4/ محراب رمضان زاد الدعـوة والتغيير
فها نحن نقف على أبواب الشهر الكريم رمضان العظيم الشهر الذي كان الفضاء الزمني لنزول القرآن الكريم وبعث أمة القرآن برسالة السماء.
تحية من عند الله طيبة مباركة، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
فها نحن نقف على أبواب الشهر الكريم رمضان العظيم الشهر الذي كان الفضاء الزمني لنزول القرآن الكريم وبعث أمة القرآن برسالة السماء كما أنه الشهر الذي حفل بانتصارات الأمة المختلفة من غزوة بدر إلى التاريخ المعاصر وهو أيضا الشهر الذي فيه ليلة خير من ألف شهر خص الله بها أمة الإسلام إكراما وتشريفا، فهو محطة كبرى للتزود (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى).
فهنيئا لكم وللأمة الإسلامية بهذا الشهر الذي هو شهر الرمزية للرسالة والنصر والقبول, فحري أن تجعلوه محراب الزمان الذي فيه تطيلون السجود والقيام والتأمل وفيه تجودون بالخير وتلبون النداء الذي هو نداء حي على الفلاح وليس الكسل والبطالة أو الركون إلى الأرض.
الدعوة والتغيير:
الكثير من الناس عن اسمكم ورمزكم وعن مضامين اختياركم عناوين الدعوة والتغيير وأحب أن أقف معكم قليلا عند هذا الأمر.
نحن دعوة ربانية والدعوة هي وظيفة وهي إرث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهي الواجب المستمر إلى يوم الدين (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).
والدعوة بلاغ بالرسالة والفكرة والمشروع لجميع الناس على اختلاف مواقعهم ومكانتهم وحقوقهم حيث لا فرق عند الدعاة بين الناس من حيث حقهم في أن نوصل إليهم فكرتنا ونبلغهم دعوتنا ولذلك تستمر عملية الدعوة عندنا في عنوان الحركة لنبلغ الناس أصالة منهجنا.
والدعوة من زاوية أخرى التزام ومسؤولية بعيدا عن الدعاية والكلام لأنها عمل ومسؤولية وأهلها قوم عمليون وما يميزهم عن الآخرين هو العمل ثم العمل المنتج الذي له أثر يرى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
والدعاة ليسوا سواء مع الناس لأنهم قد كلفوا أنفسهم مسؤولية الدعوة وحماية منهجها ونشرها وقبل ذلك تمثيلها حق التمثيل في أنفسهم ومحيطهم الصغير ثم الكبير حتى صدق من الرسول صلى الله عليه وسلم ما قالته عائشة رضي الله عنها عندما وصفته بأنه "كان قرآنا يمشي بين الناس".
والتغيير: هو وظيفة أخرى تكمل عملية الدعوة وتؤطر نتائج الدعاة حيث تعبر عن التجديد المستمر والتغيير نحو الأحسن وتجاوز الأخطاء وإصلاح النقائص وإكمال التقصير والمراجعة المستمرة وعدم الإصرار على الخطأ أو التفرد بالرأي أو العمل بعيدا عن الأهداف المشتركة للمجموعة لأننا لا نؤسس لعمل فردي ولا لأهداف محدودة أو مقاصد صغيرة بل نؤسس لعمل كبير يتجاوز الأقطار والجغرافيات البسيطة إلى قضايا الأمة التي هي أكبر هم مؤرق للقائمين على برامج الدعوة والتغيير في مختلف الأطياف الفكرية والمذاهب التغيرية.
والتغيير هو وظيفة تمس الأفراد والمجموعات كما تمس المظاهر العامة والحالات الخاصة وتقاس بالنتائج التي تتوصل إليها عملية التغيير في كل مرحلة، والتغيير يبدأ من الفرد ولا ينتهي إلا بشمول الأمم ويبدأ بالعاطفة المتوهجة ولكنه لا يتحقق إلا بتأطير العقول والبرامج والخطط ولا يكفي ذلك فيه حتى يصبح واقعا ملموسا يجده الناس في تعاملاتهم اليومية القابلة للقياس ومع ذلك أيضا لا يكتب النجاح لكل مغير وإنما يوفق في التغيير من أحاطه بقيم الصدق والإخلاص والتجرد والتضحية لأنه بحفظ الله تتحقق النتائج وليس بمهارة البشر.
بين الأصالة والتجديد:
يتساءل الناس عن التغيير ومن المهم أن يكون واضحا للجميع أن عملية التغيير تمس المظاهر المختلفة وتكتسب صوابيتها من التغيير نحو الأحسن والاستفادة من التجارب الماضية في تجاوز الأخطاء المضرة بأصل المشروع أو ببعض أركانه الأساسية التي تمس المنهج والفكرة والرسالة والعلاقات الأساسية بين مكونات المشروع الكبرى، ولذلك فمن المهم التأكيد على أصالة الخط والتوجه كمرجعية أساسية ودائمة بعملية التغيير التي تتحدد وجهتها بالغاية المعروفة وزعامتها بالقدوة الثابتة وطريقها بالسبيل الصحيح مهما صعب ومنهجها بالكتاب المبين حتى إذا انتظمت في عملية التغيير هذه الأركان كان واضحا للمغيرين أن (ما عند الله خير وأبقى) فآثروا في أمانيهم الآخرة على الدنيا.
والعمل الأصيل يعرفه أهله ويعرفون منطلقاته ومضامينه وأهدافه وغاياته ولذلك فكلما كان الفهم أصيلا وعميقا كلما كان ذلك صمام أمان للمسار كله وكلما اهتز الفهم أو نقص أو قصر أو تعلق بالهوى كلما زادت مساحة خطر الانحراف المحدقة بأصحاب الأفكار وأصحاب الرسالات ولذلك فالأصالة حصن ومرجعية وهي فكرة متكاملة ونظام شامل ينقله الأمناء من عالم التجريد إلى عالم الواقع ويرتبط من في قلبه مرض بخيال الفكرة ويتمنى على الله الأماني.
والتجديد روح ينقل تلك الأصالة إلى ظروف جديدة تتأقلم معها وتلبس ثوبها دون أن تغير من قيمها ومبادئها شيئا وهو المقصد من عنوان التغيير في فكرتكم وحركتكم ومساركم ورايتكم الجديدة هي عنوان لذلك حيث تتجدد الهياكل والأساليب والوسائل بما يتناسب مع حفظ الأصالة في الظروف الطارئة والأحوال المتجددة وهو ما يزيد من جمال الفكرة ورونق الرسالة وحلاوة العمل الذي يعيش على غذاء الأخوة والتضحية والتجرد والوفاء وأفضلية الجماعة على غيرها إن على مستوى المشروعية أو على مستوى الانتماء أو برامج العمل وقد يستهجن الكثير من الناس هذه الخطوات الجديدة غير أنهم سيحتاجون بالتأكيد إلى زمن لكي يقفوا على ضرورة هذه الخطوات شريطة أن يثبت عليها أصحابها ويستمر نجاحها وتؤتي أكلها الذي ليس هو نتيجة يختص بها المنتمون، بل هي كالغيث ينفع من ينزل عليه وهي كالشمس تضيء على كل الخلق ولا يضرها من خالفها أو عاداها.
وقفات مع آية:(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم)
إن آية التغيير هذه تؤكد على معنى وقيمة وضرورة التغيير وتضع التغيير صنفان:
تغيير عام: وهو الذي تكفل الله به بإخراج ما بالقوم وما بالجماعة وما بالتنظيمات وما بالمؤسسات من حال إلى حال ولكنه وضع له شرطا لازما هو حصول التغيير من أنفس القوم ولأن النفس حالة فردية فإن مكونات المجموعة من الأفراد ضرورية في عملية التغيير ولأننا نريد التغيير المرتبط بالربانية والحق والتزكية والمشروعية فإنه يجب أن نتأكد أنه ليس غير الله يعطينا هذا التغيير الذي ينقلنا إلى مستويات الرسالة والتمكين والقبول ولكن هذا مستوى الإيمان واليقين وفهم سنن الكون وقوانين الحياة وأما الوظائف والأدوار والتكاليف والأعباء فتنصب في اتجاه آخر هو تغييرنا ما بالنفس.
التغيير الخاص مسؤوليتك "أنت":
وهو معنى حتى يغيروا ما بأنفسهم أي أن واجب التغيير متعلق بك أنت ووظيفة التغيير متعلقة بك أنت وأدوات القيام بهذه الوظيفة موجودة في حوزتك أنت، فابدأ بالتغيير إذا أردت التغيير ومشروعنا قائم على أساس تربوي يبدأ بتغيير النفس ويستمر بتغييرها ويحفظ بتجديد مستمر لعملية التغيير النفسي فينا قبل غيرنا وعندما يعم التغيير ويكثر حاملوا رسالته وينتظمون في عقد مصفوف وبنيان مرصوص ويشكلون صفا ربانيا قوامه الثقة والصدق والطاعة يكونون بذلك قد وفروا الشروط القدرية ووضعوا الأسس التي ترتفع عليها عملية التغيير العامة.
رسالة رمضان دعوة وتغيير:
ورمضان الذي نستقبله هذه الأيام حري أن يكون وعاءا زمنيا للتغيير في كل المجالات وأن نجعل خصوصيته في حركة الدعوة والتغيير تتعلق بعنوان كبير وهو:"أبناؤنا سمة في وجوهنا"، فنبذل جهدا خاصا في وقاية النفس والأقربين وعلى رأسهم الأبناء من كل ما يتعارض مع الرسالة والفكرة وشرف الغاية ونبل الوسيلة فإن تكدير الدعوات يبدأ صغيرا وفرديا ثم يتحول إلى ظاهرة تهدد ميراث الدعوة بأكمله وهو الذي إذا لم يحمله أبناؤنا ضيعه أبناء الآخرين فلا تتركوا هذا الإرث محل تلاعب للآخر أو استهانة منكم فإن مضيعة الرسالات تبدأ من ضياع المحيط المقرب لقادتها والقائمين عليها.
فاللهم بلغنا رمضان، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
مصطفى بلمهدي
رئيس حركة الدعوة والتغيير
أيها الأحبة في الله
تحية طيبة فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته كل من موقعه وباسمه الخاص وبعد..
فإن الحمد لله إليكم على تمام النعمة والمنة من الله تعالى في القيام بأمن الدعوة والنهوض بأعبائها، وإعداد الهياكل اللازمة للعمل الجماعي والشورى الضامنة لصحة المسار والعزيمة التي تنهض بتكاليف التربية والدعوة والتغيير وأهنئكم بنجاح أعمالكم المتعددة على مستوى الذات والجماعة والمنهج والمشروع، حيث أعدتم بناء الأسرة وترتيب الأفراد وتحديد الواجبات والالتزامات، وإنشائكم لمجالس الشورى واختتام التنفيذ، وضربتم مثلا رائعا في الاحتفال بذكرى الشيخ المؤسس محفوظ نحناح عبر العودة إلى نهجه وبعث تراثه وأفكاره وإحياء منهجه بين الناس.
كما أهنئكم لكثرة الإقبال الشعبي عليكم واستمرار الانخراط في حركتكم التي بدأ إقبال الناس عليها أنكم تعبرون عن طموح شعبكم وتمثلون الأمل له وتشكلون مجالا واسعا لثقته، قبلتم تلك الثقة الغالية التي هي مدار العمل وأمنية الرأي العام الذي أقبل علينا على غير مصلحة دنيوية وإنما هو الحب والثقة في تلك القيم التي أعلنتموها للناس وافتقدها الناس عند غيركم، وأهمها روح الحب والصفاء والصدق بينكم وإيثار الحق على الباطل، وإعلاء الولاء للفكر على الولاءات الموروثة الأخرى لأن ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
ولقد أظهرت روح التوافق التي اتخذتموها أسلوبا وخيارا لإدارة شؤون الحركة شجاعة كبيرة في تجاوز سلبيات الماضي وطموحات الاحتكام الذي يغلب فيه طرف عن طرفا آخر، ذلك أن كل واحد منكم هو أخاه عينه الذي لا يناديه أنت وإنما يخاطبه بـ "أنا" وكأنه أمام المرآة.
أيها الإخوان
والقدوة دعوة ولا يمكن أن يصلح شأن الدعوة بغير القدوة، والقدوة هي منهج إصلاح وليست ادعاء وتبني، فليس من يظهر العبوس هو أهل الصلاح ولكن من يحسن إدخال السرور على قلوب الناس ويبش في وجوههم دون أن يستحي من الخلق فيضيع الحق أو يغفل عنه أو يتنازل عنه أو عن بعضه.
وإن إصلاح النفس أيضا ليس بالانتماء فقط بل هو بذل الجهد في العمل والتقويم والمجاهدة والتخلص من جوانب الهمم المنحطة، وإعلاء الطموح نحو الغاية الكبرى وإقامة النفس في محراب الإيمان ومنبر الدعوة وحلقة الدرس ومواطن الزكاة وبين طيات الصحائف والكتب وطبقات الدعاة وأهل العلم والسبق والتجربة ومتابعة أخبار الواقع وتحولات شؤون الأمم والحركات وتحسس أحوال الواقع المحيط بنا والدخول إلى المفاصل الحساسة فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.
وإن ذلك كله لا يأتي اعتباطا بل لابد من منهجية تلزمنا بإصلاح أنفسنا بداية من الصف الأول في صلوات الفجر والعشاء إلى بناء الفكر وترتيب العقل وتحصيل الحد الأدنى من أدوات التوجيه والمشاركة الإيجابية في صناعة الدعوة والتغيير في محيط لم يعد بدائيا ولا بسيطا وإنما زاد تعقيده يوما بعد يوم، فقد أصبح من العسير أن نقوده إن ، تكن في مستوى حقل العمل كما يقول مالك بن نبي رحمه الله.
أيها الإخوان
إن القدوة مراتب، فالقدوة في مواقف ومواقع الجندية تختلف عن القدوة في مواقع القيادة والقدوة في حال التأسيس والبناء صعبة وفي إعادته أصعب ولكن عزائم الرجال تصهر الصعب وتذلل العقبات ولذلك لا بد لها من تضافر القدوة في القيادة والقاعدة، فقد سأل أحد المتقاعسين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لم كثرت الفتن في زمنه ولم تكن في زمن أبي بكر وعمر؟ فقال الخليفة علي رضي الله عنه: "أولئك كانوا أمراء على أمثالي وأنا صرت أميرا على مثلك"، وقد أُثر أيضا عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: "لو استقمت لاستقامت رعيتك" وهو يخاطب أحد ولاته.
وإننا اليوم أمام موسم تفرغ للعمل الدعوي ولا أقول موسم العطل لأن راحتكم على سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم "أرحنا بها يا بلال" وظهور المطايا راحة السائرين، ولذلك أوصي نفسي وإياكم بترتيب أوراد الحفظ والذكر والقراءة والزيارة والمتابعة والنصيحة والمشورة وملء أوقاتكم بالأعمال "فمن لم يشغل نفسه بالعمل شغلته بالتكاسل. ومن لم يشغلها بالحق شغلته بالباطل ومن لم يدربها على طاعة الله روضته على طاعتها وتلبية شهواتها".
ادع غيرك .. ادع غيرك..
و"لأن يهدين الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم"، والسواد لا يكثر اعتباطا وإنما بتراكم الأعمال فما سالت أودية إلا من حبات القطر، وما أضاءت الأنوار إلا من صغير الشرر. وفي قول إبراهيم بن أدهم عبرة وهو يصحح مفهوم أحد مريديه الذي عاد من سفر يطلب به رزقا بعد أن رأى طائرا كسيحا في مغارة قد صرف الله له طيرا سليما يأتيه بالطعام، فظن أن الرزق مكفول فلم السعي؟ فقال له شيخه:"كن أنت المُطعم ولا تكن الطاعم".
ونحن نحتاج إلى الدعوة خدمة لديننا ولمنهجنا ووطننا فلا يصلح أمر الأمة إلا بالإكثار من أهل الخير وهو مطلب المرحلة الذي يتطلب همة للدعاة تتجسد فتكثر بها مؤسسات الدعوة وجماعيتها التي يؤوب إلى ظلها الحيارى وتؤطر جهود العاملين، لأن عملنا ليس عملا فرديا بل منظومة جماعية تهدف إلى التمكين والاستمرار وتقوم على خدمة الدعوة من أجل التغيير الموصل إلى الأهداف التي رسمها المؤسس واجتمعتم على تحقيقها وأنتم تعلمون مفاوز الطريق ووحشة السبل لولا أن أنار الله لنا المسار بأنوار الفهم والإخلاص والتجرد وأعاننا على لأوائه بالأخوة والثقة والعمل والتضحية وجعل تنافسنا في الثبات والطاعة والمجاهدة وهي القيم التي ندعو إليها الناس ونجتمع معهم على أساسها ولنا ولهم الأجر عند الله فلا نبغي من الناس جزاء ولا شكورا.
جمعية الدعوة والتغيير أول الطريق
أيها الإخوان
لقد أعلن مجلس شوراكم الموقر عن تأسيس جمعية الدعوة والتغيير لتكون أول الطريق في منظومة "ادع غيرك".. وهي بكم وفيكم ستكون إن شاء الله قدوة في العمل الدعوي المتكامل الذي تداعينا للقيام به والاجتماع على التعاون فيه، وهي المؤسسة التي تحمل مشعل الفكر والعلم والدعوة والتغيير بسواعد أبنائها وبناتها من رفقاء الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله والسائرين على دربه، وعملها بذلك لا يقتصر على ناحية من مناحي العمل أو جزئية من جزئيات الدين، بل هي انطلاقة رائدة في الشأن الدعوي وأبوابها مفتوحة للصالحين والمصلحين وهي بذلك ستكون منبرا معليا للحق مفتوحا لمن له الإرادة والاستعداد للمساهمة من خدمة الأمة والنهوض بها على شاكلة الشيخ المؤسس محفوظ نحناح رحمه الله، فلا تقصروها على شريحة من الشرائح أو جانبا من الأعمال أو فترة مؤقتة ولا تبتعدوا بها عن طريق جوهرها الذي أنشئت من أجله ولا تتركوا الآخرين يقرءونها حسب أهوائهم بل انتقلوا بها إليهم واشرحوا لهم غايتها وأبينوا لهم عن قوة فكرتها ووحدة صفها وتماسك رجالها ووضوح أولوياتها.
واحرصوا على أن تصدق أعمالكم أقوالكم فلا خير في قول لا يسنده ويصدقه العمل، ذلك أننا في هذه الجمعية نريد أن تكون إضافة إيجابية لمجتمعنا ووطننا وأمتنا إضافة ترتبط بالشباب من جهة وبالثوابت من جهة أخرى، تستدعي التاريخ لخدمة المستقبل، وتعيش العصر بروح الحفاظ على الأصالة. وإذا كان هذا أول الطريق فإن للطريق وسطه وآخره حسبما تقتضيه الظروف وتتطلبه المصلحة الكبرى والعامة، ولكن لكل مقام مقال ولكل آن حال ولا يمكن تجاهل فكرة آن أوانها ولكن لا يصح ألا تكون الولادات القيصرية أصلا في طريق الدعاة لأن ذلك فعل المتاجرين وليس فعل الحكماء.
أيها الإخوان
إننا في شهر جويلية الذي نعتز فيه بأن منّ الله علينا بيوم عـزٍّ محَا عنّا به ألم الذكرى التي ارتبطت باحتلال بلدنا العزيز ذات يوم من عام 1830 ليطلع فجـر 5 جويلية ويشرق نوره فيزيل ظلام الاستعمار ويحيي أرض المليون من الشهداء حياة طيبة، ولكن تبقى فرحة الاستقلال منقوصة في قلوبنا ما لم تتحرر الأرض المباركة أرض فلسطين التي هي شقيقة الجزائر وأختها، وحريتها من حريتنا وعزتها من عزتنا.
ولكن حري بنا أن يكون لهذا الوطن في قلوبنا المكانة الأعلى والمثل الأسمى، وأن تعملوا على ربط الشباب بالثوابت الوطنية ونشر القيم الوطنية في أوساط المجتمع وإحياء الحرص على البناء والإيجابية والتنمية لدى الشباب ولبعث الثقة في وطنهم داخل قيمهم وقلوبهم وأفكارهم وكل ذلك مضنة أن نساهم في حماية إرث الشهداء واستمرار منهجية الروح البناءة التي تركها لنا الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، وإنكم إن شاء الله لذلك لحفظة وعليه لأمناء.
ومن الأمانة والوفاء أن يواصل شباب الاستقلال مسيرة شباب التحرير وهو بذلك جديـر.
وان كثيرا من الجهات يزعجها دوركم الايجابي غيرة منكم أو حسدا من عند أنفسهم فتعمل على عرقلة جهودكم أو تحريف وجهتكم أو وضع المعطلات في طريقكم لتلبيس الحق بالباطل أو التدليس على السائلين أو جذبهم نحو التقاعس متخذين في ذلك أشكالا وصور بين شهوات مثيرة أو شبه مشوشة أو تخويف بالذين من دونه أو تعجيز عن القيام بالمهمات الكبرى آو التلويح بسراب يشبه الحقائق ولكنه لا يتعدى أن يكون فجرا كاذبا يصدق فيه قول الله تعالى "أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الضمان ماءا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه" ولذلك فلا تلتفوا لغير أعمالكم ولا تنظروا إلا أمامكم فان كثرة الالتفات مشغلة للعقل وصارفة للعزم ومبطلة للأعمال " ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات "
أحييكم تحية الشهر بعد السلام لأقول لكم مذكرا نفسي وإياكم بقول الله تعالى: (وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) لتكون شعارا للشهر الذي نحيي فيه ذكرى الرجل العظيم الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، الذي أفنى ما آتاه الله في خدمة الدعوة وبناء الرجال، وحماية الأرض والعرض، ونشر الإسلام، وتجديد طرائق العمل الإسلامي، وفتح الآفاق الجديدة أمامه، ونقل الدعوة إلى مساحات جديدة لم تكن في حسبان الكثير من الدعاة، وبذلك أبدع في أساليب التغيير وحمى المغيرين من أخلاق المتردية والنطيحة وما أكل السبع وأسس بذلك مدرسة متميزة للدعاة أخذت على عاتقها أن تشق الطريق في وسط أمواج هادرة، وأشواك واخزة ومنعرجات تيه لا يستطيع عبورها إلا العارفون وعبرها بنا جميعا رغم قلة السالكين وكثرة السبل المتفرقة فاستقامت لنا منهجية السير وكنا جميعا حسنة من حسناته يرحمه الله ويعيننا على ألا ننسى فضله.
إحتفاليات الشيخ محفوظ نحناح قيم لا مقامات
أيها الإخوان
لقد عزمت حركة الدعوة والتغيير أن تجعل هذا الشهر فضاء زمنيا لإحياء ذكرى الشيخ المؤسس الراحل محفوظ نحناح والوفاء يستوجب أن نتواصى بإحياء هذه الذكرى بأعمال القلوب قبل أعمال الجوارح لأن أعمال هذه الذكرى هي بالأساس صدقة جارية على صاحب الذكرى ثم هي قربات نتقرب بها إلى الله ونحيي بها منهجا في الدعوة إلى الله، ونستحضر القدوة في أعمال ذلك الرمز الذي تركنا على هدى من الدعوة والأخوة والتضحية والتجرد وإيثار الحق على الخلق، ولذلك فإني أوصيكم ونفسي بأولوية الإخلاص والصدق وتحرير الإرادة لله ثم إعلاء أعمال الدعوة على غيرها والجماعة على الذات والوطن على ما سواه وذلك هو سمت الدعاة الحق.
وإن من حوّل تعاليم القرآن والسنة إلى سلوك ملتزم فهو داعية قدوة في ذلك ومن خالف سلوك هذه التعاليم فقد أبى أن يكون داعية بل أصبح مدعيا فإذا فعل الأولى كان شاهدا على الناس وإذا فعل الثانية كان الناس شهداء عليه سلبا.
وإن القلوب إذا لم يعتنى بها تمرض بأمراض شتّى داخل الجماعة وتؤثر في تماسك الصف وسمته كما تؤثر قنوات تصريف المياه القذرة في قنوات المياه الطاهرة عندما تكون بجوارها ولا يظهر تلوثها إلا عندما يصبح وباء.
والمحضن التربوي هو الوقاية التي تحافظ على سلامة القلوب وطهارتها التي هي أدنى درجة الأخوة كما عبر عنها الإمام المؤسس.
وأمراض القلوب هي الحالقة التي تحلق الحب في الله والأخوة في الله وتقطع أوصال الجسد الواحد وتصدع البنيان المرصوص وتفرق بين المعتصمين بحبل الله وتوصل الجماعة إلى التنازع المؤدي إلى الفشل وقد نهانا الله عز وجل عن التنازع الذي يفشل ويذهب الريح التي ترعب العدو من مسيرة شهر.
وإن الحياة بلا التزام حياة ضائعة عبثية فوضوية تحول الصف إلى غثائية كغثاء السبل كما جاء في الحديث الشريف. من أجل هذا الالتزام، أيها الأخ وأيتها الأخت، أرسل الله إنذاره وتبشيره إلى نساء النبي أمهات المؤمنين ومن ورائهم كل النساء والرجال (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً) الأحزاب 30-31.
فلماذا أيها الأخ وأيتها الأخت يضاعف لهن الأجر والعذاب؟ لموقعهن من النبي صلى الله عليه وسلم وانتمائهن لبيت النبوة بيت القدوة والدعوة.
يا أتباع الشيخ محفوظ السائرين على دربه كلكم دعاة وبالتزامكم تحملون رسالة الإسلام، وتبلغون عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما تعلمتموه.
أيها الإخوان
لقد أسسنا معا حركة الدعوة والتغيير لتكون ربانية، ولكن الربانية ليست شعارا فقط وإنما التزام وعمل، وكل من انتمى إلى الحركة انتمى لهذا السبب ويحيا في كنف الحركة حياة ربانية بالتفكير والقول والعمل وفقا لمنهج الله وبذلك نحوم حول الصحابة نتأسى بهم كما تقول أدبياتنا.
والعهد الذي بيننا هو طاعة الله والإخلاص لوجهه الكريم وليس لوجه أحد غيره، والقائد عندنا وسيله لطاعة الله وهو غير معصوم فإذا أخطأ أو انحرف ننصحه ونقومه كما أعلن ذلك خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وإذا أصر على خطئه فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالعهد ارتباط بالله عن طريق القيادة ما دامت القيادة مرتبطة بالله، ويبقى العهد مع الله مستمرا في كل الحالات.
وبحسن الالتزام يتضاعف الأجر وبإساءته يتضاعف الإثم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"، فمن يغرس غرسا يأكل منه إنسان أو حيوان ليس كالذي يحفر حفرة في طريق الناس ليسقط فيها الإنسان والحيوان.
وكما يتضاعف الأجر والإثم في الأراضي المقدسة بسبب الموقع والموضع فكذلك الداعية الملتزم ليس كباقي الناس في حال الالتزام ومخالفته، ومواقع القيادات في قمة هرم الحركة ليست على درجة واحدة مع باقي أفرادها في قاعدة الهرم.
أيها الإخوان
لقد كانت رسالة الشيخ الدائمة هي السير إلى الأمام وعدم الالتفات إلى أي صيحة، لأن الالتفات إلى الصيحات هي صفات الذين لا يتقون الله في غايتهم، ولا في أنفسهم أو جماعتهم، ولذلك كان الشيخ رحمه الله حريصا على أن تنقى الصفوف منهم أو يطهرون من الأمراض المناقضة للغاية، فلا يكون في مرحلة البناء والتأسيس معلول الغاية مريض القلب كثير التردد سماع لكل ناعق، ففي مرحلة البناء توضع الأسس على العزائم الثابتة والقواعد الصلبة والقادة الذين فهموا أن الله استعملهم في سيبله وأدركوا مرادهم من الطريق إلى الله الذي هو غايتنا الكبرى وليس على الذين قال فيهم الله تعالى:(يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) أو الذين قال فيهم:(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ) المائدة 52.
ولذلك أيها الإخوان لقد حددنا الغاية وانطلقنا في المسير ووضح لنا الحادي واستوثقتا من أصل الشجرة الذي نعض عليه بالنواجذ واختار غيرنا سبلا لهم فكونوا انتم أصحاب الشجرة ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، وألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول فلا تكن العواطف حكما على القيم ولكن خادمة لها تدفعها لمزيد من الإبداع ولا يلهيكم بريق أضواء الخيال عن اكتشاف الحقائق في وسطها فهي زاهية براقة ولكن الحقيقة ليست هي بريق الأضواء ونداء الأهواء أو شطحات الخيال وأماني العاجزين المتدثرين بالأسماء والمقصرين في حق المسميات الملتفين عن التزاماتها وحقوقها.
أيها الإخوان
إن عصمة الأمر كله في تقوى الله والتجرد له من كل شيء، وعصمة الجماعة في الحب في الله صدقا وحقا، وعصمة العمل في الشورى الملزمة والطاعة التعبدية لدى كل واحد منا لمن عليه حق الشورى والطاعة والثبات وحسن القدوة والإحسان في الاقتداء وانتظار النصر بعد ذلك من الله العزيز الحميد.
والله أكبر ولله الحمد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال تعالى:(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ، وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً، إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً، إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً، وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق