9 يناير 2010

ندوة الثلاثاء رقم "04": الأستاذ مناصرة يحاضر عن "حال الأمة في العشرية الأولى من القرن الـ21"

مواصلة لسلسلة الندوات التي تنظمها حركة الدعوة والتغيير "ندوة الثلاثاء"، خصصت ندوة يوم الثلاثاء 18 المحرم 1431هـ، الموافق: 05/01/2010م لموضوع: "حال الأمة في العشرية الأولى من القرن الـ21" وهي المتوافقة مع العشرية الثالثة من القرن الـ15 الهجري، والتي تزامن موعدها مع إطلالة السنة الجديدة من العشرية الثانية، وقد طوينا من القرن الـ21 عشرية كاملة، عرفت فيها الأمة أحداثا وهزات ومسارات وانتصارات وانكسارات من العشرية الثانية، هي بمثابة محطات تستدعي الوقوف والتأمل، اعتبرها المحاضر مجموعة من الظواهر لا تخلو من دروس وعبر واستشراف.

ألقى الأستاذ عبدالمجيد مناصرة نائب رئيس حركة الدعوة والتغيير، المحاضرة أمام مجموعة من قيادات الحركة وجمع من الإطارات والمناضلين، والتي اعتبر فيها أن استعراض حال الأمة هو من باب الاهتمام بأمر المسلمين للوقوف على الأحداث والمسارات، التي تكون فيها أحداث سنة غير دالة على طبيعة المسار، ولكن عشرية كاملة فترة كافية للتعرف إلى الظواهر التي رسمت حاضر الأمة. وقبل أن يتطرق إلى هذه الظواهر، وقف بإيجاز على حاضر العالم الذي نحن جزء منه، واصفا العشرية بأنها كانت عشرية هيمنة بوش والمحافظين الجدد على العالم الذي أدخلوه في حروب ونزاعات دولية كثيرة، وبسياسة متغطرسة فرضوا مفاهيمهم على الدول والشعوب، متجاوزين في ذلك القوانين الدولية والهيئات الأممية، حيث عاش العالم في هذه العشرية "الفوضى الخلاقة" بتعبير كونداليزا رايس وهي في الحقيقة الفوضى المدمرة، كما عاش الأوبئة بداية من أنفلونزا الطيور إلى أنفلونزا الخنازير وعاش أزمة مالية عالمية تعد الأعنف من ثلثي قرن واجتاحت العالم، وموجات وعمليات إرهابية، كانت مقدمة لعولمة الإرهاب وبالتالي عولمة مكافحته.
.
والأمة في هذا السياق، وفي منظور الغرب، هي "منطقة طمع ومصدر خطر"، فهي خزان للنفط، وفي ذات الوقت هي عندهم مصدر للإرهاب والتهديد ل:"إسرائيل" إلى درجة أن أصبح كل من ينتسب للإسلام هو إرهابي.
.
الظواهر التي عرفتها الأمة خلال العشرية: نقتصر في هذه المحاضرة على تسعة ظواهر:
1- احتلال الأرض: إذ بعد أن ظن الناس أن الاحتلال قد ولى إلى غير رجعة، واستبدل بوسائل أخرى لفرض السياسات واستغلال الشعوب والدول، شهدت الأمة احتلال بعض دولها: كأفغانستان بحجة إسقاط حكومة طالبان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، واليوم أمريكا ومن معها تسقط في هذا المستنقع ولا تكاد تخرج منه، والعراق الذي تم احتلاله بدون موافقة الأمم المتحدة وبمبرر السلاح النووي، واليوم تبين للجميع ألا شيء يدل على ذلك، وإنما الهدف وضع اليد على النفط العراقي، وحماية "إسرائيل"، وإحداث تغييرات في المنطقة وتثبيت القواعد العسكرية بها. واستعملت العرقية والطائفية لتقسيم الشعوب والدول. ودون أن ننسى أن الصومال هو في حكم المحتل ولا تزال القدس محتلة.
2- إخفاق النظام العربي: أخفق النظام العربي الرسمي إلى درجة العجز حتى عن عقد قمة استثنائية، عند غزو جنوب لبنان، وبعد العدوان الإسرائيلي على غزة أين حضر القليل وغاب الكثير من الرؤساء والزعماء العرب، بل وقد شاركت أنظمة عربية في حصار غزة، وبعد صدور مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية في حق رئيس دولة عربية هو عمر البشير رئيس السودان بمثابة الصفعة لهذا النظام العربي العاجز، وقد ازداد العجز بعد تقسيم وتصنيف الدول العربية إلى محورين: محور الاعتدال، ومحور التشدد، وسادت النزعات الطائفية في العراق واليمن..
3- استهداف الإسلام: لاسيما بعد أن ربطت أحداث 11 سبتمبر بالمسلمين، بل وأصبح البعض يلحق صفة الإرهاب حتى بالإسلام، وعانى المسلمون من عنصرية ضدهم في أوربا وأمريكا، واستمر مسلسل استهداف الإسلام فكانت هناك الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، والأفلام المسيئة للإسلام (هولندا)، وإهانة المصحف الشريف في أكثر من مكان "معتقل غوانتنامو"، إلى أن وصلوا إلى منع بناء المآذن وباستفتاء شعبي بسويسرا، وكذلك الضغط على الأنظمة العربية بتغيير المنظومة التربوية وقوانين الأسرة التي استجاب أغلبها للتعليمات الأمريكية.
لكن مع كل ذلك ورب ضارة نافعة، كانت هذه العشرية هي الأكثر غزارة من حيث ما كتب فيها من دراسات عن الإسلام والحركات الإسلامية، فكانت فرصة حقيقية للتعرف أكثر على الإسلام وأثمرت دخول عدد كبير من الغربيين إلى الإسلام.
4- عولمة الإرهاب وعولمة مكافحته: كان الإرهاب محليا في المرحلة السابقة ثم تحول في هذه العشرية إلى إرهاب عالمي، بما أدى إلى عولمة الإرهاب وعولمة مكافحته، واقتضت السياسة الأمريكية أن كل العالم موضوع أمن قومي أمريكي، وأمتنا في الغالب هي الضحية وهي مسرح لهذا الإرهاب المعولم، والضحايا اغلبهم مسلمون، والمتضرر الأكبر هم شعوب الأمة، ولا يزال إلى اليوم الخلط مقصودا بين الإرهاب، والمقاومة، لذلك تبقى أمريكا ترفض تحديد تعريف متفق عليه للإرهاب، لأن ما يحدث في فلسطين هو مقاومة للاحتلال، لكن في المفهوم الأمريكي هو إرهاب، وما يحدث في العراق بعضه إرهاب وبعضه مقاومة، لكن في المفهوم الأمريكي كله إرهاب، فالإرهاب هو التعدي على المدنيين، لكن المقاومة مشروعة في مواجهة الاحتلال.
5- انتصار المقاومة: مثلت المقاومة الصورة المضيئة في هذه العشرية، وأنقذت الأمة من العثرة، فتحت ضربات المقاومة انسحبت "إسرائيل" من لبنان في سنة 2000، وتحت ضربات المقاومة انسحبت "إسرائيل" من غزة في سنة 2005، وبالمقاومة انطلقت انتفاضة الأقصى الثانية في 2000، واستطاعت المقاومة أن تأسر الجندي "الإسرائيلي" شاليط في عملية "الوهم المتبدد" الذي يسمع به اليوم كل العالم، وتتوسط عدة أنظمة لتحريره، وانتصرت المقاومة على"إسرائيل" في عدوانها على لبنان 2006، كما انتصرت عليها في غزة أثناء عدوانها الهمجي في 2009 رغم ضعف الشعب الفلسطيني والحاضر الذي يعيشه.
6- انحياز الأمة للخيار الإسلامي: كشفت هذه العشرية عن خيار الأمة السياسي بوضوح، أي انتخابات نظمت في كل الدول العربية والإسلامية، كان خيارها واضحا بالانحياز للخيار الإسلامي، صحيح هناك فرق بين انحياز الأمة للخيار الإسلامي وصعود الإسلاميين السياسي، فقد ينحصر أو يتراجع حزب إسلامي ما في انتخابات معينة كما حصل في بعض الدول، لكن يبقى خيار الأمة متعلق بالإسلام، وبالتالي خسارة وتراجع حزب انتخابيا، لا تعني تخلي الأمة عن خيارها، من هنا ينبغي أن نستثمر الاستعداد الحاصل عند شعوب الأمة، ولا نقف عند تراجع انتخابي، لأنه ليس تراجعا في الخيارات، ويبقى أمل الناس قائما في من يقودهم بالإسلام.
7- تعثر الإصلاح السياسي: ارتفع في هذه العشرية صوت الإصلاح السياسي من القوى الدولية الكبرى فأنتجت ما عرف بمبادرة "الشرق الأوسط الكبير"، وبرزت مبادرات سياسية رسمية وشعبية، ولكن ما إن تبين أن الإصلاح يأتي بالإسلاميين أصبح هناك ترهيب من الإصلاح والالتفاف عن محتوياته، فغير الغرب في مفهومه للإصلاح، ولم يعد يعطي الأولية للانتخابات بل بإحداث تغيير في المجتمع وفي منظومته التربوية والتعليمية، وقانون الأسرة، وحقوق المرأة، وتقوية القطاع الخاص، وغيرها..، فتراجعت أصوات الإصلاح، وعادت الأنظمة لعاداتها القديمة من القمع والاستبداد والتزوير والتزييف وبرضى أمريكا والغرب، وأصبح هناك تراجع في بعض الدساتير والقوانين، إلى درجة أن التوريث أصبح حاضرا في كثير من الدول، وهو مناقض للإصلاح، لكن أمام هذا الوضع، ومع طموحات الشعوب في الإصلاح والحرية والعيش الكريم إما أن يكون الإصلاح وإما يأتي التغيير الذي قد يكون عنيفا، وبالتالي من مصلحة الدول أن يكون هناك الإصلاح التدريجي الحقيقي الذي يحمي الحقوق ويقوي الدولة ويكرم الشعوب.
8- فقدان الرموز: شهدت هذه العشرية أيضا، فقدان للكثير من الرموز السياسية الرسمية، في الكثير من الدول (السعودية، المغرب، الأردن، سوريا، الكويت، الإمارات، البحرين، العراق، لبنان، باكستان،..)، كما فقدت الأمة رموزها الدعوية (مصطفى مشهور، مأمون الهضيبي، أحمد ياسين، أحمد سحنون، محفوظ نحناح، عبد الله المطوع، عبد الله الأحمر، عبد العزيز الرنتيسي، حسن هويدي، وغيرهم..) رحمهم الله جميعا.
9- بروز عدة مؤسسات شعبية عالمية: شهدت العشرية تطور وتنامي دور الحركات الاجتماعية المعولمة، المقاومة للحروب والعدوان، ونشاهدها أمام كل اجتماع رسمي للقوى الكبرى في العالم، فهي حركات مواجهة للغطرسة والهيمنة والعولمة، وعلى مستوى الأمة ارتقى التفكير عند القائمين على العمل الإسلامي إلى درجة التفاعل العالمي من خلال مواجهة العولمة بالعالمية، فكان تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (2004)، والمنظمة العالمية لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم (2008)، والمنتدى العالمي للبرلمانيين الإسلاميين (2007)، والمنتدى العالمي للمرأة المسلمة (2007).. كلها استجابة لمتطلبات المرحلة، وتماشيا مع العصرنة، ونصرة للأمة وحسن تمثيلها. وبعد المحاضرة فتح المجال للنقاش، الذي طرح فيه المشاركون آراءهم واستفساراتهم، حول جوانب كثيرة في هذا الموضوع الحيوي والهام، كما رد المحاضر عليها بزيادة في التوضيح على أمل أن تنظم محاضرة أخرى قريبا حول استشراف مستقبل الأمة في العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين بناء على تطورات العشرية السابقة.

-------------------
الحادي أون لاين

ليست هناك تعليقات: