ولا ضار ولا نافع غيره،...ولا أفضل من رمضان لحضور هذه المعاني في القلب.
فإن أحسست في قلبك رقّة وقربا من مولاك فأعلنها فورا لعلّ هذه الحالة لن تعود!
.
 مفتاح العفو:
سبق وأن تحدّثنا عنه في الاستعداد ولابأس من التّذكير به مرّة أخرى.فالجزاء من جنس العمل: (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) عن أنس رضي الله عنه قال: «بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه.فقال عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟قال: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة عز وجل، فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي.قال الله عز وجل: أعط أخاك مظلمته.فيقول: يا رب لم يبق من حسناتي شيء.قال: يا رب فليحمل عني من أوزاري.ففاضت عين النبي صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم، يوم يحتاج الناس فيه إلى أن يحمل عنهم من أوزارهم.فيقول الله عز وجل للمطالب: ارفع رأسك فانظر الى الجنان.فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من فضة، وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ، لأي نبي هذا؟ لأي صديق هذا؟ لأي شهيد هذا؟قال الله: هذا لمن أعطاني الثمن. قال: أنت تملكه.قال: بماذا يا رب؟قال: بعفوك عن أخيك.قال: يا رب قد عفوت عنه.قال الله عز وجل: خذ بيد أخيك فادخل الجنة.ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإن الله عز وجل يصلح بين المؤمنين يوم القيامة».
.
 مفتاح تكبيرة الإحرام:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان: براءة من النّار وبراءة من النّفاق»قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يلج النّار أحد صلَّى قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها - يعني الفجر والعصر-.»يا أخي الحبيب، بالله عليك...ارفع مقاييسك!تسأل بعض الدّعاة: ما هو برنامجك في رمضان؟ فيجيبك: أصلي الصّلوات الخمس في المسجد!فإذا كنت في شهر الاجتهاد والتّشمير أقصى ما تدركه من الصّلاة أن تصلي الخمس في المسجد، فكيف يكون الحال بعد رمضان إذا؟!يا وريث النّبوّة...اطلب مرتبة الإحسان في كلّ عبادة تقوم بها!
.
 احضر إليه قبل أن يطلبك،
ولك أن تتصوّر أخي (ولله عز وجل المثل الأعلى)، ملكا أو رئيسا يعلن أنّه سينزل في زيارة إلى بعض ولاياته، فيجد بعضا من عماله في انتظار هذه الزّيارة قبل الإعلان عنها، وقد أعدّوا لها قبل أن يطلب منهم ذلك، وكلّهم شوق لاستقباله وخوف من عدم رضاه عنهم، وفريق آخر عندما علموا بالزّيارة ألقوا كلّ ما في أيديهم وهرعوا يحضّرون للزّيارة الميمونة, وصنف ثالث حتّى عندما وصلهم خبر الزّيارة بقوا مشتغلين ببعض شؤونهم ولم يبدؤوا التّحضير إلاّ في اللّحظات الأخيرة، على عجل ومن غير إتقان...! فمن أيّ الفرق الثّلاثة أنت؟
.
 كن من الفريق الأوّل:
فاذهب إلى المسجد قبل أن تسمع الآذان، واطلب الصّف الأوّل، بل اطلب المكان الأوّل عن يمين الإمام. وعندها أعدك أنّك ستحسّ وتشعر بمعنى: «أرحنا بها يا بلال»، وبمعنى: «ورجل معلّق قلبه بالمساجد»!
.
 مفتاح الصّوم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الصوم جنّة يستجنّ بها العبد من النار.»وقد جعل الله عز وجل الصّوم بدل عتق الرّقبة في دية القتل الخطأ وكفّارة الظهار فإذا كان الصيّام بديلاً عن العتق، وإذا كان من أعتق رقبة أُعتق بها من النَّار، فلعل الإكثار من الصيام سبب لنفس الجزاء.ولعلّنا هنا نطرح سؤالا مهمّا: ما هو الصّوم الذي يكون جنّة من النّار؟ أهو الجوع والعطش أو كما سمّاه الغزالي –رحمه الله تعالى- في الإحياء صوم العموم؟ أم هو صوم الخصوص الذي وضع له قواعد لا يقوم بدونها: غض البصر، حفظ اللّسان، حفظ السّمع، حفظ بقية الجوارح، عدم الإكثار من الطّعام عند الإفطار وأن يتعلّق القلب عند الإفطار بين الخوف والرّجاء؟ أم هو صوم خصوص الخصوص الذي وصفة الغزاليّ كما يلي: « فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية, ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين, فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا حتى قال أرباب القلوب: من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة, فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود, وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين ولا يطول النظر في تفصيلها قولا ولكن في تحقيقها عملا, فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل وانصراف عن غير الله سبحانه وتلبس بمعنى قوله عز وجل: (قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) الأنعام: 91»؟اطلب المرتبة العليا...تنل الوسطى على الأقلّ!
.
تعال نتفقّ على أمور تساعدنا جميعا على تناوش مرتبة خصوص الخصوص:
1. أقبل على القرآن أكثر من أيّ طاعة أخرى فقد كان الإمام مالك رضي الله عنه إذا أقبل رمضان طوى كتب الحديث –على عظيم شأنها- وتفرّغ للقرآن الكريم، وأكثر من الختمات بقدر ما يتّسع لذلك وقتك، وإن استطعت أن تختم كلّ يوم فافعل، فإن لم تستطع ففي ثلاثة أيام أو ستة...فقد قال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله عز وجل -: « إنمّا ورد النّهي عن قراءة القرآن في أقلّ من ثلاث على المداومة على ذلك، فأمّا في الأوقات المفضّلة كشهر رمضان والأماكن المفضّلة كمكّة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحبّ الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما لفضيلة الزّمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمّة»فاشتغالك بالقرآن لن يدع لك وقتا تنفقه في التّوافه.
2. استحضر النّية قبل أيّ عمل خصوصا الوظيفة وشؤون البيت.
3. لا تتوقّف عن الذّكر مادمت فارغا خصوصا الاستغفار.
4. إن استطعت أن تتفرّغ فافعل ولن تندم أبدا.
5. لا تسافر إلاّ للضّرورة القصوى.
6. طلّق التّلفاز بقية رمضان طلقة رجعية تنقضي مدّتها بعد السّتة من شوال، هذا إن كانت عصمته بيدك! أمّا إن كان غير ذلك فلك الله عز وجل...!اهجره مهما كان نوع البرنامج، فأنت في شهر عمل ولست في شهر تعلّم! وأرض المعركة لا تصلح للتّدريب.
7. لا جرائد ولا مجلاّت، فقد سبق وأخبرتك أنّ الإمام مالك كان يطوي كتب الحديث، وتقول لي ولكنّي أطالع أخبار العالم؟!
8. أغلق هاتفك النّقال كلما تفرّغت لعبادة (مأثورات، تلاوة، دعاء قبل الإفطار،..).
9. لا تذهب إلى السّوق إلاّ للضّرورة القصوى، فإن ذهبت فاحرص على أن تشتري كلّ ما يلزمك في بقيّة الأيام لكي لا ترجع مرّة أخرى واخرج منه بأسرع ما يمكن، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أحبّ البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها ».
10. أكثر المكوث في المساجد على ألاّ يشغلك ذلك عن قضاء حوائج بيتك وأهلك.
11. قلّل المخالطة إلاّ للضّرورة.
12. اقتصد في الطّعام تنل عدّة فوائد: قوّة على القيام والطّاعات، تخيف على الأهل وإعطائهم فسحة من الوقت للمنافسة على الجائزة، عدم الحاجة إلى السّوق،...
.
 مفتاح ليلة القدر:
قدّم طلب العفو، فقد سألت أمّنا عائشة –رضي الله عنها- رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هي أدركت هذه اللّيلة المباركة ماذا تقول؟ فأجابها بأبي وأمي هو صلى الله عليه وسلم: «قولي: اللّهمّ إنّك عفوّ تحبّ العفو، فاعف عنّي.»
.
 مفتاح التّواضع والتّذلّل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان هينا لينا قريبًا حرمه الله على النار» قال المناوي: «ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم في غاية اللين, فكان إذا ذكر أصحابه الدّنيا ذكرها معهم, وإذا ذكروا الآخرة ذكرها معهم, وإذا ذكروا الطّعام ذكره معهم.» احذر أن ترى أنّ لنفسك شأنا أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم !عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، قال: أتي النّبي صلى الله عليه وسلم برجل ترتعد فرائصه قال: فقال له: « هوّن عليك فإنّما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد في هذه البطحاء!» تواضع دقيقة يجفّف بحار الذّنوب وكبر دقيقة يحبط جبال الحسنات!جاء في الأثر أنّ عيسى بن مريم عليه السلام كان يسير مع أحد حواريّيه فمرّا بلصّ يقف على أكمة، فلما رآهما صاح: " رسول الله! وصاحب رسول الله! والله لأنزلنّ فلأسيرنّ معهما!" فلمّا كاد يدركهما قال في نفسه: " لص يمشي بجوار رسول الله؟ هذا لن يكون. لص يمشي بجوار صاحب رسول الله؟ هذا لن يكون. لأمشيّن خلفهما".وبينما اللّص يحدث نفسه كان الحواري أيضا يحدّث نفسه قاءلا: " لص يمشي بجواري وأنا صاحب رسول الله؟ هذا لن يكون. لأتقدّمنّ فلأسيرنّ بجوار عيسى عليه السلام.فنزل جبريل عليه السلام على سيّدنا عيسى عليه السلام يقول له: إنّ الله عز وجل يقول لك: قل لهما ليستأنفا عملهما فقد أحبطت سابقه.ولعّل من الأحوال المناسبة لاستشعار معنى التّذلّل والتّضرع، وقت الدّعاء ووقت التّوبة
.
 مفتاح البكاء من خشية الله عز وجل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عينان لا تمسّهما النّار، عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله.»وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: « لا يلج النّار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللّبن في الضّرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنّم في منخري مسلم أبدا.»وكان الحسن البصري-رحمه الله عز وجل- يقول: " ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله إلا حرم الله جسدها على النّار، فإن فاضت على خدها لم يرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة، وليس من عمل إلا له وزن وثواب إلا الدمعة من خشية الله فإنها تطفئ ما شاء الله من حر النار ولو أن رجلاً بكى من خشية الله في أمة لرجوت أن يرحم الله ببكائه تلك الأمة بأسرها "ولما رأت أم ربيع بن خثيم ما يلقى من البكاء والسّهر، قالت له: يا بني!.. لعلّك قتلت قتيلاً؟.. قال: نعم يا أمّاه، قالت: ومن هو حتّى نطلب إلى أهله فيعفوا عنك، فوالله لو يعلمون ما أنت فيه لرحموك وعفوا عنك، فقال: يا أماه هي نفسي.ولعلّ العبادة التي يمكن أن تجمع مجموعة من الخصال السّابقة هي قيام اللّيل، فأثناء صلاة اللّيل يمكن أن تخشع بالقرآن، وأن تتضرّع وتتذلّل لمولاك جل جلاله، وأن تذرف دموعا حارّة على خديك، وأن تعلن توبتك، وأن توحّد ربّك عز وجل بما يليق بجلاله.
.
 مفتاح الذّب عن عرض الأخ:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ذبَّ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النّار.»ويوم تبوك تخلّف كعب بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعلّه أمر عظيم استحقّ أن يقاطع لأجله من طرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين يوما كاملة. ولمّا سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل كعب؟ ما فعل كعب؟...أجابه رجل من المسلمين: حبسه برداه، والنّظر في عطفيه!فردّ معاذ بن جبل رضي الله عنه ردّا قاسيا على الرّجل مدافعا عن كعب: بشس ما قلت! والله ما علمنا فيه إلاّ خيرا.فذبّ أخي عن أعراض إخوانك ممن هم معك في الصّف أو ممن بقوا في صفّ الأمس. ولا يجرمنّك شنآن المعتدين ان تعتدي.
.
 مفتاح الدّعاء الخاص:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يصبح أو حين يمسي: (اللّهمّ إنّي أصبحت أشهدك، وأشهد حملة عرشك، وملائكتك وجميع خلقك، أنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت وأنّ محمدا عبدك ورسولك)، أعتق الله ربعه من النّار، فمن قالها مرّتين أعتق الله نصفه، فمن قالها ثلاثا أعتق الله ثلاثة أرباعه، فمن قالها أربعا أعتقه الله من النّار.»
.
في الأخير...القضية قضية قلوب
.
لمّا فرضّ المولى عز وجل الصّيام على هذه الأمّة، بيّن المغزى والهدف منه فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)فالهدف من الصوم إذا هو التّقوى!ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيّن في الحديث مكان التّقوى فقال: « لاَ تَحَاسَدوا، وَلاَتَنَاجَشوا، وَلاَ تَبَاغَضوا، وَلاَ تَدَابَروا، وَلاَ يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ، وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانَاً، المُسلِمُ أَخو المُسلم، لاَ يَظلِمهُ، وَلاَ يَخذُلُهُ، وَلا يكْذِبُهُ، وَلايَحْقِرُهُ، التَّقوَى هَاهُنَا - وَيُشيرُ إِلَى صَدرِهِ ثَلاَثَ مَراتٍ - بِحَسْبِ امرىء مِن الشَّرأَن يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ، كُلُّ المُسِلمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَام دَمُهُ وَمَالُه وَعِرضُه»فالصّوم غايته التّقوى، والتّقوى محلّها القلب، فالصوم إذا، عبادة القلب قبل أن تكون عبادة الجوارح، وهو صوم عن معاصي القلوب قبل أن يكون صوما عن المأكول والمشروب!والتّقوى كما عرّفها الإمام علي –كرّم الله عز وجل وجهه-: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتّنزيل، والرّضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرّحيل.وعرّفها ابن مسعود رضي الله عنه: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.وفصّل فيها ابن القيّم –رحمه الله عز وجل- فقال: «التّقوى ثلاث مراتب: أوّلها حَمِيَّة القلب والجوارح عن الآثام والمحرّمات، والثّانية: حَمِيَّتها عن المكروهات، والثّالثة الحَمِيَّة عن الفضول وما لا يعني، فالأولى تعطي العبد حياته، والثّانيّة تفيد صحّته وقوّته، والثّالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته»
فإذا تفرق عليك الأمر فاعمل على تحصيل هذه المراتب، والله عز وجل المستعان.
.
إلى موضوع آخر –إن مدّ الله عز وجل في العمر- أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
ولاتنسونا من صالح دعائكم.
.
أخوكم الفقير إلى عفو ربّه: زيّان أبو تقوى بلقبلي
----------------------------------

رمضان.. والعودة إلى القيم والأخلاق

رسالة من: محمد مهدي عاكف- المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين

رمضان مدرسة الأخلاق الحميدة
.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..فقد قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ (البقرة: 183).

تحدِّد هذه الآيةُ الكريمةُ أن الغايةَ الأساسيةَ من الصوم هي إيقاظُ التقوى في القلوب، وغرسُ الأخلاق الكريمة في النفوس، وهي غايةٌ تتطلَّع إليها أرواحُ المؤمنين، والصومُ أداةٌ من أدواتها، وطريقٌ موصِّلٌ إليها؛ لأنه يرتقي بالجانب الروحيِّ والأخلاقيِّ للصائم، فيقوِّي إرادتَه ويحملُه على الانقياد لما يحبه الله ويرضاه، ويمنعُه من ممارسة شيءٍ من الأقوال أو الأفعال غيرِ اللائقة، ويحميه من الخضوع للشهوات ومتابعة النفس الأمَّارة بالسوء، ويمنعه من الرَّفَث والآثام والاعتداء على الآخرين، وفي الحديث: "وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَصْخَبْ" (متفق عليه)، وفي الأثر: "إذا صمتَ فلْيَصُمْ سَمْعُك وبصرُك ولسانُك عن الكذب والمَحارم، ودَعْ أذى الخاصَّة، ولْيَكُنْ عليك وقارٌ وسكينةٌ يومَ صيامك، ولا تجعلْ يومَ فطرِك وصومِك سواء".

وإن اعتدَى أحدٌ على الصائم بقوله أو بفعله< فإنه يتدرَّب على التسامي وكظم الغيظ ونُبْل الخلق: "فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِم" (متفق عليه)، وفي الحديث: "أَعِفُّوا الصِّيَامَ؛ فَإِنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ مِنَ الطَّعَامِ وَلا مِنَ الشَّرَابِ، وَلَكِنَّ الصِّيَامَ مِنَ الْمَعَاصِي، فَإِذَا صَامَ أَحَدُكُمْ فَجَهِلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَوْ شَتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ" (الطيالسي).
.

الأخلاقُ الكريمةُ سرُّ نهضة الأمة
.

الأمة المسلمة الرائدة تجمع بين العبادة الروحية والإبداع المادي، وبين النجاح في الحياة الدنيا والنجاح في الحياة الأخرى، ويدرك العقلاءُ أن القانونَ وحدَه عاجزٌ كلَّ العجز عن تقديم الضمانات لسَيْر العمل وجودة الإنتاج وعدالة التوزيع، ومن هنا كان تحقيقُ التقوى والسمو الأخلاقي وتربية الضمير الحي غرضًا أساسيًّا لسائر التشريعات، بل غرضًا أساسيًّا من بعثته صلى الله عليه وسلم، فقد قال: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ" (أحمد وصحَّحه الحاكم على شرط مسلم)، وصدق أميرُ الشعراء حين قال: وإنما الأُمَمُ الأخْلاقُ ما بَقِيَتْ فإنْ هُمُوا ذَهَبَتْ أخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا وقد أراد الإسلامُ بهذه العبادةِ الكريمة في شهر رمضان من كل عام أن يتذكر المسلمون أنَّ تَمَسُّكَهم بهذه الأخلاقِ التي تصنع الحضارةَ وتُسْعِدُ الدنيا؛ هو سِرُّ القوة وأساسُ النهضة، ومنطلَقُ التغيير للأفضل.. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).
.
ويدرك أعداءُ هذه الأمة أنَّ هذه التربيةَ المتوازنةَ تنتج جيلاً حرًّا كريمًا، لا يقبل الظلمَ، ولا يُقيم على الضَّيْم، ولا يستسلم للاستعمار، ولا يساوم على المقدَّسات، ولا يقبل التطويع، وبخاصةٍ بعد أن رأوا نماذجَ هذا الجيل طلائعَ التحرير في الأمة، ورأوا بأسَهم في مواجهة عدوِّهم، وآخر ذلك في حرب الفرقان في غزة هاشم، فرأوا شبابًا
.

إذا شهدوا الوغى كانوا كُمَاةً *** يَدُكُّون المعاقلَ والحصونا

وإنْ جَنَّ المساءُ فلا تراهم *** من الإشفاق إلا ساجدينا

شباب لم تحطِّمْه الليالي *** ولم يسلم إلى الخصم العرينا
.
لهذا كان حرص أعداء الإسلام على تحطيم ما بقي من مصادر القوة في شباب الأمة، فسعوا إلى إثارة الشهوات، ودعوا إلى إطلاق الغرائز من كل عقال ديني أو أخلاقي أو اجتماعي، وهم يبذلون جهدهم لدفع المجتمع المسلم إلى الانحطاط الأخلاقي ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا﴾ (النساء: 27). ولذلك فعلى الأمة أن تراجع موقعها وموقفها من التقوى؛ التي هي مقصود الصيام الأسمى.
.
كيف تحقق الأنظمة والشعوب التقوى؟!
.
إن من أهم مظاهر التقوى التي تحتاجها الأمة: الاعتصام بحبل الله، والاجتماع على الحق، وعدم التفرق فيه.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ* وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 102، 103).
.
ويتم ذلك بالمصالحة بين الأنظمة والشعوب في أنحاء عالمنا العربي والإسلامي الذي ابتُلي بالاستبداد والقهر، وتحوَّل من موقع القائد إلى موقع التابع، وكثُرتْ الأيدي الخارجيةُ التي تؤجِّج نيرانَ الفتنة والعداوة داخل القطر الواحد، كما نرى ونلمس في السودان واليمن ولبنان وباكستان وأفغانستان والصومال، وغيرها من الجروح النازفة في جسد أمتنا الإسلامية.
.
إننا ندعو إلى مصالحةٍ عاجلةٍ بين الحكومات والشعوب تحقق الأمنَ وتحفظ من السقوط والانهيار، وتحمي الأمةَ من الانكشاف أمام أعدائها المتربِّصين، حتى تحقِّقَ معنى التقوى المقصودة من الصيام، وهذا يتطلَّب إقامةَ الحق والعدل والمساواة، ونشر الحريات؛ لأن الاستبداد يقضي على القدرات العقلية للأمة، ويفلُّ من إرادتها وعزمها، وفي ظله يتقلص معنى "الإيمان بالله" ليقتصر على المظهر الديني للعبادة، دون المظهر الاجتماعي الذي يسوِّي بين الجميع، ويتبدل سلَّم القيم في الأمة؛ لتصبح القوة فوق الفكر والعقل، وتصبح وظيفة المؤسسات في الدولة تنفيذَ إرادة السلطة المستبدة، بدلاً من القيام بواجباتها الأساسية في خدمة الأمة، وتتحدَّد مكانة الأفراد في الأمة ومسئولياتهم طبقًا لموقفهم من السلطة الاستبدادية، ويتغوَّل الأمن السياسي على حساب الأمن الاجتماعي، وبذلك تهتزُّ مكانة العدل في الأمة، ويشيع فيها الظلم، وتنتشر الجرائم الاجتماعية، وتفقد القيم الأخلاقية فاعليتها وتأثيرها، وتسود قيم النفاق التي تفترس المظلومين من أذكياء الأمة ومحروميها.
.
وبهذه الصورة يتحول المجتمع إلى أكوام بشرية لا علاقة بينها؛ إذ تشيع الأنانيات الفردية، وتتمزق شبكة العلاقات الاجتماعية، وتتحطَّم معنويات الأمة، ويضعف الانتماء للوطن، ومن هنا يتهدَّد الأمن القومي للأمة. شتان في مجال الدفاع والأمن القومي بين دولة أساس الحكم فيها السجن والتعذيب وتلفيق التهم للأبرياء، ومصادرة أموال الشرفاء، وبين دولة الشورى والحريات التي يقول حاكمها عمر بن الخطاب رضي الله عنه لوُلاته: "أدِرُّوا على المسلمين حقوقَهم، ولاَ تَضْرِبُوهم فَتُذِلُّوهُمْ، وَلاَ تُجَمِّرُوهُمْ (أي لا تحبسوهم بغير حق) فَتَفْتِنُوهُمْ، ولا تُغْلِقُوا الأَبْوَابَ دونَهم، فَيَأْكُلَ قَوِيُّهم ضَعِيفََهم، ولا تَسْتَأْثِرُوا عليهم فتَظْلِمُوهُم، ولا تَجْهَلُوا عليهم" (الخراج لأبي يوسف).
.
وفي هذه الأجواء الروحانية المباركة في رمضان أُذَكِّر الجميعَ بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ؛ فَظَهْرُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا، وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلاَءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ فَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا" (الترمذي). وقوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِم الحُلَمَاءَ، وَجَعَلَ أَمْوَالَهُمْ فِي أَيْدِي السُّمَحَاءِ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ بَلَاءً اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِم السُّفَهَاءَ، وَجَرَلَ أَمْوَالَهُمْ فِي أَيْدِي البُخَلَاءِ، ألاَ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فِي حَوَائِجِهِمْ رَفَقَ اللهُ بِهِ يَوْمَ حَاجَتِهِ، وَمَن احْتَجَبَ عَنْهُمْ دُونَ حَوَائِجِهِمْ احْتَجَبَ اللهُ عَنْهُ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ" (الخراج لأبي يوسف).
.
أفيمكن أن تخالف أمةُ الصيام والقرآن هذه المبادئَ الإنسانيةَ العاليةَ وهذه القيمَ الربانيةَ الرفيعةَ ثم يكون لها شأنٌ أو كيانٌ محترَمٌ، ويبقي اسمها في سجل الخلود؟! فهل ينتهز حكام العرب والمسلمين هذه الأيامَ المباركةَ للتصالح مع شعوبهم وكفكفة دموع المظلومين من أبناء أمتهم، وإقرار مبادئ العدالة والحريات والشورى في أوطانهم.
.
فلسطين في القلب في ظل أجواء رمضان المبارك، لا بد أن تظل الأمة على يقظة دائمة ووعي تام بالمؤامرات التي تحاك لقضية العرب والمسلمين الأولى، وهي قضية فلسطين والمسجد الأقصى، ولا بد أن تهبَّ الأمة لنجدة أهلنا في الضفة وقطاع غزة الصامد الصابر، الذي قدَّم شبابه، ولا يزالون يقدمون التضحيات الجسام، وقاموا- ولا يزالون- بدور أسطوري أصاب المشروع الصهيوني في مقتل، ولذلك كثرت دوائر المؤامرة على هذا الشعب المجاهد، وتسابق أعداؤه في حصاره والتضييق عليه ومحاولة تفجيره من الداخل؛ لعلهم ينالون بالحصار والتضييق والتآمر ما لم يحقِّقوه بالحرب والتدمير.
.
ولهذا فالأمة في امتحان مهمٍّ، وليس أمامها من خيار سوى أن تنجح في تثبيت هذه الإرادة القوية لأهلنا في غزة، ودعمهم بكل صنوف الدعم المادي والإعلامي والمعنوي، ودعوة الدنيا كلها إلى تفهُّم عدالة قضيتهم والوقوف إلى جانبهم في استرداد حقوقهم، وتقرير مصيرهم.وعلى الأمة ألا تنسى أحد عشر ألف بطل من أبطال في فلسطين المجاهدين، غيَّبهم الاحتلال الظالم الغاشم خلف الأسوار، وتحريرهم في رقبة الأمة، ويجب أن يأخذوا الأولوية القصوى في الاهتمام والعمل. والله أسأل أن يهدي الأمة والولاة، والرعية والرعاة، وأن يؤلف بين قلوبهم في الخيرات، وأن يكف شرَّ بعضهم عن بعض، وأن يكتب لأمتنا نصرًا عزيزًا، ويفتح لها فتحًا مبينًا، إنه على كل شيء قدير.
.
والله أكبر ولله الحمد، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. والحمد لله رب العالمين.
--------------------------------
إخوان أون لاين