29 أغسطس 2009

الـمـجـتـمـع الـجـاهـلـي وسـيـد قـطـب

الدكتور خالد أحمد الشنتوت ( شعبان 1430)


نشر موقع إسلام أون لاين في شهر شعبان 1430، موضوعاً للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي خلاصته أن فكر سيد قطب يرحمه الله دعا إلى التكفيـر، وذلك عندما ذكر سيد المجتمع الجاهلي...
قبل أن نحكم على فكر سيد قطب، يجب أن نعرف ما هو المجتمع؟ وما هي الجاهلية؟يرى طلاب علم الاجتماع أن المجتمع مجموعة من الأسر تربطها رابطة متينة، أقامت مؤسساتها الاجتماعية.إذن المجتمع هو أسر (أفراد) + مؤسسات اجتماعية.. وبالتالي المجتمع شيء زائد على الأفراد، شخصية معنوية، متميزة عن الأفراد...والدولة أكبر المؤسسات الاجتماعية، وهذه المؤسسات تصبغ المجتمع بصبغتها، بينما يعجز الأفراد عن ذلك، لأن المؤسسات أقوى من الأفراد كونها منظمة وذات منهج وخطة....إلخ..
أما الجاهلية فهي الحكم بغير ما أنزل الله، وليست هي ما يخطر على الذهن للوهلة الأولى، بأن الجاهلية هي التخلف، أو ضد الحضارة والمدنية....والحكم بما أنزل الله مرتبط بالعقيدة مباشرة يقول الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود في كتابه الحكم بغير ما أنزل الله (ص21 - 35): ((ارتباط تحكيم الشريعة بالعقيدة كبير وأساسي، وليس مجرد صلة تأتي من بعيد وانقطاعها لايؤثر في العقيدة، بل الأمر أشد وأخطر.... وترتبط بتوحيد العبادة في قوله تعالى { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.....}، وترتبط بتوحيد الربوبية في قوله تعالى { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون } وربطها بتوحيد الصفات والأسماء بقوله تعالى { ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم }.
قال الخطابي وهو يشرح أسماء الله تعالى (الحَكــَم ) الحاكم { له الحكم وإليه ترجعون } وربطها بالإيمان وبالإسلام وربطها بالشهادتين....والحكم بغير ما أنزل الله هو حكم الجاهلية، قال تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) ويقول ابن كثير: (( ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم..)) ص 181. الدكتور عبد الرحمن صالح المحمود.
والمجتمع الجاهلي أخذ صبغة الجاهلية من مؤسساته الجاهلية، أما المجتمع المسلم فيأخذ صبغة الإسلام من مؤسساته المسلمة...وفي الحالتين المجتمع الجاهلي أو المجتمع المسلم، لا ينطبق وصف المجتمع على الأفراد، أي لا يكون الأفراد جاهليين إذا كانوا يعيشون بل ينتمون إلى مجتمع جاهلي، كما أن الأفراد لا يكونون مسلمين لمجرد أنهم يعيشون في مجتمع مسلم وينتمون إليه، والأمثلة كثيرة جداً....من الماضي: المجتمع المسلم في المدينة المنورة، أخذ صبغته المسلمة من مؤسساته المسلمة، وأهمها الحكم بشريعة الله عز وجل، والمسجد المسلم، والمدرسة المسلمة، والسوق المسلم...إلخ...وعندما أقول (مسلم) أي لا يعمل فيه (علناً) بما يناقض الشريعة الإسلامية.... ولكن هذا كله لم يمنع أن يوجد في ذلك المجتمع المسلم أفراد غير مسلمين كاليهود، والمنافقين....ومع ذلك أخذ صبغة المسلم من الحكم شريعة الله عز وجل....ولا يجادل أحد في تسميته المجتمع المسلم، بل المجتمع المسلم الأول....من الحاضر:المجتمع الأمريكي، أو البريطاني أو الفرنسي....إلخ...هي مجتمعات غير مسلمة، سماها سيد (جاهلية)، لأنها تحكم بغير شريعة الله عز وجل....وهذا لا يمنع أن يوجد فيها أفراد مسلمون (أتقياء وبررة) في أي منها.... أعني نجد المسلم الفرنسي أو البريطاني أو الأمريكي....إلخ، المسلم الورع والتقي، والذي يسعى لنشر الإسلام في العالم، ودعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، أما تلك المجتمعات فأخذت صبغتها من الحكم بغير ما أنزل الله عز وجل...شهادة سيد قطب على نفسه: وقد قال سيد قطب يرحمه الله كما جاء في موضوع كتبه معتز الخطيب في إسلام أون لاين: ((قال سيد في كتابه "لماذا أعدموني": إننا لم نكفر الناس وهذا نقل مشوه إنما نحن نقول: إنهم صاروا من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة، وعدم تصور مدلولها الصحيح، والبعد عن الحياة الإسلامية، إلى حال تشبه حال المجتمعات في الجاهلية، وإنه من أجل هذا لا تكون نقطة البدء في الحركة هي قضية إقامة النظام الإسلامي، ولكن تكون إعادة زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية.. فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس!.
ويوضح سيد قطب عدم تكفيره للأفراد في اعترافه المسجل في محضر التحقيق الذي أجراه معه صلاح نصر ونقله سامي جوهر في كتابه "الموتى يتكلمون": س: هـل كنتم ترون أن وجود الأمة المسلمة قد انقطع منذ مدة طويلة ولا بد من إعادتها للوجود؟. ج: لا بد من تفسير مدلول كلمة "الأمة المسلمة" التي أعنيها؛ فالأمة المسلمة هي التي يحكم كل جانب من جوانب حياتها (الفردية والعامة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية) شريعةُ الله ومنهجه. وهي بهذا الوصف غير قائمة الآن في مصر، ولا في أي مكان في الأرض، وإن كان هذا لا يمنع من وجود الأفراد المسلمين؛ لأنه فيما يتعلق بالفرد الاحتكام إلى عقيدته وخلقه، وفيما يتعلق بالأمة الاحتكام إلى نظام حياتها كله.شهادة الأستاذ عمر التلمساني: وقال الأستاذ عمر التلمساني في كتابه "ذكريات لا مذكرات": "... وما أراد الشهيد الأستاذ سيد قطب في يوم من الأيام أن يكفِّر مسلمًا؛ لأنه من أعلم الناس بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أكثر من حديث: "إن مَن قال لا إله إلا الله موقنًا بها قلبه لن يخلد في النار". ونحن نعلم أنه لن يخلد في النار إلا الكافرون! وهم الذين ينكرون وحدانية الواحد القهار! هذه واحدة. والثانية: إن كثرة ترداده "للمجتمع الجاهلي" لم يقصد بها تكفير المجتمع، ولكن تشديد النكير على الظلمة والطغاة والمستغلِّين والمشكِّكين.. وهو أسلوب تعرفه اللغة العربية، والذين يعرفون الشهيد سيد قطب، ودماثة خلقه، وجمَّ أدبه، وتواضعه، ورقة مشاعره، يعرفون أنه لا يكفِّر أحدًا! إنه داعية إسلامي، من عيون دعاة المسلمين.. ظلمه من أخذ كلامه على غير مقاصده، ومن هاجموه متجنِّين، لما رأوه من عميق تأثير كلماته وكتاباته على الشباب الطاهر النظيف.. هذا موجز مقتضبٌ للمبادئ التي قام عليها كتاب "معالم في الطريق" وقد كان لي شرف الاطلاع عليه قبل طبعه، ونحن في مستشفى ليمان طرة". شهادة الأستاذ أحمد عبد المجيد:تأتي شهادة الأستاذ "أحمد عبد المجيد" لتلقي الضوء على شخصية الشهيد "سيد قطب" باعتباره كان من الدائرة الأولى التي تجالس "قطب" وتأخذ منه مباشرة، وتأثرت بأفكاره تأثراً كبيراً، لم تستطع أربعة وثلاثون عامًا أن تمحو منه هذا التأثير رغم تقلبات الدهر؛ لذا يحسبه البعض على التيار القطبي، والرجل حقوقي من مواليد 1933م، وحكم عليه بالإعدام في قضية تنظيم 1965م، لكن خفف الحكم إلى المؤبد، وبالمناسبة فإنه متزوج من ابنة الشهيد "محمد هواش" الذي كان من كبار قادة تنظيم 1965م، ونُفذ فيه حكم الإعدام، ثم خرج الأستاذ "أحمد عبد المجيد" في السبعينيات، وله كتاب حول حقيقة تنظيم 1965صادر عن دار الزهراء للإعلام العربي، وعدد من المقالات عن الحركة الإسلامية في مجلة "المنار الجديد".
وقد نبه الرجل في شهادته إلى أن فكرة التكفير كانت بعيدة عن "قطب"، وأن التكفير لم يتبنَّه القريبون منه أو الذين تربوا على يديه، ولم يتبنَّه تنظيم 1965م، ولكن الذي تبنى التكفير هم الذين لم يتربوا على يد "قطب"، ولم يكونوا من الإخوان المسلمين، وأشار إلى حقيقة تاريخية وهي أن التكفير نشأ عام 1968م، وأنهم (أي قيادات تنظيم 1965) عاشوا في عزلة تامة في السجن الحربي لمدة تزيد على السنتين، وعندما تم ترحيلهم إلى سجن قنا فوجئوا أن قدامى الإخوان في السجن يسألونهم عما تردده الصحافة عنهم من أنهم يكفرون المجتمع ويسعون لقتل "أم كلثوم"، فكان الحديث مفاجأة، ويذكر الرجل أنه عندما أخبر عن "التكفير" لم يسترعِ الأمر انتباهه؛ لأن المسألة لم تكن مطروحة في فكرهم الذي فهموه من "قطب". وأشار -أيضاً- إلى حقيقة، وهي أن الذي أطلق عبارة "نحن دعاة ولسنا قضاة " هو الشهيد "سيد قطب" وهي العبارة التي صارت منهجًا للإخوان في عهد المرشد الثاني للإخوان "حسن الهضيبي". وتعرض الأستاذ "أحمد عبد المجيد" في شهادته لمسألة "التكفير"، وأكد "أن سيد قطب لم يكن من دعاة التكفير، لأن هذا الاتجاه نشأ في سجن "مزرعة ليمان طرة" عام 1968م وما بعدها، على يد "شكري مصطفى" وأمثاله، ولو كانت هذه الفكرة عند سيد قطب لكان من باب أولى أن تكون عند من تتلمذ على يديه، ومن كان يقابله ويجالسه، وهو ما لم يحدث، - فكرة الجاهلية، وهذه الكلمة هي مصطلح قرآني، وهي تعني "الجهل بحقيقة الألوهية، والجهل بما يحبه الله سبحانه؛ من إخلاص العبادة له وحده دون شريك، وهي ليست محددة بزمن معين أو مكان معين (أفحكم الجاهلية يبغون)، ولا يعني ذلك إطلاق الحكم بالكفر على من يقع تحت الحكم الجاهلي، وأذكر أن الشهيد "محمد هواش" كان يقول لنا ونحن في السجن الحربي: "الجاهلية كالمظلة التي تحتها أصناف شتى من الناس"، وهذا ما فهمه الرجل القريب جداً من سيد قطب والذي عايشه في السجن عشر سنوات، فالجاهلية ليست تحديداً لمجتمع معين".
أما محاولات إلصاق تهمة التكفير بـ"سيد قطب"، فهي محاولة للإساءة للرموز الإسلامية، لأن الإساءة للرمز تحول دون الأخذ عنه، أو التقدير له أو الاحترام له، وعلى سبيل المثال قال لنا "سيد قطب": إن بعض رجال المباحث عرض عليه وحاول إغراءه بالكتابة في الصحف، وقال لنا: "إنهم حريصون دائماً على تلويث الراية، وتلويث راية الإخوان المسلمين ومن ينتمي إليها"، كما أن إلصاق تهمة التكفير تعطي تبريراً لممارسات الأنظمة ضد أبناء الحركة الإسلامية".
وأبدى الأستاذ "أحمد عبد المجيد" استغرابه مما طرحه فضيلة الشيخ "القرضاوي" حول "سيد قطب" وأفكاره، وتوقيت طرح هذا الكلام بعد مرور (34) عاما عليه فقال:"أنا أعجب لإثارة مثل هذا الموضوع حاليا بعد مرور حوالي (34) عاما عليه، وما الدافع له وما المصلحة في ذلك؛ في وقت نحن محتاجون فيه إلى التئام الصف، وسد الثغرات، وما المصلحة الدافعة لمثل هذا الكلام، وكنت أتمنى أن ينأى فضيلة الشيخ القرضاوي عن الخوض في هذا الموضوع، وأخشى أن يستفيد أعداء الحركة الإسلامية من كلام فضيلته. وأستند إلى كلام الدكتور "بكر أبو زيد" يرحمه الله، عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية الذي دافع فيه عن سيد قطب بالرد على أحد المهاجمين لقطب ومما قال: "لكن هول ما ذكرت، دفعني إلى قراءات متعددة في عامة كتبه؛ فوجدت فيها خيراً كثيراً، وإيماناً مشرقاً، وحقاً أبلجاً، وتشريحاً فاضحاً لمخططات أعداء الإسلام". ملاحظة أخيرة:ولابد من الملاحظة الأخيرة وهي أن فكر الإخوان المسلمين لا يطلق مصطلح مجتمع جاهلي على أي مجتمع لا يطبق الشريعة الإسلامية، حتى على المجتمعات الأوربية، خروجاً من الخلاف، وبعداً عن الشبهة وسوء الفهم، وإنما يقول الفكر الإخواني المعاصر: المجتمع الفرنسي، والمجتمع الأمريكي، والمجتمع العربي، والمجتمع المصري، والمجتمع الباكستاني.....إلخ.
والله أعلم
---------------------------------------------

ليست هناك تعليقات: