10 مارس 2010

رسالة الشهر .. للشيخ مصطفى بلمهدي حفظه الله

ما أكرمهن إلا كريــم
إن هذا العنوان هو جزء من حديث نبوي شريف، خص به الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة حين أوصى بها من خلال صفات رقيقة معبرة وموجهة لكل مسلم، وعلامات دالة للدعاة إلى الله عن كيفيات التعامل مع المرأة، لا باعتبارها جنس خاص ولكن باعتبارها إحدى أهم الفاعلين في الرسالة التي كلف الله بها عباده، أي أنها جزء هام في المنظومة الكلية للقيادة وعمارة الأرض وفق منهج الله القويم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)الحجرات13، أي عمارة الأرض بالصلاح والصالحين.

.ولقد كان الوصف النبوي للمرأة بـ"القوارير" هو أحد أهم الأوصاف الضابطة في كل من يتعامل مع المرأة بضرورة التلطف والعطف والإحسان والرقة والإحساس بما تحمله كلمة القوارير من معنى الشفافية واللين التي تجعل منها زينة من أحسن زينات الدنيا وحسناتها، وكتلة جمالية أساسية في صناعة الحياة والمشاركة في الارتقاء. ولكن العبرة دائما بالقيم والفضائل والمناقب والأعمال الصالحة التي هي صمام أمان للمرأة كما للرجل، والمطلوب لذلك استكمال تلك القيم، وذلك الجمال وتلك الشفافية في النفس الإنسانية مظهرا ومخبرا، حتى تصير صالحة للبناء الذي يحقق الغاية من خلق الإنس والجن عقيدة وعبادة وخلقا وسلوكا.
.
المرأة أساس في حركة الدعوة والتغيير وإن حركة الدعوة والتغيير وهي تعمل على إعادة التأسيس من جديد للعمل الأصيل للتغيير، فالمرأة جزء أساسي في الحركة، وعليها تركيز عمليات كثيرة على مستوى الفكرة والحركة والتنظيم والأداء، وعبر مختلف مراحل العملية الدعوية والتغييرية، وفي كل أوجه ومكونات النشاط ابتداء من البيت الخلية الأولى في البناء، وانتهاء إلى الولايات والمسؤوليات المختلفة، حيث تعتبر المرأة صنو الرجل، وشريكته في تحمل المسؤوليات، من منطلق التكامل لا التنافر والحرص على النجاح والإنتاج والإنجاز وبذلك كانت قيمة المرأة باستمرار معتبرة ومحفوظة.
.
ولكن كم هو جميل ورائع أن تخرج المرأة من دائرة المطالبة إلى دائرة المشاركة، بل إلى دائرة السبق والفضل، الذي يصل إليه الناس من خلال ما يقدمون من بضاعة وعمل وخلق وتقوى، لأن القاعدة (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) هي الحافز النفسي للتنافس الشريف المحدد للمكانة عند الله، فإن ذلك إشارة لنا بأن يكون المكرمون عندنا هم أهل العمل الصالح والتقوى بعيدا عن حساب المقاييس الأخرى والتي منها رجل وامرأة، بل المقياس الرباني (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) آل عمران195.
.
ولكن أيضا يجب أن ننتبه وتنتبه أخواتنا إلى معنى من الجاهلية بدأت كثير من الجهات تحاول فرضه على مجتمعاتنا، وهو تلك العصبية للجنس، وهي عصبية تشبه عصبية النسب والدم والعرض والقبيلة حيث أننا نسمع باستمرار عن مطالبات تشبه العصبية لقبيلة تسمى قبيلة المرأة، ذلك أن المرأة مسؤولة عن وظيفة حضارية كبيرة تحملها تكاليف الدفاع عن المرأة وعن الرجل سواء بسواء، لأنها تدافع عن قيم الإنسان بجناحيه بغض النظر عن جنسه، وذلك هو المعنى الحقيقي لشراكتها للرجل وهو المعنى الحقيقي الذي نحرص في الحركة على بلورته وحمايته والعمل من خلاله لأنها لا تحلّق إلا بجناحين.
.
8 مارس وقفة للوفاء والتذكر كل عام تحتفل نساء العالم بذكرى الثامن مارس تحت اسم "عيد المرأة" ويعطى للمرأة فيه نصف يوم من العطلة لتشارك أو تحضر في احتفالات تقام بالمناسبة في أشكال فنية وثقافية وغيرها من أشكال الاحتفاء بهذا اليوم، دون الوقوف على حقيقته التي يغفل عنها الكثير من الأجيال، وهي أن الثامن مارس كان انتفاضة ضد الاستغلال الفاحش للمرأة، وهضم حقها في الحياة والعمل والإنسانية، والسؤال الذي يجب أن يطرح هو لماذا يهضم حق المرأة حتى تنتفض للمطالبة به، وإن ذلك باختصار هو علامة من علامات الانحراف عن الفطرة، والدليل على عدم سلامة الأصول الفكرية لمناهج الحياة البعيدة عن الهدي والرسالة الربانية التي من أهدافها رفع الظلم ومحاربته، والعودة إلى الفطرة السليمة، وفي الوقت الذي تعود وصية النبي صلى الله عليه وسلم باحترام المرأة وتقديرها وعدم استغلالها إلى خمسة عشر قرن خلت، نجد أن المناهج الفكرية والأصول النظرية بحضارة الغرب وإلى وقت قريب تناقش: هل المرأة كائن بشري أم لا؟ إن تدبر هذه المعاني في وقفة الثامن مارس يجب أن تعطي للمرأة المسلمة دافعا قويا بالعمل والإنتاج المقترن بالاعتزاز والثقة في المنهج الرباني الذي أعطاها ما لم تعطها المناهج البشرية في أي عصر من العصور، وإننا اليوم أمام مثل هذه الحالات يجب أن يكون لنا وقفات تذكر ووفاء للنهج النبوي الذي كرم المرأة وتذكرنا بأنه لا عزة للمرأة ولا اعتبار لإنسانيتها إلا في القيم الإسلامية السامية التي وضعت للمرأة منهاجا في التكريم أمّا وبنتا وزوجة وأختا وشريكة أصيلة في الحياة، وبوابة نحو الجنة، عندما كرمتها كأمّ بالقول الصريح "الجنة تحت أقدام الأمهات"، وكرمتها كزوجة صالحة بحسنة الدنيا، وكرمتها كبنت مستقيمة بوابة لوالدها إلى الجنة، هذه النياشين علقها الإسلام على هامة الأنثى منذ خمسة عشر قرنا.
.
واجبات المرأة اليوم إن المرأة مكون أساسي للرأي العام إيجابا أو سلبا، تصنع كثير من مواقفه وتوجهه بهذا الاتجاه أو ذاك، وإذا كانت قيادة الرأي العام في التنظيمات الاجتماعية المختلفة ترتكز على أدوات عدة فإن المرأة من أهم بوابات قيادة الرأي العام من خلال صناعتها هي للحدث ومشاركتها للرجل من موقعها كأم أو زوجة أو بنت أو أخت في التوجهات العامة لصناعته هو للحدث أيضا.
.
ولذلك فإننا نعتبر أن من أهم واجبات الوقت هو اهتمام المرأة في حركة الدعوة والتغيير بتفعيل دور المرأة ورسم الخطط لذلك، وفتح مجالات عديدة، وآفاق واسعة أمام الأدوار النسوية في المجتمع، الذي نعتبره لا يزال منغلقا تجاه دور المرأة في منظوماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتي لا تفتح بالأماني، ولكن بالتدافع والحرص والحضور والإبداع وهي العناصر التي على كل امرأة تريد المشاركة في التغيير أن تتحلى بها ضمن أطر الأخلاق والحياء وضوابط الشرع التي تحميها وتعصمها من الاستغلال والابتذال وتضمن معها النجاح وتورث من خلالها منهجا متكاملا في التغيير الصحيح، الذي يرتبط بالدعوة ويشكل وعاء لها، وتمثل المرأة فيه نموذج الداعية والمربية والقائدة والمنفذة والمصححة والناقدة والداعمة، دون تعارض بين هذا وذاك.
.
وإذا كانت الحكمة تقول "فاقد الشيء لا يعطيه" فإن المرأة اليوم مطالبة أكثر بأن تقتحم مجالات التحصيل وتخوض غمار التجربة وتنجح في مسابقات العلم وامتلاك التقنيات الضرورية لأدوارها في الدولة والمجتمع، وهو ما يقتضي أيضا مضاعفة الجهد، والمكوث الطويل بين دفات الكتاب المقروء والمنظور، والدخول في الحوار العميق حول ما ينفع الناس ويرتقي بالمجتمع عبر أدوات سليمة وغير محدودة بالولاءات المزيفة والضيقة المرأة في رحاب الربانية إذا كان الحديث ذو شجون عن المرأة فليس ذلك عيبا، فقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوصي بالنساء خيرا وقال ذلك في خطبة الوداع، وقد كان في الأمة نساء رمزن بحق لعلو كعبهن في رحاب الربانية التي لا نراها صوما أو صلاة أو ذكرا ودعاء فحسب، ولكن هي صبر وجهاد وفكر وروح وتضحية وإخلاص.
.
وقد كانت أم إسماعيل عليه السلام مدرسة في ذلك، خلّدت مواقفها وخطوات على الصفا والمروة إلى يوم القيامة. وقد كانت امرأة فرعون محضنا دافئا لرسالة موسى عليه السلام واختارت أن تكون إلى جنب الله عندما قالت:(رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) التحريم11. وقد كانت أمنا خديجة رضي الله عنها سندا قويا للدعوة لم تهزها الأعاصير، بل قاومت لتضرب لنا مثلا في الارتباط بالربانية في قوة وعزم، بالدعم المعنوي والمادي للنبي صلى الله عليه وسلم ودعوته، تشجيعا ومواساة وقدوة صالحة لامرأة الدعوة بعدها.
.
وعلى هذا المنهاج كانت نساء الأمة من بعدها واحدة بعد الأخرى في مختلف الميادين والمجالات، لتصبح عائشة رضي الله عنها وعاء العلم والشريعة ومصدرا للفتوى وتستمر القافلة على النهج والأثر لتصل إلى فاطمة نسومر الوعاء النموذجي للجهاد والثورة في عالم المرأة. وبين هذه وتلك ضربت المرأة المسلمة أمثلة رائعة تستحق الوقوف أمامها ولتسأل كل امرأة احتفلت أو لم تحتفل بعيد المرأة أين أنـا من رحاب الربانية؟ ومن ميادين التغيير الإيجابي في الأمة؟ ثم تجيب عملا لا قولا فقط، وذلك من خلال الإخلاص والصدق والتضحية والإيثار والعمل والصبر والنصيحة والإحسان الذي هو مفتاح أبواب القلوب سائرة إلى غايتها الكبرى على درب الصالحات القانتات، رافضة نهج امرأة نوح وامرأة لوط وامرأة أبي لهب.
.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مصطفى بلمهدي رئيس حركة الدعوة والتغيير .

المصدر:الحادي أون لاين

ليست هناك تعليقات: