1 أبريل 2010

كلمة الشيخ مصطفى بلمهدي في افتتاح الدورة التدريبية الأولى للمربين


الأربعاء 08 ربيع الثاني 1431هـ، الموافق لـ: 24 مارس 2010م

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد أفضل المعلمين والمربين. الأخ الفاضل رئيس قسم التربية والدعوة الشيخ العيد محجوبي. الإخوة الأفاضل أعضاء قسم الدعوة التربية. الأخ الفاضل رئيس هيئة الدعوة والدعاة. الإخوة معشر المربين الكرام. أحييكم بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. معشر الإخوة في الله المربون الربانيون أنتم الذين تحملون عبء أمانة التربية والتكوين في حركة الدعوة والتغيير وهي مهمة صعبة ليست بالسهلة لأنها تعالج النفوس وتنتقل بها من نفوس أمارة بالسوء إلى نفوس مطمئنة مرورا باللوامة. لقد اخترتم هذه المهمة مهمة هداية الضالين وإرشاد الحائرين على المستوى العام، أما على المستوى الداخلي الخاص فعلى كاهلكم وبجهودكم يتم بناء الصف الرباني المنشود والعمل الدعوي المتكامل الذي تكون به حركة الدعوة والتغيير جديرة بإعادة راية الانتماء الذي تركنا عليها المؤسس الشيخ محفوظ نحناح والشيخ بوسليماني وشهداء الحركة رحمهم الله جميعا ليكونوا كما قال عز وجل:(فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) آل عمران17، ندعو الله أن يجعلنا بشرى لهم بالثبات وعدم التبديل والتغيير. أيها الإخوة الأكارم إن الإمام البنا رحمة الله عليه لما رسم سلسلة الأهداف التي ينوي تحقيقها من وراء إنشاء هذه الحركة المباركة وعلى رأسها أستاذية العالم وقيادته، وضع لها أساسا لابد من تحقيقه، وبدونه تبقى الأهداف مجرد كلام، ألا وهو: تكوين الفرد المسلم المتوازن عقلا وجسما وروحا اقتداء بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما بدأ بتكوين الصحابة رضوان الله عليهم، في دار الأرقم بن أبي الأرقم، في الفترة السرية، ينفي عنهم خبث الجاهلية؛ يفرغهم ويملؤهم بالقيم والفضائل: تخلية وتحلية ويصبغهم بالصبغة الإسلامية؛ فهما موحدا، جعلهم على صراط مستقيم، وإخلاصا حدد به وجهتهم وقصدهم نحو الغاية الكبرى حيث ثمة وجه الله. وواصل معهم التربية بعد ذلك في المراحل التالية امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) الكهف28، لم تتوقف تربيته، استمرت بعد الهجرة وبعد الفتح وواكبهم صلى الله عليه وسلم في كل ما تعرض لهم في حياتهم إلى أن لقي ربه. فحياته صلى الله عليه وسلم كلها تعليم وتربية وعلى دربه وسنته سار الخلفاء الراشدون بعده والصحابة والتابعون رغم انفتاح الدنيا عليهم رضي الله عنهم ورضوا عنه بل كانت التربية هي العاصم من الزلل والانحراف. وكانت نتاج هذه التربية النبوية الراشدة عزة في النفوس بهذا الدين قال سيدنا عمر رضي الله عنه: "كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام" فانطلقوا به في مشارق الأرض ومغاربها يحملون راية الرحمة للعالمين. وبقيت الأمة قوية عزيزة حتى جاء عليها دهر من الزمن ابتعدت فيه عن تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصيبت بما أصيبت به بسبب البعد عن المنهج التربوي النبوي وتحولت الأمة الإسلامية ذات المليار إلى قصعة؛ يتداعى عليها الأكلة، ليس من قلة، ولكنها من كثرة غثائيتها: تصفعها الآن حثالة البشر من أمامها ومن خلفها، ففككت وحدتها، وأعادتها إلى دعوى الجاهلية العرقية والعصبية والقومية، وتحولت من عزتها إلى ذلة ومسكنة منذ أن ذهب ريحها بسقوط الخلافة. وجاء الإمام البنا رحمة الله عليه، مجدد القرن العشرين، وأراد أن يرجع الأمة إلى هذه التربية النبوية، فتوصل إلى أن ما حل بالأمة من ابتعاد عن دينها وجهل به -زيادة على طغيان زخارف الحياة الدنيا- يحتاج إلى نوعية خاصة من الرجال، لإيجاد الفرد الرسالي صاحب العقيدة السليمة والفهم الصحيح لهذا الدين، لذلك ركز الإمام البنا على التربية وأوجد لها الوسائل المساعدة على نجاحها لإيجاد الشخصية المسلمة المتوازنة، فكانت وسائل التربية المعروفة: الأسرة، المبيت، الرحلة، الندوة، الدورة، المخيم، المؤتمر، كلها وسائل لتحقيق هذا الغرض، بحيث تستعمل كلها ولا يمكن أن تنوب وسيلة عن الأخرى في تكوين الشخصية المتوازنة المتموقعة في الوسطية والاعتدال، تلكم المدرسة التي رفع قواعدها الشيخ الراحل محفوظ نحناح رحمة الله عليه في الجزائر منارة؛ ترشد الضالين وتهدي الحائرين أنقذ بها سفينة الحركة والمشروع الإسلامي عندما تلاطمت أمواج التطرف والعنف. وأعاد التاريخ نفسه في حركتنا بعد أن غاب مؤسس حركة الموحدين والإرشاد والإصلاح وحماس الجزائرية وانتهاء بحركة السلم حيث أضاع الخلف بوصلة التربية النبوية والقدوة، وبقيت لفظا بلا معنى وشعارا بغير مضمون، واختل التوازن والتكامل التربوي وحلت مساوئ الأخلاق محل مكارم الأخلاق، وطغت المصالح الذاتية على مصلحة الجماعة، ودبت في الصف أرضات الانحراف والفساد الخلقي والمادي تنخر منسأة الحركة؛ فكان لابد من الرجوع إلى الأصل ومن إلزامية هبة أصحاب الشجرة من رفقاء الشيخ محفوظ رحمة الله عليه وإخوانه وتلاميذه ليحققوا مقولة: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، يأخذون بقوة تنفيذ قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد11. فكانت حركة الدعوة والتغيير اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم أولا، وابتاعا للمنهج التربوي في التغيير، هدفها هو إيجاد الفرد الرسالي حتى يتحقق التغيير الحقيقي الذي نريده، ولذلك وضع المكتب الوطني برنامجا لعام 2010م، صادق عليه مجلس الشورى الوطني؛ يضم هذا البرنامج أهدافا كبرى وعمليات ومشاريع منها بناء القاعدة التربوية الصلبة. ولا يتم بناء هذه القاعدة التربوية إلا بتكوين المربين الذين يقومون على العملية التربوية، يمثلون بحق في حركتنا (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ)آل عمران104، فأنتم أيها الإخوة أمة التربية ودورتكم هذه الرسالية تندرج ضمن هذه العملية وأملنا كبير في أننا نصل إلى تحقيق أهدافنا من خلال هذه الدورات ومثيلاتها، التي ستتواصل بفضل الله بعد ذلك في الولايات لتحقق الانسجام التربوي والحركي، وتوحد الرؤية وتجعل المنتمي في قافلة ربانية، لا تهمه المواقع والمواضع وإنما الذي يهمه أولا وآخرا أن يكون ضمنها وذلكم هو حق التجرد لله وابتغاء الأجر عنده. وفقكم الله وأعانكم على تحقيق هذه الأهداف فبالإخلاص وحده يكون التوفيق والسداد. شكرا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليست هناك تعليقات: