2 سبتمبر 2009

أولويات التربية الإيمانية في صناعة جيل التغيير



توفيق علي


كانت التربية النبوية والقرآنية تعنى كل الاعتناء بجيل التأسيس، الجيل المرشح لقيادة البشرية، الجيل الذي بجهده وجهاده، يحكم شرع الله، ويقهر حكم الطواغيت،و يقضي على الباطل وأهله.
.

هذا الجيل تربى على الأولويات الآتية:
.
أولاً: العلم والعمل:فقد كان هذا الجيل يتربى على: "التلقي للتنفيذ".
.


1-فهذا أنس بن مالك يقول: كان أبوطلحة أكثر الأنصار مالاً، وكان أحب أمواله بير(حاء). وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي {يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس فلما نزلت: لن تنالوا البر حتى" تنفقوا مما تحبون (آل عمران:92). قال طلحة يا رسول الله، إن الله يقول: لن تنالوا البر حتى" تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلي بير(حاء)، وإنها صدقة لله أرجو بها برها وذخرها عند الله تعالى، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال النبي {: "بخ بخ. ذاك مال رابح. ذاك مال رابح، وقد سمعت، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين" فقال أبو طلحة: أفعل يارسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه (أخرجه الشيخان).
.

2-وفي الصحيحين أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي من سهمي الذي هو بخيبر. فما تأمرني به؟ قال: "احبس المال وسبّل الثمرة".وعلى هذا الدرب سار الكثيرون، فهم يلبون توجيه ربهم الذي هداهم إلى البر كله، يوم هداهم إلى الإسلام، ويتحررون بهذه التلبية من استرقاق المال ومن شح الأنفس ومن حب الذات، ويصعدون في هذا المرتقى السامق الوضيء أحراراً خفافاً طلقاء

* يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "تعلموا قبل أن تسودوا".


* ويقول الإمام البنا: والعمل ثمرة العلم والإخلاص: وقل \عملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى" عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون 105 (التوبة).


* والعمل الصالح ملازم للإيمان، ومصدق له، وهما معاً من أسباب النصر والتمكين في الدنيا، والسعادة والنعيم في الآخرة.


*والعمل في مجال الدعوة إلى الله، من أجل التمكين لدين الله، وإقامة دولة الإسلام، من أفضل مجالات العمل الصالح وأشرفها.


* ومن مجالات العمل إصلاح الفرد نفسه بحيث يكون: "قوي الجسم، متين الخلق مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهداً لنفسه، حريصاً على وقته، منظمًا في شؤونه، نافعاً لغيره".


* ومن صفات أبناء هذا الجيل: أنهم ربطوا مصيرهم ومستقبلهم بهذه الدعوة، ورصدوا حياتهم لها، وروضوا أنفسهم على تحمل المشاق، يسارعون في الخيرات، وهم لها سابقون، يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، أنهم إلى ربهم راجعون، فهم دائماً يتقنون عملهم رجاء القبول، يبتغون وجه الله ولا يراؤون.هذا النموذج الذي ضحى ويضحي من أجل إحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة، هذا النموذج الذي أخرجته دار الأرقم في عصر النبوة، ومدرسة الإمام حسن البنا رضي الله عنه في العصر الحديث.
.


ثانياً: الذاتية:وهي الحافز الذي يدفع الإنسان لأداء عمل معين للوصول إلى غاية محددة، متحملاً كافة الصعاب لتحقيق الهدف، فهي اندفاع من الداعية بمجرد إحساسه أن هذا النمط من الأعمال يحقق نمو شخصيته في شتى الجوانب، ويقوم بعمله هذا دونما تكليف أو متابعة، بل السعي لتحقيق الأجر والمثوبة من الله.جوانب.
.


وأنواع الذاتية
.

-1 الذاتية الإيمانية: قال البخاري: حدثنا أبو نعيم: قال حدثنا مسعر عن زياد: سمعت المغيرة رضي الله عنه يقول: "إن كان النبي ص ليقوم حتى تتورم قدماه أو ساقاه"، فالنبي { قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع ذلك نراه { بهذا الرقي في ممارسة النوافل.موقف سيدنا أبو بكر من الإسراع في دعوة بلال إلى الإسلام ليلاً ولم ينتظر الصباح بعد أن وصلته الدعوة من رسول الله.
.

-2 الذاتية الحركية:موقف الإمام البنا:دُعي رحمه الله لإلقاء محاضرة في بور سعيد وحشد المنظمون للمحاضرة أعداداً كبيرة من الجمهور، وعندما جاء يوم المحاضرة أصابه احتقان شديد في اللوزتين، حيث لم يستطع السفر من الإسماعيلية إلى بور سعيد إلا مضطجعاً لشدة المرض، وقد حذره الطبيب محمود بك صادق من أنه إذا خطب هذه الليلة فإنه سيجني على نفسه.. يقول الإمام حسن البنا عن تلك اللحظات: "ولكن مع هذا صممت على السفر ونزلت من القطار إلى دار الإخوان، وصليت المغرب فيها من قعود للإعياء وانتابتني بعد الصلاة حالة نفسية عجيبة، فقد تصورت سرور الإخوان البورسعيديين بحفلهم هذا، وآمالهم المعلقة عليه، ونقودهم التي أنفقوها من قوتهم من أجله، ودعوتهم التي بذلوا كل الجهد في توجيهها ثم تكون النتيجة اعتذار الخطيب، تصورت هذا فبكيت بحرارة، وأخذت أناجي الله تبارك وتعالى في تأثر عميق واستغراق عجيب إلى وقت صلاة العشاء، فشعرت بشيء من النشاط وصليت العشاء من قيام، وجاء وقت الحفل وافتتح بالقرآن الكريم، ووقفت للخطابة وبدأت وأنا لا أكاد أسمع صوتي، وسرعان ما شعرت بقوة عجيبة وشفاء تام وصفاء في الصوت غريب وارتفاع فيه" من لي بأمثال هذا الداعية في قرية نائية من قرى مالي، التقينا مع داعية من الدعاة يحدوه الهم لتعليم الناس وتبليغ الدين، قام من خلال جهد فردي بإنشاء إذاعة محلية في منزله، هذه الإذاعة يُشغِّلها ويديرها ويقدم برامجها بنفسه، ولا تتجاوز تكلفتها بطارية بقيمة مائة دولار، ويبث من خلال هذه الإذاعة برامج تعليمية وأشرطة قرآن كريم على مدى ساعتين في الصباح، وساعتين في المساء، وحين يسافر يكون قد أعد مجموعة من الأشرطة الصوتية وأناب زوجته بتشغيلها فترة غيابه.ويقبل أهل القرية على سماع هذه الإذاعة ومتابعة برامجها، ويتنظرونها ويتلهفون عليها بشغف.


إن هذا الداعية الذي ربما لم يؤهل تأهيلاً جامعياً ينتج بعمله هذا على المدى الطويل أضعاف ما ينتجه كثير ممن يملك أعلى المؤهلات.وأينما رحلت في المشرق والمغرب ولقيت العديد من شباب الصحوة، فأنت ترى فئات عديدة من الخيرين، وتسمع ما يسرك من الأفكار والآراء، لكن حين تنتقل إلى الواقع العملي وتبحث عما يقدمه هؤلاء فسترى أن العامل قليل.وأمثال هؤلاء ينبغي أن يذُكَّروا بقول الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (3) (الصف).


وحري بالمربين والموجهين أن يُخرِّجوا جيلاً يكون العمل أول ما يفكر فيه، ويدرك أنه إنما يسأل يوم القيامة عما قدم وعمل.وينبغي أن نقدر طاقات الناس وإمكاناتهم، وأن الداعية الناجح هو من يستطيع أن يدفع الناس لأن يعملوا ويقدموا ما يطيقون من جهد وعمل، وأن يتقي كل منهم ربه فيما يستطيع.


-3 الذاتية الاجتماعية: إنها ذاتية الخير التي لم يمنعها كثرة الأعمال وتعدد المسؤوليات.فهذا عمر بن الخطاب يسابق أبا بكر فلم يظفر بسبقه أبداً، فلما علم أنه حاز السبق قال: والله لا أسبقك إلى شيء أبداً.فقد روى عمر رضي الله عنه أنه سمر في بيت أبي بكر مع رسول الله في أمور المسلمين، يقول: "فخرج رسول الله وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد فقام رسول الله يستمع قراءته، فلما كدنا أن نعرفه قال رسول الله: من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد. قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله يقول له: سل تعطه، سل تعطه، قال عمر: قلت والله لأغدون إليه فلأبشرنه قال: فغدوت إليه لأبشره فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سبقته إلى خير قط إلا سبقني إليه"(4).
.

دوافع الذاتية:
-1 فردية التكليف:أن كل فرد سيحاسب يوم القيامة فرداً: وكلهم آتيه يوم القيامة فردا 95 (مريم)، وقال تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى (الإسراء:15).
.

-2 إعذار إلى الله: المعذرة إلى الله واجب عيني على المؤمن أن يؤديه بإيجابية دون انتظار لما يعمله الآخرون.وفي قصة الهدهد مع سيدنا سليمان بيان لما نقول: "إذ لولا الإيجابية في الهدهد لما قبل سليمان اعتذاره لأن عموم الارتباط بجماعة المؤمنين يقتضي أداء عمل ضمن الأهداف المعلومة وليس بالضرورة أن يكون منفذاً الأوامر فقط، وكذا الدعاة يجب ألا يقفوا عند حد الواجبات أو عتبة الأوامر، فالسكون تقصير والوقوف ضعف
.
ثالثا: تعميق مبدأ الشورى: وهي تداول وتقليب الآراء بين مجموعة معينة في موضوع معين للوصول إلى رأي يتم الاجتماع عليه أو يحوز الأغلبية ويصبح ملزماً للجميع.

وفي غزوة أحد بيان واضح وجلي لإقرار مبدأ الشورى حتى وإن كانت نتائجه الظاهرية مريرة.


يقول الأستاذ سيد قطب يرحمه الله : "ولقد كان من حق الإدارة النبوية أن تنبذ مبدأ الشورى كله بعد المعركة أمام ما أحدثته من انقسام في الصفوف في أحرج الظروف وأمام النتائج المريرة التي انتهت إليها المعركة، لكن الإسلام ينشئ أمة ويربيها ويعدها لإدارة البشرية، وكان الله يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمة وإعدادها للإدارة الرشيدة أن تربى على الشورى وأن تدرب على حمل التبعة، وأن تخطئ مهما يكن الخطأ جسيماً وذا نتائج مريرة لتعرف كيف تصحح خطأها.

.
رابعاً: نكران الذات: قال رسول الله {: إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي" . وقد مدحهم الله سبحانه وتعالى: إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير 271 (البقرة).


يقول ابن كثير في قوله: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم. فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها لأنه أبعد من الرياء؛ إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به فيكون أفضل من هذه الحيثية.عن عبد الله بن مسعود: "كونوا ينابيع العلم، مصابيح الهدى، أحلاس البيوت، سرج الليل، جدد القلوب، خلقان الثياب، تُعرفون في أهل السماء وتخفون في أهل الأرض".(6).ويقول الإمام ابن القيم: "أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس بالإخلاص، وعن نفسك بشهود المنة، فلا ترى فيه نفسك ولا ترى الخلق"(7).

--------------------------------

هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم.. بارك الله فيكم يا أخي على هذه الدروس القيمةو التي ما زادتنا إلا قوّة في إيمان و تعلقا بالرحمان فشكرا لكم و جزاكم الله الفردوس الأعلى ...
الرعد الذي لا ماء فيه لا ينبت العشب كذلك العمل الذي لا إخلاص فيه لا يثمر الخير
جعلنا الله جميعا من أهل الخير

jim_safouane يقول...

وفيكم بارك الله أختنا .. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا

آمين