14 سبتمبر 2009

شدّوا مآزركم

"أيّها الإخوان... شدّوا مآزركم، فقد حلّت فرصة العمر!"
الحمد لله الذي امتنّ على هذه الأمّة بنعمة رمضان، لم يعطها لأمّة قبلها. جعل فيه ليلة، عبادتها أفضل من عبادة ألف شهر. تنزل فيها الملائكة تصلي على المؤمنين وتدعو لهم بكل خير. وصلِّ اللّهمّ وسلّم خير البشر، من أكرم غاية الإكرام هذا الشّهر، وعلى آله وصحبه من كانوا بين النّاس كالدّرر.
.
أيّها الإخوان... من كان في نعمة ولم يشكر خرج منها ولم يشعر!لقد امتنّ الله عز وجل عليكم وعليّ بأن أبقانا حتّى أدركنا شهر رمضان الكريم وصمنا ما كتب لنا، وقد قبض غيركم على مرمى أيام منه (تذّكروا أخاكم عبد الرّشيد مقراني من أم البواقي الذي قبضه الله عز وجل على بعد أيام قلائل من رمضان وقد كان عزم على الحج هذا العام، نسأل الله عز وجل أن يكتبها له وأن يجعله من سكان الفردوس الأعلى)، ولعلّ بعضنا يقلّل من مقدار هذه النّعمة!
.
فاسمع رحمني الله سبحانه وتعالى وأيّاك إلى الصّحابي الجليل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وهو يروي لك هذه القصّة العجيبة:
فعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنّ رجلين من بَلِيّ (حي من قضاعة) قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعا، فكان أحدهما أشدّ اجتهادا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثمّ مكث الآخر سنة، ثمّ توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام بينما أنا عند باب الجنّة إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنّة فأذِن للذي توفّي الآخر منهما، ثمّ خرج فأذن للذي استشهد، ثمّ رجع إليّ فقال: ارجع فإنّك لم يأن لك بعد، فأصبح طلحة يحدّث به النّاس فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدذثوه به، فقال: « أليس قد مكث هذا بعده سنة؟» قالوا: بلى قال: «وأدرك رمضان فصام وصلّى كذا وكذا من سجدة في السّنة؟» قالوا: بلى. قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فما بينهما أبعد ممّا بين السّماء والأرض..
.
هل عرفت الآن مقدار ما أنت فيه من النّعمة؟!
أناشدك بالله جل جلاله أن لا تقرأ بعد هذا السّطر كلمة واحدة حتّى تخرّ ساجدا على الأرض شكرا لله عز وجل.
.
قبل الانطلاق...
.
لقد تحدّثنا في الجزء السّابق من موضوعنا عن الجائزة العظمى لسباق رمضان، جائزة العتق الأبديّ من نار تلظّى. ولعلّ بعضكم قد نال هذا الشّرف، فهنيئا له (ونسأل الله عز وجل أن يهب المذنبين المغلولين منّا لمن أعتق)، ومنكم من ينتظر وما بدّل تبديلا!
واتّفقنا على ثلاث وسائل لانطلاقة قويّة، فهل تذكرها؟
توبة نصوح فاتحة لمغاليق القلب،
عفو كريم يجلب عفوا أكرم،
إصلاح ذات بين يصلح لك رمضان ويرفع عنك الحظر،
فهل انت مستعدّ فعلا؟! هل قمت بكلّ هذه المستلزمات؟!إذا كان الجواب بالنّفي، بالله عليك لا تكمل حتّى تفعل...
.
السّلسلة العجيبة ذات المفاتيح التسعة!
.
وأنا أبحث في وسط الكنوز وجدت لك سلسلة عجيبة، بها تسعة مفاتيح كلّ منها يصلح لغلق أبواب جهنّم وفتح أبواب الجنان.
وأعجب ما في هذه المفاتيح أنّها خفيفة الحمل وأنّك كلما استعملتها معا كان الفتح أسهل وأسرع وكان الغلق أقوى وأحكم.لن أشوّقك أكثر،
فإليك السّلسلة العجيبة ذات المفاتيح التّسعة:
أول مفاتيحها وأقواها التّوحيد، ثمّ مفتاح العفو، ثم مفتاح تكبيرة الإحرام، ثمّ مفتاح الصّوم، ثمّ مفتاح ليلة القدر، ثمّ مفتاح التّواضع والتّذلّل، ثمّ مفتاح البكاء من خشية الله عز وجل، ثمّ مفتاح الذّب عن عرض أخيك وأخيرا مفتاح دعاء خاص.
.
 مفتاح التّوحيد:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يوافي عبد يوم القيامة يقول: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله إلا حرَّم الله عليه النار »نعم إذا نطقت بها مرّة واحدة وأنت موقن بها أعتقتك من النّار!فقل: "لآ إله إلاّ الله" وأنت تعتقد أنّه لا معبود بحقّ سواه، وأنّ لامقصود لحاجة إلاّه، وأنّ لاحبّ يعلو حبّه في القلب، وأنّ لا خوف ينسي خوفه، لارازق ولا معطي ولا مانع ولا ضار ولا نافع غيره،...ولا أفضل من رمضان لحضور هذه المعاني في القلب.
فإن أحسست في قلبك رقّة وقربا من مولاك فأعلنها فورا لعلّ هذه الحالة لن تعود!
.
 مفتاح العفو:
سبق وأن تحدّثنا عنه في الاستعداد ولابأس من التّذكير به مرّة أخرى.فالجزاء من جنس العمل: (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) عن أنس رضي الله عنه قال: «بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه.فقال عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟قال: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة عز وجل، فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي.قال الله عز وجل: أعط أخاك مظلمته.فيقول: يا رب لم يبق من حسناتي شيء.قال: يا رب فليحمل عني من أوزاري.ففاضت عين النبي صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم، يوم يحتاج الناس فيه إلى أن يحمل عنهم من أوزارهم.فيقول الله عز وجل للمطالب: ارفع رأسك فانظر الى الجنان.فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من فضة، وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ، لأي نبي هذا؟ لأي صديق هذا؟ لأي شهيد هذا؟قال الله: هذا لمن أعطاني الثمن. قال: أنت تملكه.قال: بماذا يا رب؟قال: بعفوك عن أخيك.قال: يا رب قد عفوت عنه.قال الله عز وجل: خذ بيد أخيك فادخل الجنة.ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإن الله عز وجل يصلح بين المؤمنين يوم القيامة».
.
 مفتاح تكبيرة الإحرام:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان: براءة من النّار وبراءة من النّفاق»قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يلج النّار أحد صلَّى قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها - يعني الفجر والعصر-.»يا أخي الحبيب، بالله عليك...ارفع مقاييسك!تسأل بعض الدّعاة: ما هو برنامجك في رمضان؟ فيجيبك: أصلي الصّلوات الخمس في المسجد!فإذا كنت في شهر الاجتهاد والتّشمير أقصى ما تدركه من الصّلاة أن تصلي الخمس في المسجد، فكيف يكون الحال بعد رمضان إذا؟!يا وريث النّبوّة...اطلب مرتبة الإحسان في كلّ عبادة تقوم بها!
.
 احضر إليه قبل أن يطلبك،
ولك أن تتصوّر أخي (ولله عز وجل المثل الأعلى)، ملكا أو رئيسا يعلن أنّه سينزل في زيارة إلى بعض ولاياته، فيجد بعضا من عماله في انتظار هذه الزّيارة قبل الإعلان عنها، وقد أعدّوا لها قبل أن يطلب منهم ذلك، وكلّهم شوق لاستقباله وخوف من عدم رضاه عنهم، وفريق آخر عندما علموا بالزّيارة ألقوا كلّ ما في أيديهم وهرعوا يحضّرون للزّيارة الميمونة, وصنف ثالث حتّى عندما وصلهم خبر الزّيارة بقوا مشتغلين ببعض شؤونهم ولم يبدؤوا التّحضير إلاّ في اللّحظات الأخيرة، على عجل ومن غير إتقان...! فمن أيّ الفرق الثّلاثة أنت؟
.
 كن من الفريق الأوّل:
فاذهب إلى المسجد قبل أن تسمع الآذان، واطلب الصّف الأوّل، بل اطلب المكان الأوّل عن يمين الإمام. وعندها أعدك أنّك ستحسّ وتشعر بمعنى: «أرحنا بها يا بلال»، وبمعنى: «ورجل معلّق قلبه بالمساجد»!
.
 مفتاح الصّوم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الصوم جنّة يستجنّ بها العبد من النار.»وقد جعل الله عز وجل الصّوم بدل عتق الرّقبة في دية القتل الخطأ وكفّارة الظهار فإذا كان الصيّام بديلاً عن العتق، وإذا كان من أعتق رقبة أُعتق بها من النَّار، فلعل الإكثار من الصيام سبب لنفس الجزاء.ولعلّنا هنا نطرح سؤالا مهمّا: ما هو الصّوم الذي يكون جنّة من النّار؟ أهو الجوع والعطش أو كما سمّاه الغزالي –رحمه الله تعالى- في الإحياء صوم العموم؟ أم هو صوم الخصوص الذي وضع له قواعد لا يقوم بدونها: غض البصر، حفظ اللّسان، حفظ السّمع، حفظ بقية الجوارح، عدم الإكثار من الطّعام عند الإفطار وأن يتعلّق القلب عند الإفطار بين الخوف والرّجاء؟ أم هو صوم خصوص الخصوص الذي وصفة الغزاليّ كما يلي: « فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية, ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين, فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا حتى قال أرباب القلوب: من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة, فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود, وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين ولا يطول النظر في تفصيلها قولا ولكن في تحقيقها عملا, فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل وانصراف عن غير الله سبحانه وتلبس بمعنى قوله عز وجل: (قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) الأنعام: 91»؟اطلب المرتبة العليا...تنل الوسطى على الأقلّ!
.
تعال نتفقّ على أمور تساعدنا جميعا على تناوش مرتبة خصوص الخصوص:
1. أقبل على القرآن أكثر من أيّ طاعة أخرى فقد كان الإمام مالك رضي الله عنه إذا أقبل رمضان طوى كتب الحديث –على عظيم شأنها- وتفرّغ للقرآن الكريم، وأكثر من الختمات بقدر ما يتّسع لذلك وقتك، وإن استطعت أن تختم كلّ يوم فافعل، فإن لم تستطع ففي ثلاثة أيام أو ستة...فقد قال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله عز وجل -: « إنمّا ورد النّهي عن قراءة القرآن في أقلّ من ثلاث على المداومة على ذلك، فأمّا في الأوقات المفضّلة كشهر رمضان والأماكن المفضّلة كمكّة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحبّ الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما لفضيلة الزّمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمّة»فاشتغالك بالقرآن لن يدع لك وقتا تنفقه في التّوافه.
2. استحضر النّية قبل أيّ عمل خصوصا الوظيفة وشؤون البيت.
3. لا تتوقّف عن الذّكر مادمت فارغا خصوصا الاستغفار.
4. إن استطعت أن تتفرّغ فافعل ولن تندم أبدا.
5. لا تسافر إلاّ للضّرورة القصوى.
6. طلّق التّلفاز بقية رمضان طلقة رجعية تنقضي مدّتها بعد السّتة من شوال، هذا إن كانت عصمته بيدك! أمّا إن كان غير ذلك فلك الله عز وجل...!اهجره مهما كان نوع البرنامج، فأنت في شهر عمل ولست في شهر تعلّم! وأرض المعركة لا تصلح للتّدريب.
7. لا جرائد ولا مجلاّت، فقد سبق وأخبرتك أنّ الإمام مالك كان يطوي كتب الحديث، وتقول لي ولكنّي أطالع أخبار العالم؟!
8. أغلق هاتفك النّقال كلما تفرّغت لعبادة (مأثورات، تلاوة، دعاء قبل الإفطار،..).
9. لا تذهب إلى السّوق إلاّ للضّرورة القصوى، فإن ذهبت فاحرص على أن تشتري كلّ ما يلزمك في بقيّة الأيام لكي لا ترجع مرّة أخرى واخرج منه بأسرع ما يمكن، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أحبّ البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها ».
10. أكثر المكوث في المساجد على ألاّ يشغلك ذلك عن قضاء حوائج بيتك وأهلك.
11. قلّل المخالطة إلاّ للضّرورة.
12. اقتصد في الطّعام تنل عدّة فوائد: قوّة على القيام والطّاعات، تخيف على الأهل وإعطائهم فسحة من الوقت للمنافسة على الجائزة، عدم الحاجة إلى السّوق،...
.
 مفتاح ليلة القدر:
قدّم طلب العفو، فقد سألت أمّنا عائشة –رضي الله عنها- رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هي أدركت هذه اللّيلة المباركة ماذا تقول؟ فأجابها بأبي وأمي هو صلى الله عليه وسلم: «قولي: اللّهمّ إنّك عفوّ تحبّ العفو، فاعف عنّي.»
.
 مفتاح التّواضع والتّذلّل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان هينا لينا قريبًا حرمه الله على النار» قال المناوي: «ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم في غاية اللين, فكان إذا ذكر أصحابه الدّنيا ذكرها معهم, وإذا ذكروا الآخرة ذكرها معهم, وإذا ذكروا الطّعام ذكره معهم.» احذر أن ترى أنّ لنفسك شأنا أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم !عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، قال: أتي النّبي صلى الله عليه وسلم برجل ترتعد فرائصه قال: فقال له: « هوّن عليك فإنّما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد في هذه البطحاء!» تواضع دقيقة يجفّف بحار الذّنوب وكبر دقيقة يحبط جبال الحسنات!جاء في الأثر أنّ عيسى بن مريم عليه السلام كان يسير مع أحد حواريّيه فمرّا بلصّ يقف على أكمة، فلما رآهما صاح: " رسول الله! وصاحب رسول الله! والله لأنزلنّ فلأسيرنّ معهما!" فلمّا كاد يدركهما قال في نفسه: " لص يمشي بجوار رسول الله؟ هذا لن يكون. لص يمشي بجوار صاحب رسول الله؟ هذا لن يكون. لأمشيّن خلفهما".وبينما اللّص يحدث نفسه كان الحواري أيضا يحدّث نفسه قاءلا: " لص يمشي بجواري وأنا صاحب رسول الله؟ هذا لن يكون. لأتقدّمنّ فلأسيرنّ بجوار عيسى عليه السلام.فنزل جبريل عليه السلام على سيّدنا عيسى عليه السلام يقول له: إنّ الله عز وجل يقول لك: قل لهما ليستأنفا عملهما فقد أحبطت سابقه.ولعّل من الأحوال المناسبة لاستشعار معنى التّذلّل والتّضرع، وقت الدّعاء ووقت التّوبة
.
 مفتاح البكاء من خشية الله عز وجل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عينان لا تمسّهما النّار، عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله.»وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: « لا يلج النّار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللّبن في الضّرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنّم في منخري مسلم أبدا.»وكان الحسن البصري-رحمه الله عز وجل- يقول: " ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله إلا حرم الله جسدها على النّار، فإن فاضت على خدها لم يرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة، وليس من عمل إلا له وزن وثواب إلا الدمعة من خشية الله فإنها تطفئ ما شاء الله من حر النار ولو أن رجلاً بكى من خشية الله في أمة لرجوت أن يرحم الله ببكائه تلك الأمة بأسرها "ولما رأت أم ربيع بن خثيم ما يلقى من البكاء والسّهر، قالت له: يا بني!.. لعلّك قتلت قتيلاً؟.. قال: نعم يا أمّاه، قالت: ومن هو حتّى نطلب إلى أهله فيعفوا عنك، فوالله لو يعلمون ما أنت فيه لرحموك وعفوا عنك، فقال: يا أماه هي نفسي.ولعلّ العبادة التي يمكن أن تجمع مجموعة من الخصال السّابقة هي قيام اللّيل، فأثناء صلاة اللّيل يمكن أن تخشع بالقرآن، وأن تتضرّع وتتذلّل لمولاك جل جلاله، وأن تذرف دموعا حارّة على خديك، وأن تعلن توبتك، وأن توحّد ربّك عز وجل بما يليق بجلاله.
.
 مفتاح الذّب عن عرض الأخ:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ذبَّ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النّار.»ويوم تبوك تخلّف كعب بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعلّه أمر عظيم استحقّ أن يقاطع لأجله من طرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين يوما كاملة. ولمّا سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل كعب؟ ما فعل كعب؟...أجابه رجل من المسلمين: حبسه برداه، والنّظر في عطفيه!فردّ معاذ بن جبل رضي الله عنه ردّا قاسيا على الرّجل مدافعا عن كعب: بشس ما قلت! والله ما علمنا فيه إلاّ خيرا.فذبّ أخي عن أعراض إخوانك ممن هم معك في الصّف أو ممن بقوا في صفّ الأمس. ولا يجرمنّك شنآن المعتدين ان تعتدي.
.
 مفتاح الدّعاء الخاص:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يصبح أو حين يمسي: (اللّهمّ إنّي أصبحت أشهدك، وأشهد حملة عرشك، وملائكتك وجميع خلقك، أنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت وأنّ محمدا عبدك ورسولك)، أعتق الله ربعه من النّار، فمن قالها مرّتين أعتق الله نصفه، فمن قالها ثلاثا أعتق الله ثلاثة أرباعه، فمن قالها أربعا أعتقه الله من النّار.»
.
في الأخير...القضية قضية قلوب
.
لمّا فرضّ المولى عز وجل الصّيام على هذه الأمّة، بيّن المغزى والهدف منه فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)فالهدف من الصوم إذا هو التّقوى!ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيّن في الحديث مكان التّقوى فقال: « لاَ تَحَاسَدوا، وَلاَتَنَاجَشوا، وَلاَ تَبَاغَضوا، وَلاَ تَدَابَروا، وَلاَ يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ، وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانَاً، المُسلِمُ أَخو المُسلم، لاَ يَظلِمهُ، وَلاَ يَخذُلُهُ، وَلا يكْذِبُهُ، وَلايَحْقِرُهُ، التَّقوَى هَاهُنَا - وَيُشيرُ إِلَى صَدرِهِ ثَلاَثَ مَراتٍ - بِحَسْبِ امرىء مِن الشَّرأَن يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ، كُلُّ المُسِلمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَام دَمُهُ وَمَالُه وَعِرضُه»فالصّوم غايته التّقوى، والتّقوى محلّها القلب، فالصوم إذا، عبادة القلب قبل أن تكون عبادة الجوارح، وهو صوم عن معاصي القلوب قبل أن يكون صوما عن المأكول والمشروب!والتّقوى كما عرّفها الإمام علي –كرّم الله عز وجل وجهه-: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتّنزيل، والرّضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرّحيل.وعرّفها ابن مسعود رضي الله عنه: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.وفصّل فيها ابن القيّم –رحمه الله عز وجل- فقال: «التّقوى ثلاث مراتب: أوّلها حَمِيَّة القلب والجوارح عن الآثام والمحرّمات، والثّانية: حَمِيَّتها عن المكروهات، والثّالثة الحَمِيَّة عن الفضول وما لا يعني، فالأولى تعطي العبد حياته، والثّانيّة تفيد صحّته وقوّته، والثّالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته»
فإذا تفرق عليك الأمر فاعمل على تحصيل هذه المراتب، والله عز وجل المستعان.
.
إلى موضوع آخر –إن مدّ الله عز وجل في العمر- أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
ولاتنسونا من صالح دعائكم.
.
أخوكم الفقير إلى عفو ربّه: زيّان أبو تقوى بلقبلي
----------------------------------

ليست هناك تعليقات: