الحمد لله الذي جمعنا على المحبّةِ في الله والأخوّةِ في دينه، فالتقينا على طاعته وتوحدنا على دعوته وتعاهدنا على نصرة شريعته.
.
أيها المربُّون، أيتها المربِّيات، أيها الدعاة، أيتها الداعيات..
.
- أنتم الذين اصطبغتم بالصبغة الإلهية: (صبغةَ الله ومَن أحسن من الله صبغة).
.
أيها المربُّون، أيتها المربِّيات..
.
إنّ من عوائق العمل الهزيمة النّفسية والتراجع في الهمم، بسبب القصور عن الوصول إلى المنازل المنشودة أمام كثافة دواعي الشرِّ والرّذيلة وتقهقُر أهل الخير والفضيلة، فَتُؤْثِرون العزلة والسهولة، وتتركون محاربةَ المفاسد الفكرية والأخلاقية.
- إنّ بعضنا لا زال الحزن على واقع الدعوة الإسلامية يستهلكهم يوما بعد يوم، ولا زال حزينا على ما وقع من فتنةٍ في صفوف الجماعة، فانعزلوا يبكون وتركوا أجيال الشباب لمن يربِّيها من دعاة الانحراف والفساد.. يروي الإمام الشعبي أنَّ رجالاً خرجوا من الكوفة ونزلوا قريبًا يتعبّدون، فبلغ ذلك عبدَ الله بنِ مسعود فأتاهم، ففرحوا بمجيئه إليهم، فقال لهم: "ما حملكم على ما صنعتُم؟" قالوا: أحبَبْنا أن نخرج من غِمار الناس نتعبّد، فقال عبد الله: "لو أنَّ الناس فعلوا مثل ما فعلتُم فمَن كان يقاتل العدوّ؟ فما أنا بِبارحٍ حتى ترجعوا".
ويقول ابن الجوزي رحمه الله: "الزُّهَّادُ في مقام الخفافيش، قد دفنوا أنفسهم بالعُزلة عن نفْعِ الناس وهي حالةٌ حسنةٌ إذا لم تمنع من خيرٍ، ومن جماعةٍ واتِّباعِ جنازةٍ وعيادةِ مريضٍ،... إلا أنها حالةُ الجبناء، فأمّا الشُّجعانُ فهم يتعلّمون ويُعلِّمون، وهذه مقاماتُ الأنبياء عليهم السلام".
نحسبكم أيها المربُّون من هؤلاء الشجعان بل أنتم الشجعان الذين يضيؤون زوايا هذا الوطن المظلمةِ جنَبَاتُه.
ويعرِّف الكيلاني الزهدَ الحقيقيَّ ويقول:"المتزهِّدُ المبتدئُ في زُهده يهرب من الخَلق، والزاهد الكاملُ في زُهده لا يُبالي ولا يهرب منهم.. بل يطلبهم، لأنّه يصيرُ عارفًا لله عزَّ وجلّ، ومَن عرف الله لا يهرب من شيء، ولا يخاف من شيء سواه.
المبتدئ يهرب من الفُسّاق والعُصاة، والمنتهي يطلبهم.. كيف لا يطلبهم وكلُّ دوائهم عنده. مَنْ كمُلتْ معرفتُه لله تعالى صار دالاًّ عليه، يصير شبكة يصطاد بها الخَلْق من بحْرِ الدنيا، يُعطي القوّة حتى يهزم إبليس وجنده".
- قوْل ابن مسعود وابن الجوزي والكيلاني هذا لمن انصرف إلى العبادة، فماذا نقول اليوم لمن ينصرف عن العمل لا إلى كثرة العبادة ولكن إلى الراحة والترف. ولئن انْحنَتْ ظهور بعضُ المتعبِّدين اليوم من كثرة الصَّلاة وجفَّتْ حُلُوقُهم من مواصلة الصّوم، فإنَّ دعاةَ العمل قد انْحنَت ظهور بعض الفرائض والسّنن من كثرة مجالس التداوُل في أمور ومصالح المسلمين، جفَّتْ حُلُوقُهم من كثرة السَّعي والحركة
أيها المربُّون، أيتها المربِّيات..
.
إنّكم تتصدَّوْن لتربية الأجيال، وكلُّ مُتَصَدٍّ للتربية ناقص، وإنّما فرَضَتْكم الحاجةُ التربوية فوضعَتْكم في مَقام الأستاذية لتربية الأجيال، طمَعًا في أن تنالوا بالتواصي الجماعي بالحقِّ وبالصَّبر ما يمكن أن يُنَالَ من جميل الخِصال الإيمانيَّة ومَحَاسِن الصفات الإسلامية، فأنتم بهذا الطمع تتحرَّكون، وإلى تحقيق أهدافكم تصبُون: "اعملوا فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلِق له".
إنَّكم تبذلون اليوم جهدًا كبيرًا لإصلاح ما أفسدتْه المناهج الأخرى والحركات التي تدّعي أنّها تصلح وهي إلى الإفساد أقرب، ومن الإصلاح أبعد ولكنكم اخترتُم طريقًا طويلة وعمليةً شاقَّة لاستلال بقايا الجاهلية، ولكن هذه الطريق هي المُوصِلة إن شاء الله تعالى.
ثمَّ إنَّ بعض جهودنا تُهدَر بلا سببٍ منّا ولكنَّها العداوات المخاصمةُ لنا ولمنهاجنا وطريقِ دعوتنا، فلنُسَدِّدْ ولْنُقارِبْ من غير أن يدِبَّ إلى نفوسنا يأْسٌ في حِيازةِ بعض الخير، فإنَّ عصابةً من الأمَّة لا تزال ظاهرةً على الحقِّ حتى تقوم الساعة، كما نطق الحديث الصحيح، ولنعملْ سويَّةً حتى نكون من هذه العصابة المؤمنة الثابتة على الحق، والتي تنشد التغيير من خلال العمل التربوي والدعوي، الذي جعلناه من أولى الأولويات في حركتنا وجماعتنا.
.
أيها المربُّون، أيتها المربِّيات..
.
ينبغي عليكم جميعًا أن تُعطوا الأهمية القصوى للتربية، وأن تجعلوها همَّكم الأول والأخير، فبالتربية والدعوة نتحرّك وإليهما نتحاكم كمرجعية لنا في خلافنا، وعليهما –بعد الله تعالى- نعتمد في العملية التغييرية التي ننشدها بإذن الله تعالى، ولكن لنضعْ نصبَ أعيننا دوما قولَ الله تعالى: (ذلك بأنَّ الله لم يكُ مُغيِّرًا نعمةً أنعمها على قومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسهم).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.يوم الجمعة: 17 ذي القعدة 1430هـ الموافق 06 نوفمبر 2009م
هناك تعليق واحد:
السلام عليكم
اسعدتني زيارتك ونتمني الفوز للشيخ ومبروووك مقدمااا
إرسال تعليق