30 أكتوبر 2009

نـوفـمـبـر ذكـرى ورسـالـة

حركة الدعوة والتغيير
نوفمبـر 2009


اليوم يحل نوفمبر مجددا في حلته الزاهية بألوان الثورة والانتصار للحقوق والحريات يفوح من شذى التضحية والأخوة والوحدة ممزوجا بدماء الشهداء الأبرار عليهم رحمة الله.
يحل نوفمبر رغم كل تقلبات الحياة ليفرض نفسه من جديد في ساحة تاريخ الأمم وهو يعيد للعالم ذكرى أمة عظيمة ثارت من أجل استقلالها رفعت شعار "الله أكبر" في وجه أكبر قوة في عالم الأمس الاستعماري المستبد الغاشم.

نوفمبر الذكرى
1- إن نوفمبر ذكرى عظيمة تحمل في طياتها العديد من القيم فهو ذكرى لبلورة جهاد المقاومة الطويلة في ثورة واحدة موحدة تجاوزت كل القيم الأرضية والجهوية والفئوية لتشكل صوت الشعب كله وتذيب فيها كل الخلافات مهما شكلها وتؤجل التعدد لصالح الجماعة والشخص فيه لصالح المشروع فتحول كل طاقات الأمة باتجاه واحد وفكرة قائدة واحدة فهي فكرة الاستقلال التي رفعها شباب الثورة وفجروا من خلالها شرارة الجهاد المقدس فحرروا الأرض وصانوا العرض.

2- ذكرى الحق الذي ينتصر بمقاييس التضحية والثقة في نصر الله والثبات على المبادئ والتجرد من أجل المشروع الحق الذي هو القوة الحقيقية، إذ أن حسابات القوة المادية لم تكن أبدا لصالح الثورة ولكن الحق حوّل الإمكانات البسيطة إلى أدوات صانعة للنصر ومحققة لآمال الملايين الذين ظلوا يقاومون ويمانعون من أجل حماية ثوابتهم والصبر على المكاره من أجل تحقيق طموحهم الذي جاء أخيرا باستقلال الجزائر وحريتها. الحق الذي لم يبق قيمة مثالية أو حلما عسيرا بل تحول إلى مشروع نوفمبري كبير جله الرجال والنساء والأطفال وانتصر له أحرار العالم لأنه يمتلك قوة خاصة يؤمن بها الأسوياء.

3- ذكرى الشباب القادر على تحدي الصعاب فالذين قاموا بالثورة شباب أثقل كاهلهم وضع أمتهم فآثروا للثورة ضاربين عرض الحائط كل مراهنات العاجزين وتجاوزا الإرجاف واليأس والخطابات الجوفاء ليسمعوا العالم صوتهم عبر الرصاص المجاهد في ساحة المعركة وعبر شلالات الدماء المتدفقة من جراحهم وعبر رؤية جديدة للوضع لم تؤمن بالحلول الترقيعية بل عمدت إلى الحل الجذري الذي كان باهض الثمن ولكنه أثمر في الأخير دولة نحن اليوم ننعم بها وفيها حرية وسيادة.

4- ذكرى الأمة الإسلامية التي وقفت كلها وراء هذه الثورة ومساندتها بكل قوة واحتضنت كل أبنائها ودعمتها بالمال والسلاح، ورفعت ذكرها في كل المنابر وأشعرت أبناء الجزائر أنهم ليسوا وحدهم في هذا الجهاد بل هم جزء من أمة لا تتخلى عن أبنائها الذين بعزتهم رفعوا لها راية عزة وعلم افتخار وبذلك أكدت الثورة طبيعة انتماء الجزائر لأمتها العربية والإسلامية وأكدت الشعوب المسلمة والعربية في كل مكان احتضانها لهذه الثورة المباركة.

5- ذكرى الأثر العظيم للثورة الجزائرية على الشعوب حين تحررت عشرات الدول بمجرد انطلاق ثورة الجزائر فكان استقلالها حسنة من حسنات الثورة النوفمبرية، وثارت عشرات الشعوب فداء لهذه الثورة التي أصبحت معلما يهتدي به الناس ومنارة للثوار، فكان تأثيرها على الأمم قبل وبعد الاستقلال بداية لموضع قدم ثابتة للجزائر في المنظومة الدولية.

6- ذكرى جرائم فرنسا التي تجاوزة الحقوق الإنسانية في تدميرها للإنسان و المجتمع و قيامها بسياسة الأرض المحروقة ضد أمة حرة و مستقلة و هي الذكرى التي يتبجح الفرنسيون اليوم في تمجيدها و تقنينها و واجب كل الجزائريين أن يقفوا لتذكير فرنسا بعارها و مطالبتها بالإعتذار الذي تعتبره حركتنا حقا لا تنازل فيه و لا تفريط في آثاره القانونية تجاه ضحايا الإستعمار الفرنسي

7- ذكرى الحرية التي لا تسترجع إلا بالقوة و هي الرسالة التي يوجهها نوفمبر لإخواننا في فلسطين الذين نتذكر اليوم كيف كانوا و هم تحت الإستعمار البريطاني و الإحتلال اليهودي يجمعون أموال دعم الثورة الجزائرية من جيوب أطفال المدارس ليصبح من حقهم اليوم علينا أن نقول لهم إن طريق الحرية هو طريق واحد خطه نوفمبر لنا ولكم و إن معكم كما كنتم معنا و أكثر كما نطالب العالم كله بالوقوف في وجه الهجمة الصهيونية لتهويد الأقصى ملك الأمة الإسلامية كلها و الإنسانية كلها مطالبة بحمايته.

نوفمبر الرسالة
إذا كان نوفمبر الذكرى مفخرة لكل وطني مخلص فجدير بنا أن نفرح بقدومه ونفتخر بذكراه، فهو لم يتوقف عند هذا البديل.
إن نوفمبر كان وسيبقى أيضا رسالة ورؤية لما حمل من قيم ومعاني فنوفمبر:
1- رسالة الشهداء الذين يتطلب الوفاء لهم، وفاء للقيم التي من أجلها هانت عليهم التضحيات وعلى رأسها قيم الحرية والحق والعدالة الاجتماعية وإعلاء الثوابت الوطنية وحماية الوحدة الوطنية وتمكين كل أبناء الجزائر من الحياة الكريمة والحق في الرأي والتعبير والمشاركة والأمن والسلم والعمل الكريم والمعافاة في الجسم للفرد والمجتمع.

2- رسالة البيان النوفمبري العظيم الذي يبقى مشروع المجتمع الذي قامت من أجله الثورة لإقامة دولة جزائرية ديمقراطية واجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية. وإذا كانت ظروف ما بعد الاستقلال قد مازجتها صروف من الدهر غيرت ما همت إليه قلوب الشهداء فإن الجزائر تظل دائما مطالبة بالانتصار لمشروع المجتمع النوفمبري بعد أن فشلت التجارب التي أريد لها أن تقتحم اقتحاما في حياة الجزائريين. واليوم تعود الجزائر للاستقرار بعد جراحها الطويلة ويعود نوفمبر ليذكرنا جميعا باستخلاص العبرة والانتصار على النفس وعلى المصالح الخاصة من أجل استقرار الجزائر وتوفير الأمل لأبنائها ليعيشوا جميعا بعيدا عن الخوف من المجهول.

3- رسالة كرامة الجزائري التي استخلصت من أيدي الاستعمار بثمن غال جدا لكي يتوفر لشباب الجزائر ذلك الوطن الذي لا عنوان لهم سواه وبذلك فإن هذه الرسالة ما زالت مهددة ونحن نرى قوارب "الحراقة" تحصد الأرواح بعد أن حصدت الأمل في قلوب شباب طري وقوي خسر الأمل فتاه في ظل سياسات لم تستطع لحد الآن أن توفر له ما يبقيه في وطنه ويحييه فيه. وإن الأحداث الأخيرة من مظاهر الاحتجاجات الشعبية لهي صورة أخرى لهذه "الحرقة" لم تأت من فراغ وإنما كانت لها سوابق، وهي كلها عوامل دافعة للوقوف طويلا أمام رسالة نوفمبر العظيمة مما تحقق الأمل والعزة لأبناء الجزائر.

4- رسالة الصلاح والإصلاح ضد الفساد والمفسدين، فلا شك أن الشهداء ينامون في قبورهم اليوم على وقع الاختلاس الكبير للمال العام ومسلسلات الفضائح التي تطالعنا بها الصحف كل يوم وفضائح القرن التي أصبحت حديث العام والخاص ووصمة عار في الجبين الجزائري الذي نحرص على أن يظل ناصعا وطاهرا ومرفوعا وسط الأمم.

5- رسالة الوطنية: فإننا وطنيون ويجب أن نبقى وطنيين إلى النخاع، وكل من يمس القيم الوطنية أو يتلاعب بها أو يشوهها فنحن منه براء. إن الوطنية ليست وثيقة ممضاة أو وساما معلقا على صدور الأشخاص، أو كلمة تقال بلا دلالة أو هالة انتماء أو خطبة عصماء بل هي مبادئ وأخلاق والتزام ومسؤولية.

6- رسالة المصالحة الوطنية التي تعني روح التصالح و الإصلاح فلولا المصالحة الوطنية التي صاحبة ثورة نوفمبر لما تحقق الإنتصار للثورة فهي مصالحة بين الشعب و قيمه و مبادئه وبين مكوناته السياسية و ماضيه وحاضره و مستقبله ولذلك تبقى رسالة المصالحة اليوم واحدة من أهم رسائل نوفمبر و التي أوقفت نزيف الجزائر من خلال مشروع الوئام و السلم و المصالحة الوطنية و التي تدعمت اليوم بآليات تغطيت العدالة و مكافحة الفساد و هي دلالات الإصلاح الذي هو ثمرة كبرى من ثمار المصالحة .

7- رسالة التعريب وترقية دور العربية في بعث و حماية هوية و مشروع المجتمع الجزائري حيث يضل التعريب رسالة نوفمبرية تمثل وعاءا طاهرا و فعالا لحضارة وتنمية و إقتصاد الدولة التي أوجدها نوفمبر في حلتها الحديثة حيث ضلت اللغة العربية واحدة من أهداف التدمير الإستعماري وكان إنتصار الجزائر هو إنتصار للعربية حقيق بنا أن نعمل اليوم على تثمينه و الإرتقاء به .

وإن رسالة نوفمبر وإذا كان نوفمبر يعيد إلينا اليوم ذكرى بن بولعيد، والعربي بن مهيدي وعميروش والحواس وديدوش مراد وبوضياف وأمثالهم من جيل الثورة وقادتها فهو يعيد إلينا ذكرى عظيمة يحملها شعار الثورة العظيمة

الله أكبر وتحيا الجزائر.

----------------------
الحادي أون لاين

ليست هناك تعليقات: