18 أبريل 2010

الكلمة الافتتاحـية لملتقـى المــرأة السنـوي لفضيلة رئيس الحركة الشيخ مصطفى بلمهدي


بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الافتتاحـية لملتقـى المــرأة السنـوي
لفضيلة رئيس الحركة الشيخ مصطفى بلمهدي
الجزائر يوم: الجمعة 02 جمادى الأولى 1431هـ الموافق 16 أبريل 2010م.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
السادة الحضور الأخوات والإخوة مع حفظ الألقاب،
أحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وأسأل الله أن يبارك في هذا الملتقى النسوي الذي تعقده الأخوات في حركة الدعوة والتغيير في ظرف تاريخي معبر ومرحلة دقيقة في عمر جزائر اليوم التي تخرج من عنق الزجاجة -الأزمة- وتتجه نحو إصلاح وطني وإعادة تموقع في الساحة الدولية والإقليمية التي أصبحت مواقعها محجوزة إلاّ ما ندر.
وإذا كنا اليوم نعقد هذا اللقاء الخاص بالقسم النسوي في الحركة والذي تحضره إطارات الحركة النسوية المشتغلة بالدعوة والعمل الاجتماعي والطفولة والأسرة والتربية والحضانة وترقية الأدوار المؤثرة في الإصلاح الاجتماعي فإن هذا الملتقى هو بمثابة التكريم لأخواتنا العاملات في الميدان من جهة وتثمين مجهودهن ومن خلالهن نعتبر هذا الملتقى تكريما لكل النساء الجزائريات اللائي يواصلن إبقاء المشعل الذي أضاءته المرأة الجزائرية عبر مختلف الحقب مشعلا مضيئا ومرتفعا من جيل إلى جيل.
كما نعتبر هذا الملتقى من جهة أخرى هو إحياء لسنة نبوية غائبة عن الحس العام ألا وهي سنة تكريم المرأة استجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم"، وحركة الدعوة والتغيير حركة كريمة أصلها ثابت وفرعها في السماء وتنهل من المنهل الصافي الذي لا شوائب فيه ولا تكدره كثرة الدلاء.
أيها السادة،
نودّ أولا أن نقف أمام هذه الذكرى العظيمة ذكرى يوم العلم لنقول بأن رسالتنا الأساسية اليوم هي أن نحقق العلم وأن نرتقي بالعلم لأن مشكلاتنا اليوم هي أننا أصبحنا في حالة غُيّب فيها العلم فحلّ محله الجهل واتخذ الناس بذلك مراجع لا تحوز العلم الكافي أو لا تعلم أصلا ولكنها تتصدر للتوجيه والفتوى في مختلف المسائل فتحصل بذلك آثار سلبية على الدولة والمجتمع، وقد رأينا ما جرّه ذلك الجهل علينا من أزمات كادت تعصف بكيان الدولة أصلا خلال العقدين الأخيرين من الزمن لولا أن سلم الله.
وإذا أردنا اليوم ألا تتكرر مثل تلك المآسي فإن الواجب على الدولة أولا وعلى كل القوى الحية ثانيا أن تولي العلم قدره وتعطيه قيمته حتى تخرج من حال الجهل الذي أصبح في الحقيقة مظهرا واضحا في كثير من الشؤون ولعل ذلك الجهل هو الذي انتهى بنا إلى الفساد الكبير الذي بدأ يعصف بالعديد من مجالات العمل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها حتى أصبح لدينا الجهل السياسي والجهل الاقتصادي والجهل الاجتماعي بل تحول هذا الجهل إلى جهالة يلح معها أصحابها على تبرير الأخطاء والانتصار للغلط والاعتزاز بالرأي والهوى، إذ أن غياب العلم هو غياب الخوف من الله، وغياب الخوف من الله هو سبب الكوارث، ولذلك نبهنا الله إلى الدور الذي يلعبه العلم في حماية الأمة من خلال توفيره للخشية العاصمة للإنسان من الوقوع في المعاصي الفردية أو العامة، حيث قال عز من قائل:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) فاطر28.
كما نود أن نقف أمام عظمة صاحب الذكرى –ونحن في يوم العلم- الإمام ابن باديس الرجل الصالح المصلح الذي وضع لنا القاعدة الذهبية في الوطنية عندما قال لو قالت لي فرنسا قل لا إله إلا الله لما قلتها، والذي حدد لنا مساحة أمان مستقبل الجزائر عندما قال: "شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب". والذي ترك الثلاثية الرائدة: الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا. لنقول للناس اليوم أننا على مذهب ابن باديس وإحياؤنا لذكراه ليست عملا احتفاليا ولكن وقفة التزام وعمل بالمبادئ التي تركها، ندعو إليها ونحرص على تجسيدها في أرض الواقع فالجزائر تحررت أرضا ولم تتحرر لغة.
وإننا نعمل على تطبيق ذلك القول الرائع للإمام ابن باديس: "المرأة نصف المجتمع وصانعة النصف الآخر".
واعتقادا منا بأن الإصلاحات المختلفة إذا ركزت على المرأة كانت المرأة هي ضمان نجاح الإصلاحات وقوتها الحقيقة.
أيها السادة الحضور،
إن المرأة في الحالة العادية كنا نقول عنها الأم والأخت والابنة والزوجة، ولكننا نراها اليوم تعاني معاناة كبيرة في المجتمع تحولها إلى حالة أخرى أصبحت فيها: أرملة أو أما عازبة ومطلقة وعانسا وجزء من الجريمة المنظمة وحقلا لها ويدا عاملة رخيصة...إلخ. وغيرها من الأشكال التي لا تليق بحرمتها وكرامتها خصوصا عندما تصبح الأعداد والإحصائيات تتحدث عن عشرات إن لم نقل مئات الآلاف من الحالات في المدن والقرى وحتى الأرياف وهو ما يدعونا اليوم إلى:
• إطلاق دعوة واضحة إلى ترقية الإصلاحات الخاصة بالمرأة وإخراجها من ثنائية الرجل والمرأة وحقوق الرجل والمرأة إلى منظومة التكامل بينهما في خلية المجتمع الأساسية.
• ندعو إلى إصلاحات تمس عمق الأسرة الجزائرية لتضمن مستقبلا آمنا للبلاد لأن إصلاح الأسرة والاهتمام بشؤونها واحتياجات التربية والتكوين لمكوناتها هو نقطة ارتكاز جادة للإصلاحات الاجتماعية ولابد للدولة وللقوى المجتمعية من تحويل هذه الإصلاحات إلى أشكال مادية وبرامج عمل طويلة المدى حتى نتحدث عن الانخراط الحقيقي في متطلبات العصر ونحصن أنفسنا من الضغوطات الخارجية الوافدة التي تعرض علينا في كل مرة نقاشا جديدا تحت عنوان "يجوز أو لا يجوز".
• كما أننا ندعو إلى إنشاء صندوق العنوسة الذي يتكفل بالزواج ويؤمن للشباب والشابات الزواج الكريم وأن يدخل هذا الصندوق ضمن برامج الدولة المتعلقة بالتضامن أو المتعلقة بقضايا الأسرة.
• كما ندعو إلى إنشاء صندوق إصلاح الأسرة الجزائرية، الذي يتكفل بالاحتياجات الإصلاحية للأسرة بدل الدخول في برامج غير مدروسة يضيع معها المال العام في كل مرة.
• وإننا إذ ندعو إلى هذه الصناديق نؤكد اليوم أن للأسرة الجزائرية تقاليدها الأصلية العريقة والتي ظلت مرتبطة بالدين الإسلامي الحنيف وتعاليمه السمحة، فلا ينبغي أن تخرج عملية الإصلاحات أو تتضارب مع قيم وتقاليد هذه الأصالة في الأسرة الجزائرية التي هي بيئة المسؤولين عن هذه الإصلاحات أيضا.

أيها الحضور،
إننا في هذا الملتقى أيضا مدعوون إلى تقديم مقترحات جادة وخلاصة للعصر الذهني لإطارات الحركة النسوية حول مختلف القضايا الوطنية التي تشهدها الساحة.
- وإن أول هذه القضايا قضية اللغة العربية التي تطمح دائما إلى إيلائها القيمة الحضارية والدستورية اللائقة بها.
- وقضية الحجاب الذي لا يعتبر قضية ثانوية، بل هو رمز للعفة والأخلاق والصلاح وأحد الواجبات الدينية للمرأة الجزائرية التي عندما أرادت فرنسا أن تسلخها عن دينها سلختها عن الحجاب بمشروع قسنطينة الذي تمردت فيه المنسلخات بحرق حجابها أمام الملأ بتشجيع من الإدارة الفرنسية، وعندما ردت المرأة الجزائرية الحرة على الاستعمار ردت عليه بحجابها (القنبوز) الذي علمت معه فرنسا يومها أنها لن تستمر في استعمار الجزائر التي لا يزال فيها وريثات لالا فاطمة نسومر.
- وقضية اشتراك المرأة شراكة حقيقية في البناء الوطني، فنحن لا نتصدق على المرأة بهذه الشراكة وإنما هو حقها الاجتماعي والقانوني والسياسي، ولذلك فإننا نحرص على أن تتلاءم التصريحات والنصوص مع الواقع وأن يكون للمرأة مقامها الكريم في المسؤولية وإدارة الشأن العام والحضور الانتخابي، وغيره ضمن إطار المبادئ الإسلامية الذي خلده شهداء التحريـر في نداء التحرير أمانة في عنق جيـل التعمير.

شكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليست هناك تعليقات: