31 أغسطس 2009

يُريدُ الله بكم اليُسْـــر..


الدكتور عصام العريان



يأتى صوم رمضان هذا العام والأعوام التى تليه فى صيف حار ويصحبه عطش شديد وإرهاق متوقع مما يجعل فريضة الصوم للصائمين حقاً والعاملين الجادين مختلفة عما سبقها من أعوام فالنهار طويل والشمس حارقة والليل قصير والعرق غزير يصوم العبد ما بين 14 الى 16 ساعة تقريبا.ويتساءل البعض عن حكمة الصوم فى مثل هذا الجو القائظ ولماذا جعل الله شعائر الإسلام مرتبطة بالتقويم الهجرى، ويعلو التساؤل أخيراً ليبحث : أين اليُسر فى الصوم ؟ وقد كرر الله مرتين فى آيات الصيام (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(البقرة: من الآية185) ؟.الصوم تدريب للنفس على قوة الإرادة ومُضاء العزيمة، وتغيير السلوك، وعدم الخضوع للعادات الرتيبة أو المطالب الدنيوية أو الغرائز الجسدية ولو كانت حلالاً صرفاً فما بالك بالابتعاد عن الحرام أو المكروه ؟.هى فريضة يريد الله منها ان يتعود المرء على ترك العادات وان يتحول فى حياته كلها كما تحول من المعصية الى الطاعة وان يهجر ما ألفه الى غير المألوفات وأن يزداد من الطاعات وألا يقف فى سيره الى الله تعالى عند حد.وقد ربط الله تعالى شعائر الإسلام بمولد القمر وتدرجه وهو من المشاهد التى يرتبط بها الإنسان فى يومه وأسبوعه وشهره وسنته، ليعلم المسلم أنّ خالق هذا الكون ومدبره والقيوم على كل ما فيه الذى يدير الفلك ويدبّر أمر السماوات والأرض هو الذى يأمره ونطيعه وهو صاحب الأمر والنهى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)(لأعراف: من الآية54) .ولذلك كان حديث النبى (صلى الله عليه وسلم) “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته” .أما السؤال عن اليُسر فى شريعة الصوم فإن الحديث عنه يطول وله تفصيل .. ولكننا نوجزه فى تلك الاشارات:أولاً: أخبر لله المسلمين عندما فرض عليهم الصيام أنّ كل الأمم من قبلهم صامت لله رب العالمين، وبذلك فهم يسيرون على طريق ودرب المتقين.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183) .فلم يكلفهم الله ما لا طاقة لهم به ولم يفرض عليهم إصرا ولم يكلفهم عنتا.ولكنّ صيام المسلمين أكثر يُسراً وأقوى تأثيراً لأنه خاتم الشرائع السماوية وبه اكتملت كلمة الله للخلق أجمعين، فهوفريضة محكمة وركن من أركان الدين، يصومه كل المسلمين، مجتمعين فى شهر واحد ليكون أقوى تأثيراً فى النفوس وأدعى للاجتماع على الطاعة.ثانياً: بيّن الله تعالى أن الصوم لأيام معدودات، فهو ثلاثون يوماً سرعان ما تنقضى ، شهر واحد من اثنى عشر شهراً فى العام قد يكون مرهقاً فى أيامه الأولى فقط وبعد انقضاء 3 – 5 أيام يصبح معتاداً للنفس، ولحكمة الصوم لا يستمر إلا أيام معدودة ثلاثون أو 29 ثم يعود المرء إلى سيرته الأولى ليحقق الصوم حكمته فى النفوس ويكون تدريبا لبقية العام.ثالثاً: فرض الله الصوم على البالغ العاقل الصحيح المقيم، ورخّص الله بالفطر للمسافر والمريض الذى يُرجى برؤه والحائض والحامل والنفساء (التى ولدت حديثاً) على أن يقضوا أيام فطرهم بعد رمضان تيسيراً لهم ورفعاً للحرج والمشقة عنهم ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر)(البقرة: من الآية184)أما المريض الذى لا يُرجى برؤه ( أى شفاؤه ) وكذلك الشيخ المسن والعجوز والذين لا يطيقون الصوم لأعمالهم الشاقة جداً فهؤلاء أباح الله لهم الفطر على أن يقدموا فدية مكان أيام صومهم.. ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )(البقرة: من الآية184).رابعاً: جاءت ساعات الصيام فى اليوم والليلة معتدلة، فنهار الصائم من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس،ساعات محددّة بدقة لا يخطئها إنسان لتحقيق حكمة الصوم ويسره، فلا تمتد إلى منتصف الليل كبعض الملل الأخرى، ولا تقصر ليضعف تأثيرها فى النفس.ورفع الله الحرج عن أمة الإسلام عندما يسّر لهم الأمور بقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)(البقرة: من الآية187) بعد أن كان أحدهم إذا نام دون طعام يكمل صومه إلى اليوم التالى، تيسيراً لهم ورحمة بهم.خامساً: قرن الله شهرالصيام بمنح ربّانية وهدايا إلهية مما يجعل القلوب متعلقة بهذا الشهر الفضيل، تنتظر هلاله من العام إلى العام وتختص به الأمة كلها فى مشارق الأرض ومغاربها.فرمضان شهر القرآن، وشهرالإحسان، وشهر الدعاء، وشهرالقيام لله رب العالمين.وفى رمضان ليلة القدر التى هى خيرُ من ألف شهر، يضاعف الله فيها الثواب ويغمر العباد بفضله وإحسانه.وفى رمضان يُضاعف الأجر للعباد، فالنافلة فيه كفريضة فيما سواه، والفريضة فيه أجرها كأجر سبعين فريضة فيما سواه.لكل ذلك ولغيره من الأٍسباب والحكم تجد اليُسر واضحاً فى شريعة الصيام كما تجده فى الاحكام الفقهية المتعلقة بالصوم، وذلك يتكرر فى كل شرائع الإسلام، فهى الحنيفية السمحة وهى تصديق لحديث رسولنا (صلى الله عليه وسلم) : “إنّ هذا الدين يسر، ولن يُشاد الدين أحدُ إلا غلبه” .وهانحن نرى ملايين المسلمين يصومون رمضان كل عام، منذ فرض الله صيام رمضان من السنةالثانية للهجرة وإلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة مليارات من البشر صاموا لله ويصومون الآن فى يسروسهولة ، بعضهم يصوم تحت وهج الشمس الحارقة أكثر من 16 ساعة يومياً دون إرهاق أو تعب، بل يتلذذون بطاعة الله تعالى.وها نحن نرى صبياناً وصبايا فى عمر العاشرة يتعودن على الصوم من صغرهم حتى يصبح الصوم لهم سهلاً ميسوراً.وهاهى الأبحاث العلمية تتوالى لتبيّن صدق حديث رسول الله(صلى الله عليه وسلم): “صوموا تصحوا” .فيا أيها المسلمون أقبلوا على رمضان بقلوب توّاقة، وعقول مشرقة وتأملوا فى حكمة الصوم وفى سماحة الإسلام وفى تيسير الله للصائمين القائمين.واحذروا أيها الصائمون أن يتحول الصوم عندكم إلى مجرد عادة فيصبح مثل صوم الهنود أو النُسّاك أو الراغبين فى النحافة، بل صومكم صومُ ربّانى فرضه الله تعالى لحكمة بالغة وأحاطه بتيسيرات كثيرة ليقبل المؤمنون على تلك الفريضة عارفين بحكمته تشرق أرواحهم وتؤمن قلوبهم وترتفع أكفهم بالدعاء إلى الله تعالى متضرعرين خاشعين أن يقبل صومهم ويزكّى نفوسهم ويطهّر أرواحهم .الصوم مشقّة ولكنه ليس عقوبة.الصوم مرهق ولكنه لحكمة بالغة .الصوم شاق على النفوس ولكنه يظهر يُسر الإسلام وشريعته.إلى الاحباب خلف الاسواركل عام واتنم وأسركم جميعا بخيرتقبل الله منكم الصبر والصوم والدعاء والقيامإنها خلوة مع الله فاغتنموها ولا تضيعوا منها أى لحظةلقد صمت لله عشرة رمضانات خلف الاسوار كان لها أكبر الاثر فى النفسفرج الله كربكم وتقبل صومكم واستجاب دعائكم
---------------------------------------------

ليست هناك تعليقات: