16 يونيو 2010

تطبيقات منهج الشيخ محفوظ نحناح في حركة الدعوة والتغيير(*)


الشيخ مصطفى بلمهدي

مقدمة:


لقد أصبح الشيخ نحناح رمزا واضحا للعمل الإسلامي المتكامل خلال العقود الأخيرة في القرن العشرين حيث قاد العمل الإسلامي في رقعة واسعة هي الشمال الإفريقي وامتداداته في الجالية الإسلامية بجنوب أوروبا وجزء من دول الساحل والصحراء.
لقد انطلق الشيخ نحناح في كل أعماله للدعوة الإسلامية من منهج واضح تبلور عبر مراحل عدة وصُقل من خلال المحن والمنح والنجاح والإخفاق والضيق والاتساع.
وانطلق منهج الشيخ محفوظ نحناح من قاعدة واضحة تقوم على الإنسان عقيدة وعبادة وسلوكا وعلى الجماعة التي تنطلق من الأسرة إلى المجموعة إلى المجتمع ثم الدولة والأمة التي تنخرط كليا في مشروع الدعوة الذي ينتهي إلى علاقة إيجابية بين الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء هي علاقة الأستاذية التي أشار إليها الدعاة من قبله.
وقد استمر الشيخ محفوظ نحناح يتعهد هذا المنهج بالرعاية والتطوير والارتقاء من مراحل السرية إلى المراحل العلنية ومن التأسيس إلى التنظيم والانتشار، ومن المعارضة إلى المشاركة والمنافسة في ظل الإسلام والوطنية والديمقراطية.
ولم يقتصر منهج الشيخ محفوظ نحناح على عمل فردي زعامي شخصي وقد كان بإمكان ذلك ولكن لم يكن يعمل لذاته ولذلك كان يؤلف الرجال والمؤسسات ويبني العمل الجماعي بناء متكاملا استطاع أن يستمر بعد رحيله رحمه الله.

ركائز منهج الشيخ محفوظ نحناح


1. إسلامية المنهج: فالحقيقة الأساسية عند الشيخ محفوظ نحناح هي إسلامية المنطلق وإسلامية المآلات، فالإسلام هو الحل لم يكن عنده شعارا مؤقتا بل منهجا شاملا ونظام حياة.
2. الدعوة إلى الله: التي هي العلاقة الرابطة بين الإنسان وبين الله وبين الإنسان وأخيه الإنسان وبذلك تنتظم في الدعوة إلى الله علاقات ووشائج خارج العلاقات البشرية العادية.
3. البناء التربوي: وهو المنظومة المتكاملة.
4. سلمية التغيير: التي ترفض كل أنواع التطرف.
5. عالمية الرؤية: إذ لا تحدها الجغرافيا ولا الإيديولوجيا لتستجيب لتطلعات شعوب العالم التي ترنوا إلى العيش المشترك وفق القيم الإنسانية الفاضلة.
6. بناء المؤسسات: تمثل مرحلة كبر المشروع واتساع رقعته وتأطير القيادات والإطارات في هياكله، كما تعد تأسيسا لتقاليد التنظيم والشورى والتخطيط والتداول.
7. تكامل وشمول العمل: من منطلق أن الإسلام دين شامل لكل مناحي الحياة الإنسانية، وهي مجتمعة تخدم بعضها بعضا وإلغاء جانب منها إلغاء لجزء من الحياة الإنسانية.
8. الحوار مع الآخر: ضرورة لتقريب وجهات النظر وتجسير العقبات التي تحول دون الاستفادة المتبادلة والعمل المشترك.
9. حضور المرأة: التي كان ينظر إليها الشيخ من بداية العمل على أنها الجزء الأهم في عملية التربية والإصلاح حيث تشكل حجر الزاوية بالنسبة للمجتمع وصلاحها يتعدى إلى كل مكونات المجتمع.
10. القضية الفلسطينية: التي اعتبرها الشيخ محفوظ القضية المركزية للأمة، ورمزية واضحة لطبيعة الصراع الحضاري وقدسيتها تجعلها قضية المسلمين جميعهم وليست قضية الفلسطينيين والعرب.
11. الوسطية والاعتدال: وهي الصورة المميزة للفهم الصحيح الذي كان الشيخ رحمه الله يفهمه للإسلام ويدافع عنه وينشره بين الناس وهو الإسلام الذي لا إفراط فيه ولا تفريط والذي ترجم في النظرة إلى الأخر والمشاركة معه في العديد من الأشكال.

طبيعة الحركـة


إن حركة الدعوة والتغيير تحمل العديد من المفاهيم والرؤى والقيم في هذا العنوان المميز الذي يحمل ثلاثية المسؤولية وهي: الحركة والتحرك والسعي عبر الدعوة التي هي رسالة الأنبياء عليهم السلام، والدعاة هم أشرف أهل الأرض وأعزها، وعبر التغيير النافع للناس الماكث في الأرض، فنحن لسنا حركة عابرة أو قصيدة جميلة أو خطبة عصماء أو بكاء تهجد أو منافسة مؤقتة أو غير ذلك، بل نحن حقيقة والحقيقة تحتاج إلى وعاء لتمثيلها من خلال التغيير الدائم نحو الأفضل.
1- دعوة هي أساس العمل تحب النفع للناس وترتبط بهم ونبشر بفكرة ودين وخلق وفضائل.
2- عمل متكامل خطة وممارسة لا أجزاء عندنا لبعض الإسلام عن بعض، ولا وقوف عندنا أمام حالة دون أخرى، بل نحن روح ومادة وعلم وعمل وسياسة واقتصاد وقيادة وقاعدة.
3- نمازج التربية والسياسية، إذن السياسة عندنا ليست هي الحزبية فقط وإنما هي إصلاح أمر الأمة والتربية ودين وحامل للسياسة ولا تقوم السياسة الصالحة إلا إذا احتضنتها الحاضنة التربوية الطاهرة المستمرة المؤطرة للعمل النقي والجاد.
4- التوافق قاعدة القرار، فقد حلّ بين الناس تقدير للنظم والقوانين واحتكموا للأغلبية حتى وإن كانت مخطئة ونحن نعتقد أن الاحتكام إلى الحوار والتوافق بين أفراد الجماعة هو أساس مشاركة الجميع في القرار ثم في العمل وإنجاح القرار والتوافق عندنا عنوان تركه الشيخ محفوظ ليكون لنا دليلا عند الظلام.
5- التغيير يبدأ من النفس فقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، يشمل الأمة ولكنه لا ينجح إلا أن تغير النفوس.

حركة الدعوة والتغيير: دوافع التأسيس
لقد تأسست حركة الدعوة والتغيير أصلا كما جاء في "رؤية الحركة" من أجل أن تحقق في وسط الناس معنى جديدا هو الراية الجديدة للعمل الأصيل، حيث اقتضت ظروف عدة داخلية وخارجية أن تظهر راية جديدة طاهرة وواضحة ومستقلة وواعدة، ربانية المنهج، رسالية العمل أساسها الشورى والفهم والتضحية ودمها هو الأخوة والإيثار والتجرد، لتحقيق مبدأ الثبات على المبادئ والقيم التي تركها الشيخ محفوظ نحناح.
وقد انخرط في هذه الحركة كل المؤسسين الحقيقيين الأوائل للدعوة الإسلامية مع الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله ذلك علامة فارقة بيننا وبين غيرنا ممن يزعمون الانتماء للمدرسة النّحناحية الرائدة في الذود عن الإسلام والوطنية الصادقة.
وكان من أهم دواعي هذا التأسيس ظهور الاختلال في التوازن الذي ترك الشيخ رحمه الله بين الشخص والمؤسس والدعوة والسياسة والداخل والخارج والروح والمادة والشباب والشيوخ والرجال والنساء حيث كان كل ذلك في عقد واحد وجميل مرتبط على أساس الوظائف والقيم والأفكار وليس على غير ذلك في أطماع الدنيا وأنانيات الأفراد.
كما أن الدعوة الإسلامية التي تعلمنا مع الشيخ محفوظ نحناح أنها تكاليف وضريبة وتضحية وصبر احتاجت منّا أن ننهض من أجلها وترفع رايتها في ظل تخلى الكثيرين عنها ورغم أن بريق المنافع الدنيوية يخبو من حول حركة الدعوة والتغيير فإن شعاع المبادئ ونور القيم هو الذي يصنع هالة من الضوء حولها يترجمه مثل هذه الملتقيات وهذا الحضور وهذه الوحدة.

التطبيقات العملية لمنهج الشيخ في حركة الدعوة والتغيير


لقد كان مبرر إنشاء الحركة الأساس هو المحافظة على منهج الشيخ النحناح بعد سلسلة الانحرافات المسجلة في المسار الذي كرسه من جاءوا بعده لتولي دفة سفينة الحركة، ولذلك نحرص كل الحرص على الحضور الكامل لمنهج الشيخ في حركة الدعوة والتغيير على المستويات الفكرية المرجعية وعلى المستويات الحركية التنظيمية وعلى مستويات الداخل الحركي وخارجه.

التطبيق الأول:


وهو الأمر المتعلق بالمرجعية التي نعتبرها في حركة الدعوة والتغيير أهم الأسس الضامنة للتوجه الصحيح للحركة ومن خلالها تتمايز الولاءات وتتحرر من الولاءات المنحرفة كاللواءات للأشخاص والعصبيات الأرضية المرتبطة بأغراض الدنيا كالأموال والقبيلة والجغرافيات السياسية والاجتماعية، ومرجعيتنا واضحة المعالم ترتبط أساسا بالكتاب والسنة وهدي السلف الصالح وتعمل العمل الإسلامي الذي يعود خيره على الأمة كاملة ولا تحده الحدود والأقطار ويقوم على الفهم والعمل والإخلاص والتجرد والتضحية والأخوة والثقة والثبات الذي لا يعتريه التلون والتغير بل يحرص على قيم الطاعة ولا يتحايل عليها بأي شكل من الأشكال وعلى ذلك الفهم والالتزام كان الشيخ المحفوظ رحمه الله.

التطبيق الثاني:


وهو الأمر المتعلق بالدعوة للآخر وعلاقتنا الرسالية به والانفتاح عليه فحركه الدعوة والتغيير وعاء من لا وعاء له، وهي حريصة دائما على أن تفتح الأبواب أمام الآخرين وتتيح الفرص أمامهم ومن يجانب هذا المعنى أو يحيد عنه فقد يكون فينا شكلا وهو ليس منا حقيقة لأننا نحرص على إيثار الآخر بالخير كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المنهج الذي كان عليه الشيخ المحفوظ في مختلف مراحل الدعوة والحركة وإن هذا التطبيق هو أوضح عند إخواننا الذين أسسوا العمل معنا وتعاملوا مع الأخر وفق القواعد النحناحية في العلاقة مع الأخر ولا يزالون كذلك على المستويات الاجتماعية والسياسية والفكرية وغيرها.

التطبيق الثالث:


وهو ما تعلق بالعلاقة داخل الحركة حيث أصبحت حركة الدعوة والتغيير صورة للتعامل الإيجابي بين الأفراد هذا التعامل المبني على العلاقات الأخوية والحوار والتناصح والخروج من ذهنيات القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، والخروج من ذهنيات الكولسة والصراعات الداخلية وغيرها من المظاهر السلبية التي كان الشيخ محفوظ رحمه الله يطلب باستمرار أبناء الحركة بالتعالي عنها والارتفاع بمستوى العلاقات إلى المستوى اللائق بالدعاة والقائمين على الدعوة.
وبالرغم من حرص الشيخ محفوظ نحناح المستمر بالارتفاع بالمستوى القانوني للحركة إلا أنه كان يحرص باستمرار على أن تضل آفاق العلاقة الأخوية بين أبناء الحركة عالية وبعيدة عن الهزات الأرضية المختلفة وهو ما نسميه في الحركة بالتوافق في القرار.

التطبيق الرابع:


وهو الأمر المتعلق بالمرأة حيث تعمل الحركة على إيلائها الأهمية الكبرى باعتبارها أحد الأركان الأساسية في العمل الدعوي وغيره من الأعمال التي تشكل فعاليات وأنشطة الحركة والاهتمام بالمرأة توجيه نبوي تلتزمه الحركة وتستحضر فيه النهج الذي ورثته عن الشيخ محفوظ حيث كانت المرأة حاضرة دائما سواء على المستوى الفردي أو المستوى المؤسساتي ودعمها من أجل الوصول إلى المستويات المتقدمة في الحركة أو في المجتمع والدولة.

التطبيق الخامس:


وهو الأمر المتعلق بالمشاركة السياسية حيث تعتبر الحركة أن الإنجازات الكبيرة التي أوصل الشيخ محفوظ نحناح الحركة الإسلامية إليها لا تزال في حاجة إلى رعاية واستكمال ألزمت الحركة نفسها به وهي تعمل كل ما في وسعها من أجل مواصلة الطريق التشاركي وصناعة الفضاءات الضرورية لنمو المشاركة السياسية وتحولها إلى ثقافة وممارسة وتقاليد تتجاوز الحالات الانتخابية إلى حالة وظاهرة اجتماعية يتبناها الجميع مجتمعا ودولة.

التطبيق السادس:


وهو ما تعلق بالشأن الدعوي الذي ظل حاضرا عند الشيخ المحفوظ إلى آخر رمق في حياته حتى أنه حرص على المشاركة الدعوية واعتلاء المنابر في كل الظروف ولم يثنه السجن عنها كما لم يصرفه إلى غيرها إقبال الدنيا على الحركة بل إن الحالة المرضية التي لازمته آخر أيامه لم تقف أبدا عائقا أمام استمراره في أداء واجب الدعوة إلى الله.
ولذلك فإن حركة الدعوة والتغيير أسست للدعوة هيئة وطنية ترعى الشأن الدعوي وهيئات ولائية تتابع الشأن نفسه وأعطت أولوية واضحة في مختلف برامجها للدعوة إلى الله وجعلتها الأساس في العملية التغييرية كما هو واضح في الاسم الذي اختارته لنفسها وفي الخطاب الذي تتواصل به مع الناس.


(*) المداخلة ألقاها رئيس الحركة خلال أشغال ملتقى الشيخ محفوظ نحناح الدولي يوم الجمعة 28 جمادى الآخرة 1431هـ الموافق 11/06/2010م.

ليست هناك تعليقات: