17 يونيو 2010

رسالة الدكتور علي باشا عمر إلى المشاركين في ملتقى الشيخ محفوظ نحناح

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة الدكتور علي باشا عمر إلى المشاركين في ملتقى الشيخ محفوظ نحناح (*)

الحمد لله رب العالمين وبه نستعين على أمور الدين والدنيا، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
والحمد لله القائل: ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا﴾ (الأحزاب:23).
إن عظمة شخصية شيخنا الراحل المرحوم محفوظ نحناح، تظهر من خلال مواقفه الثابتة حين تزعزع المترددون، وعطائه الثري حين نضبت عيون الدخلاء، وإنجازاته العظيمة حين سقط الكثير في الوحل الآسن، والوقوف عند حدود العالم البصير حين استباح الكثير في هتك المحرمات، وصبره على المحن من سجن ومضايقات. وليس غريبا هذا في شخصيته لأنه نشأ تنشئة صالحة في بيت علم وأدب ونهل في مصادر الثقافة الإسلامية الأصيلة منذ وقت مبكر من خلال ملازمته وتأثره واطلاعه على تاريخ الأمم والمشاريع النهضوية. ولا غرو في ذلك إذ أن الشيخ قد ارتوى من معين مدرسة الإخوان المسلمين الذي لا ينضب والتي أسسها الإمام الشهيد حسن البنا مجدد القرن العشرين رحمه الله.

مناقب لا تنسى للشيخ محفوظ نحناح – رحمه الله - كما يراه أبناءه في القرن الإفريقي:


1. رائد من رواد الدعوة الإسلامية المعاصرة الذين وقفوا أمام الهجمة الشرسة التي قادها أعداء الأمة الإسلامية من أجل مسخ الهوية الإسلامية. فلقد كان فقيدنا سدا منيعا ودرعا واقيا أنقذ الله به أبناء الأمة الإسلامية جمعاء من خلال جولاته وأسفاره.
2. الجندية والتفاني في العمل، فلقد وهب حياته في خدمة الدعوة الإسلامية ونشر قيمها ومبادئها، حتى أصبح مضرب المثل للسالكين في طريق الدعوة الإسلامية المعاصرة.
3. الفروسية في ساحة الجزائر – بلد المليون شهيد- والتي شهدت واحدة من أسوأ المآسي الاستعمارية، حيث شارك في ثورة التحرير الوطني في ريعان شبابه، وهذا يدل على عناية الله بشيخنا الفاضل.
4. عمله على تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية في الجزائر رغبة منه في إيجاد مرجعية دينية للجزائريين تحفظ الشعب والبلد من كل انحراف، مما يوضح بجلاء أن الشيخ كان يحمل هموم الشعب الجزائري منذ وقت مبكر.
5. عمله على تأسيس "حركة المجتمع الإسلامي" في وقت كادت فيه الجزائر أن تنزلق نحو التفتت والانقسام وتفتقد أهم ركائزها ألا وهي "الوحدة الوطنية".
6. وقفته التاريخية ضد التطرف بشقيه "العلماني" الذي أراد سلخ المجتمع الجزائرى المسلم من إسلامه، و"المتقمص في ثوب الإسلام" والإسلام منه بريئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب، والذي كان يريد أن يكسر عظام الشعب الجزائري بعضها على بعضها، خاصة في فترة عويصة تشبه تلك الفترة التي وصف الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم: المتمسك بالإسلام كالقابض على الجمرة، وفي وقت كان تسجيل هذا الموقف يعتبر بمثابة إعلان حرب على الطرفين المتطرفين.
7. القيادية في العمل الإسلامي، حيث كان فقيدنا نموذجا للقيادة الإسلامية الراشدة وصاحب نفس كبيرة تفزع إليه الهموم، ويحل مشاكل شعبه دونما تمييز.
8. القوة في التعبير والإقناع، حيث كانت تعبيراته تأخذ القلوب وتأسر العقول حتى أصبحت مصطلحاته مدروسة في أدبيات الدعوة الإسلامية، ومنها مقولته الشهيرة في خصائص دعوتنا بأنها: "هادئة هادية هادفة"، والتي نفع الله بها كثير من العاملين في حقل الدعوة.

الحركة الإسلامية في الصومال في مواقف مشابهة مع الشيخ محفوظ – رحمه الله:

إن الحركة الإسلامية في الصومال والتي حملت المشروع النهضوي (كما حملتم أنتم أيها الإخوة في الجزائر) في مجتمع تمكن أعداؤه من نيل مقوماته حتى انهارت حكومته المزكزية وانزلق نحو الاحتراب الأهلي منذ 1991 وإلى الآن، واجهت واقعا مشابها للتجربة الجزائرية من عسكرة العمل الدعوي بقيادة تيارات محسوبة على الصحوة الإسلامية، مثل ما سمي بالمحاكم الإسلامية التي كانت ظاهرة غريبة، تكونت من أطياف مختلفة وغير متجانسة أبرزها تيارات تكفيرية جهادية، وقبلية متعصبة، وتجارية مصلحية، وسياسية موجهة من الخارج.
وحققت المحاكم نجاحات ميدانية هشة أمام بعض زعماء الحرب في جنوب الصومال، مما أدى إلى انبهار بعض الإخوة غير المتعمقين في فهم المنهاج الإخواني، ولا المتشبعين في خيوط المعضلة الصومالية. وقد أعلنت الحركة الإسلامية في الصومال رفضها التام لعسكرة العمل الدعوي والخوض في غمار الحرب الأهلية باسم الدين. حينها وقفت الحركة نفس مواقف الشيخ – رحمه الله - عند ما رفض الشراكة والاندماج مع الاتجاهات المتبنية للتطرف، فاستلهمت مقولاته الرائعة واسترشدت بمواقفه الشجاعة، وأحست قيادة الحركة نفس معاناة الشيخ – رحمه الله - عند ما كان يحاول إقناع قيادات العمل الدعوي في العالم بنهجه السلمي المتدرج والذي لا يتماشى مع نهج تيارات العنف والسلاح.
إننا نشكر ونشد عضد المنظمين لهذا الملتقي الدولي تخليدا وإحياءا لذكرى الشيح محفوظ نحناح رحمه الله ووفاءا لنهجه ونضاله، آملين أن تتكرر مثل هذه المؤتمرات، وذلك للاستفادة من تجارب القيادات الإسلامية الفذة في عالمنا العربي والإسلامي حتى ينجح المشروع النهضوي للأمة القائم على الاعتدال والوسطية الإسلامية في التوجيه والتغيير السلمي للمجتمع.
وأخيرا، إن الحركة الإسلامية في الصومال تبارك جهود إخواننا في الجزائر الماضين على نهج شيخنا مربي الأجيال، سائلين لهم كل التوفيق والسداد في أعمالهم الخيرة ولشيخنا الراحل الرحمة والمغفرة ودار الخلد، اللهم آمين.

منهاج الشيخ محفوظ نحناح في الدعوة والتغيير


يمثل منهاج الشيخ – رحمه الله – تطبيقا عمليا لمنهج الإخوان المسلمين، وتنزيلا للواقع بالفكر الإسلامي المعاصر الذي وضع أسسه الفكرية والعملية الإمام حسن البنا – رحمه الله. ويمكن سرد أهم خصائصه بالنقاط التالية:
1- الواقعية والتدرج:
- دراسة واقع الأمة والتفاعل معه بإيجابية.
- رصد التحديات وتحديد الإمكانات والموارد.
- وضع الخطط والبرامج المناسبة لتغيير ذلك الواقع.
2- الوسطية والإعتدال:
- مراعاة الوسطية والإعتدال في فهم النصوص والمسائل الفقهية المعاصرة.
- تطبيق الفكر الإسلامي المعتدل والوسطي في المجتمع المسلم وغير المسلم.
- الابتعاد عن الغلو والتشدد في أمور الدين.
3- المرونة مع مراعاة الثوابت والمتغيرات:
- ضرورة المرونة الذهنية في التعامل مع مجريات الأحداث بعقلية واعية للتفصيل بين النصوص والضرورات والحاجات وبين الثوابت والمتغيرات، وغير ذلك من الأمور.
- ضرورة مراعاة المرونة عند وضع الخطط وبرامج التغيير.
4- التجديد وامتلاك ناصية العلم والمعرفة وهضم المفاهيم والقيم الجديدة.
5- الابتعاد عن مواطن الخلاف وإثارة المسائل الخلافية والفتاوي الشاذة.
6- نظرية "مت مظلوما": "المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما".

منهاج المشروع النهضوي للأمة:


يقول الإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله: "يجب أن يكون الهدف الذي يرمي إليه المصلحون في العالم الإسلامي الآن واضحًا محدودًا مرتكزًا على أصول وقواعد ذات خطوات ومراحل، وإن الأصول الأساسية في نجاح الغاية وإنتاج الإصلاح أن نرمي إلى: "تجديد حياة الأمم الإسلامية، وتدعيم نهضتها الحديثة على أصول إسلامية خالصة، وإنقاذ العالم كله بإرشاده إلى تعاليم الإسلام".

1- المشروع السياسي: ومن أهم ملامحه:
- تحقيق العبودية لله في وضع القوانين والتشريعات.
- تحقيق العدالة الإجتماعية والمساواة.
- تحقيق مبدأ استمداد السلطة من الأمة والتعددية السياسية والتداول السلمى عليها والشورى الملزمة للوقاية من آفة الإستبداد.
- السعي إلى التغيير عبر الوسائل السلمية ومن خلال المؤسسات الدستورية وعبر صناديق الاقتراع، والابتعاد عن العنف في طلب السلطة.
- تحقيق الشفافية ومسؤولية الحاكم أمام الشعب وضرورة محاسبته.
- ضمان الحريات وحقوق الإنسان والأقليات.
- ضمان حقوق المرأة وتفعيل دورها في بناء المجتمع ومشاركتها في السياسة كناخبة ومرشحة.
- التعاون مع فئات المجتمع في المتفق عليه.
- تحقيق رؤية جديدة للعالم بحيث يكون للإسلام دور النموذج المستقل والبديل الحضاري لإيجاد عالم يسود فيه السلام والمحبة والتعاون.

2- المشروع الإقتصادي: ومن أهم ملامحه:
- أسلمة المؤسسات الإقتصادية والمعاملات المالية.
- تحرير إقتصاد الأمة الإسلامية من التبعية والاستغلال السيئ للثروات.
- تفعيل المؤسسات الزكوية وتوظيفها في مكافحة الفقر.
- الاهتمام بالتنمية البشرية والبرامج الكفيلة لحل مشكلة هجرة العقول.
- تحقيق الاستغلال الإيجابي لثروات الأمة والسعي إلى التكتلات الاقتصادية وتبادل الخبرات.

3- المشروع التعليمي: ومن أهم ملامحه:
- أسلمة المعرفة لتساهم في رفع وعي الأمة في كافة مجالات الحياة، وتجديد الفكر الإسلامي الحضاري.
- مكافحة الأمية ورفع الجودة التعليمية والكمية.
- إعطاء الأولوية للتعليم في الموازة القومية ونشر الجامعات والمعاهد التطبيقة.

4- المشروع الإعلامي: ومن أهم ملامحه:
- أسلمة المؤسسات الإعلامية المختلفة.
- توظيف الإعلام في نشر الرسالة الإسلامية.
- التحرر من التبعية الإعلامية وذلك بامتلاك الأقمار الصناعية الإعلامية.
والله أكبر ولله الحمد


د. علي باشا عمر
المراقب العام – الصومال

(*) هذه الورقة أرسلها الدكتور علي باشا عمر من الصومال بعدما تعذر عليه الحضور للمشاركة في ملتقى الشيخ محفوظ نحناح الدولي المنعقد أيام: 27-28-29 جمادى الآخرة 1431هـ الموافق 10-11-12 يونيو 2010م بالجزائر.

ليست هناك تعليقات: