6 أغسطس 2009

الدعوة بحاجة إلى شرفاء




سأل الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الحسن البصري قائلا: من استوزر؟ قال له الحسن البصري:

(أهل الدّنيا لا تريدهم وأهل الآخرة لا يريدونك ولكن عليك بالشرفاء، فإنّ لديهم ما يمنعهم من خيانتك) قال أهل العلم إنّ الشرفاء كانوا يتميّزون بخصلتين هما: الكفاءة والإخلاص، وذلك هو معيار الرّجال، وقاعدة الاختيار. فهل نحن بحاجة إلى شرفاء؟؟الجواب بلا تردد نعم، لأن الوضع الذي تعيشه بلادنا لا منجاة من كارثته سوى الأمل في أن يقيض الله لهذا الوطن رجالا تتحرك فيهم نخوة الشرف وتخبو لديهم نزوة الترف، لأن الاستفتاء الجماعي الذي يطلع كل جزائري على نتائجه يوميا في أحاديث العامة والخاصة، في الشارع والإدارة، في المسجد والمدرسة، في المصنع والمتجر، هو الإجماع على أن الوضع الاقتصادي سيء والوضع السياسي أسوأ أما التربوي والأخلاقي فأشدّ سوءا.هل نحن بحاجة إلى شرفاء؟!نعم لأن الشهادات العلمية والمؤهلات الأكاديمية صارت شارات لا تعرّف صاحبها، والباحث عن صيغة ربط بين المسؤول ونتيجة التسيير ومظهره في هذه المؤسسة أو تلك يجد شيئا من الوهم غير القابل للفهم!!!أوليس ما تتناقله الصحف والجرائد ويتكرر كل سنة عن كشوف نقاط الانتقال من سنة إلى أخرى في جامعاتنا، وتزوير نتائج امتحانات الماجستير كل سنة في كبريات جامعاتنا شيء يدعو للقرف!! ومن يفعل هذا في بن عكنون أو جامعة باب الزوار أو جامعة السّانية بوهران أو باجي مختار بعنابة أو بقية الجامعات الستين الموزعة عبر الوطن سوى سيادة الدكتور خريج جامعتنا الوطنية؟!!أولسنا بحاجة إلى شرفاء حين تساوم الطالبة الجزائرية على شرفها في الحرم الجامعي من أجل تحصيل علامات نجاحها!!هل تكفي الشهادة أو الدبلوم للإشراف على جامعة لنشهد طلبة يذبحون بعضهم في قاعات الدراسة مثلما وقع هذه السنة؟ أو كما يتكرر كل سنة من معارك بين العروش والقبائل داخل الجامعات الجزائرية التي تدرس حقوق المواطنة، هل ينقص القانون؟ أم المال؟ أم الرجال؟!!! هل نحن بحاجة إلى شرفاء؟!!نعم حينما يصير تجار السياسة لا يقلون جشعا عن تجار السوق السوداء في الأحياء الشعبية، لا قانون يحكم ولا أخلاق تحترم، حين تصبح السياسة لها مواسم كمواسم الأمراض المتنقلة من بيئة إلى أخرى، وغياب كلي للنضال السياسي الذي تجد صداه في المعارضة الجريئة، والمواقف النزيهة والممارسات السياسية المؤخلقة، هل السياسة التي تحتاجها بلادنا اليوم هي التي يطرح أصحابها مشاريع لمحاربة الرشوة والفساد والمخدرات وتبييض الأموال وفتح الساحة الديمقراطية بشفافية ورشادة، أم هي تداول ممثلي ما يسمى بالأحزاب على منصة مدح السلطان، وتحصيل غنائم البرلمان، وحين تحلُ مناسبة يعرفون برنامجهم ببيان!!!وحين تشوه سمعة الجزائر أو يساء إليها من الخارج تنتظر أحزابنا بوصلة النظام إلى أين تتجه!! وكأن هذه البلاد المسكينة ليس لها مبادئ تحرك الغيارى وتحمي الحيارى!!وإنما هناك أهواء ومصالح شخصية تنتجها آلة الفساد السياسي في البلاد!!هل نحن بحاجة إلى شرفاء؟نعم لأن الساحة السياسية كان أحسن ما فيها الخطاب الإسلامي الذي يميزه الخلق ويحركه المبدأ، وسيلة نظافة الرجال وصدق البرامج، لكن هذا الحلم تبخر أو كاد!!وهل كان شباب الحركات الإسلامية على اختلاف خصوصياتها، لهم مقصد سوى تحقيق العدل في القضاء، والنظافة في المعاملة، والحلال في الكسب، فأين هذه الأحلام حين صار صاحب البرنامج "الإسلامي" والذي كان "يزايد" بكل أشكال المظهر الخارجي والخطاب "الإيماني" يقول اليوم بملأ فيه (لا معنى للدولة الإسلامية) وبعد أن يصل موقعا معتبرا في المسؤولية يقول للأتباع الذين أوصلوه لذلك المكان وهم يرددون شعار "الله غايتنا والرسول قدوتنا..." -بعد أن وصل- يخاطبهم "بالواقعية" التي تجعل همّ المناضل التقرب من أجل نيل وظيفة، وترديد شعارات "خفيفة" والتمظهر بمعارضة سخيفة!!هل من المناسب أن نُذكّر بأيام الدعاة الكبار حين لم تكن لهم صفة "المعالي" أو زعامة الحزب "المُوالي" أو زيف المشيخة بين مجموعة "الذراري"!!!حينما كانت حركة المرور تضطرب في الحراش وباش جراح أو القبة بمجرد خبر احتمال كلمة قد يلقيها، الشيخ العرباوي رحمه الله أو موعظة يقدمها الشيخ عبد اللطيف سلطاني!! أم ذلك الازدحام غير المألوف حول الجامعة بالقبة القديمة والتحركات غير الاعتيادية لسيارات الأمن وامتلاء أفنية الجامعة ومواقفها بقوافل الطلاب وغير الطلاب والكل يتطلع أن يصدق خبر إلقاء الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله لمحاضرة في جامعة القبة ليستمتع شباب الصحوة بتوجيهات ورؤى جديدة ومستجدات الساحة الإسلامية محليا وعالميا، دون نسيان تلك الصورة الجميلة لمجموعات الطلبة الجامعيين وحشود شباب الصحوة المتوافدين فرادى وزرافات يتقاطرون صوب ذلك المسجد الصغير لأن به في ذلك الوقت شيخ وقور يقدم موعظة إيمانية في زمن الكبت السياسي والجمود الروحي إنه درس الشيخ أحمد سحنون رحمه الله تعالى. قد يرى البعض أن شريط هذه الومضات مبعثه حنين إلى الماضي، أو تشاؤم من المستقبل، ولكن الحقيقة ولو أقررنا بشيء من ذلك، فإن الحقيقة الأكبر هي الصدمة التي لا ينكرها غيور ولا يتناساها عاقل لما أصاب الدعوة الإسلامية في الجزائر بعدما رحل هؤلاء الأشراف، وهل من صفة أخرى أدل على تميز هؤلاء الأشراف الذين ذكرتهم، هل ميّزتهم شهاداتهم الأكاديمية؟ أم ألقابهم الفخرية؟ أم مناصبهم الحكومية؟ أم ملاجئهم السياسية؟ أم سلالتهم النسبية؟ أم مراكزهم المالية؟ أم سطوتهم "العروشية"؟ أم مرحلتهم الديمقراطية؟ والله لم يتميزوا بهذه الأشياء ولو حازوا على شيء منها هنا أو هناك، ولكن اعتقد أن شرف الشخصية وأهلية الدعوة الربانية هي التي ترفع قوما وتهوي بآخرين.لست حافلا بالتنقيب في نسب الرجال، ولكن حين تختل القيم لابد من التمييز بين الحمم والقمم.إن مساحات الإنجاز في مسار الدعوة تزيد وتنقص، ومقياسها الصواب والإخلاص، ولكن علامات النصر فيها والهزيمة مرهونة برمزية الرجال، وشرعية البرامج، أما إذا اهتز الأول فالشرف مطعون، وإذا اضطرب الثاني فالوصول غير مضمون، فاللهم احفظ لدعوتك شرفها وسخرنا لخدمتها، ودوما بالفهم نرتقي وعلى المحبة نلتقي.

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته شكرا على هذه المعلومات القيّمة نسأله سبحانه و تعالى أن يجعلها في ميزان حسناتكم و أن يبارك فيكم فتكونوا للدعــــوة فرسان