29 أغسطس 2009

أما آن لتونس الحريات أن تعتدل نوعا ما


بقلم: عمار رويبح
جزائري مقيم بباريس وناشط جمعوي.


إن الأحكام التي نسمعها بين الحين والآخر من تونس اتجاه بعض المعارضين التونسيين لا تشّرف تونس الحريات ولا تدّل على توّفر إرادة سياسية حقيقية لطي أو قلب صفحة الماضي من تدافع وصراع بين "نظام" بن علي و"نهضة" الغنوشي. إن دولة القانون تقتضي تحكيم المؤسسات وإصدار الأحكام في إطار الأعراف والتقاليد المتعارف عليها في الاختلافات والنزاعات المتعلقة بقضايا الرأي.


طالعتنا مؤخرا بعض وكالات الأنباء عن أخبار من بلد شقيق يتمتع بالكثير من مقومات الاستقرار ويتطّلع للتطور والتقدم وتحقيق الرفاه لمواطنيه، أخبار لا تسّر على الإطلاق تتعلق بإحدى حقوق الإنسان الأساسية آلا وهي الحرية واعتقال أفراد لمجرد آرائهم السياسية.المقام طبعا لا يتسع لذكر حيثيات الوضع السياسي وقضية حقوق الإنسان في تونس إلا أنه يمكن لنا أن نعطي مقاربة بسيطة مع بعض الدول التي مرّ بها نظامها أو معارضتها بفترات سياسية عصيبة كتركيا التي استطاعت أن تتعامل وتتفاعل مع معارضة كانت تعتبرها سابقا تهديدا لهوية تركيا العلمانية وخطرا على وحدة الوطن أو عن تجربة الجزائر، التي اُعتمدت فيه المصالحة الوطنية كخيار إستراتيجي لإعادة اللحمة الوطنية وتجّنب مزيد من التمزّق والانشقاق وحالة التوتر وعدم الاستقرار وكلها شروط ضرورية لتحقيق التنمية والقضاء على الجهل والفقر والتخلف.لقد كانت الأزمة التي عرفتها الجزائر أكثر عمقا من أي تجربة أخرى ووقعت الكثير من الأخطاء وصلت إلى حد استباحة الدماء والأعراض والممتلكات ولكن بعد سنوات من العنف توّصل الفاعلون السياسيون في الجزائر إلى ضرورة تجنب الحل الاستئصالي الذي كشف عن محدوديته في إيجاد مخرج للأزمة يحفظ للمؤسسات هيبتها وللدولة استمراريتها وغلب صوت الحكمة على نشاز المرجفين في المدينة.إن الأحكام التي نسمعها بين الحين والآخر من تونس اتجاه بعض المعارضين التونسيين لا تشّرف تونس الحريات ولا تدّل على توّفر إرادة سياسية حقيقية لطي أو قلب صفحة الماضي من تدافع وصراع بين "نظام" بن علي و"نهضة" الغنوشي. إن دولة القانون تقتضي تحكيم المؤسسات وإصدار الأحكام في إطار الأعراف والتقاليد المتعارف عليها في الاختلافات والنزاعات المتعلقة بقضايا الرأي. إن حالة الأستاذ الدكتور أحمد العش هي إحدى هذه الحالات التي تعبر عن مدى الاحتقان الذي يعرفه المشهد السياسي التونسي، فلقد فوجئنا باعتقاله فور عودته من فرنسا يوم 30 جويلية 2009 والحكم عليه يوم الجمعة 7 أوت بأربع سنوات مع النفاذ مع نفس التهم التي تتكرّر على مسامعنا والتي دأبنا عليها كلما تعلق الأمر بقضايا الرأي والتوّجهات السياسية من الاحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها وتكوين عصابة مفسدين. والدكتور العش، اللاجئ السياسي المقيم بفرنسا منذ سنوات هو الإنسان المشهود له بالاعتدال والتعقل وسعيه لخدمة الجالية المسلمة بفرنسا بالإضافة إلى عمله كطبيب نفساني وأستاذ جامعي. إن قراره بدخول تونس بعد غياب لعدة سنوات يدل على مدى وطنية الدكتور العش وعلى مدى ثقته في الخطاب الرسمي وإلا لما غامر بالعودة إلى بلده ليعتقل مباشرة في قضية حوكم فيها غيابيا ضمن 52 من أعضاء حركة النهضة حيث اعترض على حكم غيابي صدر ضده منذ سنة 2000 في إطار ما يعرف بمجموعة ليبيا، ثقة في تعهّد النظام الذي دعا المحكوم عليهم بالعودة إلى أرض الوطن والاعتراض على الأحكام مع الالتزام بعدم سجنهم وهذا ما يشكل نكثا للتعهد الرسمي وضربة أخرى لمصداقية النظام في إيجاد حل سياسي وقانوني عادل لهذا الملف. إن حالة التونسيين المتواجدين في الخارج لأسباب سياسية لأمر يٌؤسف له في عالم يموج بتحولات عديدة تتوّجه للانفتاح وتقبل الآخر والحوار ومحاولات التأسيس لآليات انتقال السلطة والحكم الراشد وأولوية المجتمع على السلطة وقيام الأنظمة السياسية على أساس مبدأ المواطنة وحكم القانون والمشاركة وترقية المجتمع المدني ومبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء واحترام حقوق المواطن في العيش الآمن الكريم. إن إرساء دولة القانون واستقرار تونس ورقيها وتطورها في إطار هويتها أكبر من أن يختصر في نظام قائم أو معارضة أزلية ولكن بالتعاطي الإيجابي مع كل المؤشرات التي تدفع إلى التقارب وتحقيق المصالحة بين أفراد الوطن الواحد.أتمنى أن يكون خبر اعتقال الدكتور العش هو آخر الأخبار السيئة التي نسمعها وأن يكون آخر الأشخاص الذين يٌعتقلون لأرائهم السياسية وميولا تهم الفكرية وأن ينتهي هذا المسلسل الرهيب في اقرب وقت حتى تٌؤكد تونس للعالم أجمع صدق القول واقترانه بالفعل وأن ملف حقوق الإنسان يعرف تقدما واسعا في إطار احترام القانون والمؤسسات كما أنها دعوة أيضا لكل القيادات من النهضة وباقي فصائل المعارضة التي ما زالت على خصومة مع النظام القائم للانفتاح أكثر على آليات أخرى للمعارضة والتعاطي مع النظام بعيدا عن سياسة المغالبة والبقاء في نقطة البداية وكأّن تونس توقفت بها الأحداث في سنة 1990إن 10% من سكان تونس هم مهاجرون يساهمون بقدر وفير في تحقيق التنمية المحلية من خلال تحويلاتهم التي بلغت السنة الماضية 1.9 مليار دولار أي ما يعادل 5% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد ومن المنتظر أن تبلغ هذه التحويلات 2.7% نهاية 2009 فلما لا يٌعتبر اللاجئون السياسيون التونسيون كجزء من هؤلاء المهاجرين واعتبارهم إضافة إيجابية للمشروع الوطني من خلال أفكارهم ومشاريعهم وشبكة العلاقات التي أقاموها خلال كل هذه المدة التي تواجدوا فيها خارج تونس. أملنا كبير في رؤية الدكتور أحمد العش حرا طليقا ليعود إلى أحضان أسرته وإلى عيادته وطلاّبه ونشاطه في صفوف الجالية وأملنا أكبر في تونس الحريات من أن يواكب نظامها التحولات التي يعرفها العالم من أجل تحقيق الاستقرار المؤدي لتنمية مستدامة لتونس الشقيقة التي نحبها ونتمنى لها كل رقي وتطور واستقرار.

ليست هناك تعليقات: