6 سبتمبر 2009

لماذا الفتور في رمضان؟

بقلم: د. أحمد حسن

إخوتي وأحبتي في الله.. لماذا تقلُّ أعداد المصلين في التراويح في العشر الأواسط من رمضان؟ لماذا تقصر همتنا عن فعل الخيرات في منتصف الشهر الفضيل؟ لماذا تضعف قدرتنا على التقوى الحقيقية بعد بدايات شهر التقوى؟

أترانا ندخل تحت حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لكل عالم شرة، ولكل شرة فترة، فمن فتر إلى سنتي؛ فقد نجا، وإلا؛ فقد هلك" (أخرجه أحمد في المسند 2/ 158).

وأترك لك أخي الصائم أن تجيب: هل فتورنا في رمضان يدخلنا تحت وصف "فقد نجا"، أم تحت وصف "فقد هلك

أترانا لو خسرنا رمضان؟ لو كان فتورنا كسلاً.. وهدأتنا نومًا.. وراحتنا تقصيرًا.. هل لنا من عذر؟ لو ربح الناس وخسرنا! لو مر الناس وتعثرنا! لو غفرت ذنوب الناس وحوسبنا!..فإلى أين المصير؟ أينسلخ عنا الشهر ولم يُغفر لنا؟

أيُقام سوق الحسنات، وينفض ويرجع الناس منه ببضاعة طيبة، ونرجع نحن ببضاعة مزجاة؟ نعوذ بالله من ذلك عياذًا يمنعنا من النوم، ويدفعنا إلى العمل الصالح الذي يرضي الله عزَّ وجلَّ عنا.

بعض أعراض الفتور في رمضان:

.
1) التكاسل عن بعض المكتوبات في المساجد، خلافًا لما كنت عليه في أول الشهر.

2) الإقلال من كمِّ ورد القرآن الذي تقرأه يوميًّا، مقارنةً بما كنت عليه في أول الشهر.

3) فقدان بعض من إحساسك بلذة العبادة الذي كنت تستشعره في أول الشهر، ثم تحوَّل الأمر إلى شعور بالرتابة والتعود ثم... التكاسل.

4) حدوث بعض التجاوزات السلوكية المتعلقة بالتقوى (عدم كظم الغيظ¬- عدم غض البصر- لغو القول¬-كثرة الضحك- البخل في الإنفاق على المحتاجين- الفحش في الكلام- الغيبة والنميمة- الكذب....).

5) التراجع عن أوراد وأذكار وأعمال بر ومناشط خير، كنت قد عزمت عليها، وألزمت نفسك بها، بل وعاهدت ربك عليها!!.

6) عدم استشعارك لمعاني القرآن إذا تُلي عليك، وعدم تأثرك بآياته كما كنت في أول الشهر.

ألا ترى عدد المصلين في الفجر وفي القيام في وسط رمضان كيف نقص؟! إنه الفتور... فلماذا إذن؟!

ودعوني أعود إلى سؤالي الأول... لماذا الفتور في رمضان؟

والإجابة: لأن عبادة الصوم تحولت إلى عادة... ولماذا تتحول العبادة إلى عادة؟ أترى لأننا نشعر بالتجديد في أول الشهر.. ثم ما يلبث هذا الشعور أن يبدأ في الاضمحلال؟ أو لأننا نشعر بالتغيير في أول الشهر؛ فنجد للعبادة لذة، ثم يفتر هذا الشعور تدريجيًّا.. وتصبح العبادة أداءً بلا روح وواجبات لا حياة فيها.

صحيح أن النشاط يدب مرةً أخرى في القلوب في العشر الأواخر.. ولكن لماذا نخسر شيئًا من أيام رمضان؟ أتراه أمرًا هينًا أن تخسر بعضًا من أيام الرحمات والغفران؟ وهل عندك من الله عهد أن يحييك إلى رمضان المقبل لتعوض ما فات؟

والآن تعالوا أحبتي نحاول أن نمنع تحول العبادة إلى عادة... كيف نعيد اللذة والحيوية إلى عبادة الصوم ونحن في أواسط رمضان؟

وسنذكر هنا بعض الأمور المعينة على الحماس في العبادة في رمضان:

.
أولاً: ذكِّر نفسك دائمًا بهذا الحديث الشريف، وردِّده كثيرًا.. كأنه من أورادك.. بل اجعله من أورادك، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه" (حسن صحيح وأخرجه البخاري ومسلم)؛ لأنه يعني للصائم أمرين:

.
1) استحضار النية دائمًا أثناء الصيام: (أنا ممتنع عن الملذات استجابةً وإرضاءً لله رب العالمين)، قلها في نفسك كثيرًا، وهذا معنى "إيمانًا".

2) تذكر الأجر العظيم.. ذكِّر نفسك بالمغفرة، وهذا معنى "احتسابًا"، وقل في نفسك: (أنا صائم ابتغاء ما عند الله من الأجر والغفران).

والسؤال: ما الشرط لهذه المغفرة؟ إنه الاحتساب في كل الشهر ليس في أوله فقط؛ ولكن في جميع أيام الشهر..أوله.. وسطه.. آخره.

استمر في تذكر الأجر، استشعر أنك تدخر رأس مال لك (هو الغفران) في خزائن عند ربك.المحتسب على الله في الأجر يشعر بكل يوم وبكل صوم.

ثانيًا: التمعن في عظم الأجر:

.
1- أن نتمعن في الأجر العظيم الذي يكون بغير اعتبار عدد معين، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل عمل ابن آدم يُضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ما شاء الله، يقول الله: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان؛ فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" (أخرجه مسلم).

2- الصيام سبب لتكفير جميع الذنوب إلا الكبائر، "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر" (رواه مسلم من حديث أبي هريرة).

3- الصيام يشفع لك يوم القيامة، ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيُشفعان" (صحيح أخرجه الإمام أحمد).

4- والباب المخصص الذي يدخل منه الصائمون الجنة (باب الريان) ألا يحرك فيك همة؟! "إن في الجنة بابًا يُقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يُقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد" (متفق عليه).

5- وهذا الحديث الذي يعيد إلينا الحيوية في وسط الشهر الكريم: "إذا كان أول ليلة من رمضان؛ صُفدت الشياطين ومردة الجن، وغُلِّقت أبواب النار، فلم يُفتح منها باب، وفُتحت أبواب الجنة، فلم يُغلَّق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة" (رواه البخاري، والترمذي، وهذا لفظ الترمذي).

وانتبه أخي الحبيب لهذه العبارة الحساسة جدًّا، والتي تمنع تحول صيامنا إلى عادة، عبارة تمنع من الكسل والفتور، "ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة".. فقد تكون أنت عتيق الله من النار في أواسط هذا الشهر، فلماذا الكسل والتواني؟! لا بد من الانبعاث وإعادة الهمة، لا بد أن لا تغيب هذه الأحاديث عن أذهاننا.

ثالثًا: تذكر الأحاديث المرغبة في الاجتهاد في العبادة، وعلى رأسها حديث الإمام أحمد والترمذي: "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يُغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة".

رابعًا: تنويع العبادة في أثناء الشهر؛ صيام، قيام، إطعام، إنفاق، زكاة وصدقات، صلة أرحام... وهكذا تتنوع العبادات؛ فيتجدد النشاط وتعود الحيوية.

خامسًا: عد الأيام التي مضت من الشهر، وتذكر طول الوقت حتى يرجع رمضان مرة أخرى... وقد لا يعود!!.

فكلما مرَّ يوم استشعر سرعة انقضاء العمر، وقصر الأمل، وأن هذا ربما كان آخر رمضان تقضيه حيًّا وغدًا تراب وحساب!!.

وأخيرًا لا أجد ما أقوله لك سوى هذه الكلمات الوضيئات التي خرجت من أشرف فم في تاريخ الناس صلى الله عليه وسلم: "من صام يومًا في سبيل الله زحزحه الله عن النار سبعين خريفًا" (صحيح أخرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي).

وأذكرك أخي الصائم بحديث رسولك صلى الله عليه وسلم: "من صام يومًا في سبيل الله باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام" (حسن رواه النسائي).

وقوله صلي الله عليه وسلم: "من صام يومًا في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقًا كما بين السماء والأرض" (صحيح رواه أبو أمامة عند الترمذي).

وآخر ما أبشرك به وأنت صائم، قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا" (أخرجه البخاري).

فقط لاحظ.. وأنت الفطن، أن وصف صوم الصائم في هذه الأحاديث كلها هو.. "في سبيل الله"، فلا تغفل عن هذا لتنعم بهذه البشريات.

رزقني الله وإياك الدوام والثبات على طاعته في رمضان وبعد رمضان.. إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


------------------------------
http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=53595&SecID=363

ليست هناك تعليقات: